Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 19-22)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ ٱلْمَوْتِ } أي غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتجلب على عقله . قوله : " بالْحَقِّ " يجوز أن تكون الباء للحال أي مُلْتَبسةً بالحقّ والمعنى بحقيقة الموت ، ويجوز أن تكون للتعدية والمراد منه الموت فإنه حق كأن شدة الموت تحضر الموت ، يقال : جاء فلان بكذا أي أحضره ، وقيل : بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعَيَان . وقيل : بما يَؤُول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة . وقرأ عبد الله : سَكَرَاتُ . ويقال لمن جاءته سكرة الموت : ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تحيد أي تميل ، من حَادَ عن الشيء يَحِيدُ حُيُوداً وحُيُودَةً وحَيْداً . وقال الحسن : تهرب ، وقال ابن عباس - ( رضي الله عنهما - ) تكره وأصل الحَيْدِ : الميلُ ، يقال : حُدْتُ عن الشيء أَحِيدُ حَيْداً ومَحِيداً إذا مِلْت عنه ، و " ذلك " يحتمل أن يكون إشارة إلى الموت وأن يكون إشارة إلى الحق . والخطاب قيل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال ابن الخطيب : وهو مُنْكَر ، وقيل : مع الكافر . وهو أقرب . والأقْوى أن يقال : هو خطاب عامٌّ مع السامع . قوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } عطف على قوله : { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ ٱلْمَوْتِ } يعني نفخة البعث { ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ } الذي وعد الكفار أن يعذبهم فيه . قال الزمخشري : " ذلك " إشارة إلى المصدر الذي هو قوله : " وَنُفِخَ " أي وقت ذلك النفخ يوم الوعيد . قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف ؛ لأن " يوم " لو كان منصوباً لكان ما ذكره ظاهراً ، وأما رفع " يوم " فيفيد أن ذلك نفس اليوم ، والمصدر لا يكون نفس الزمان وإنما يكون في الزمان . فالأولى أن يقال : " ذلك " إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله : " ونفخ " لأن الفعل كما يدل على المصدر يدل على الزمان فكأنه قال تعالى : ذلك الزمان يوم الوعيد ، والوعيد هو الذي أَوْعَدَ به من الحَشر ، والمجازاة . قوله : { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } قيل : السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف ومنْه إلى مقعده ، والشهيدُ هو الكاتب . والسائق لازم للبرِّ والفَاجِرِ ، أما البَرُّ فيساق إلى الجنة وأما الفاجر فإلى النار ، قال تعالى : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ … وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ } [ الزمر : 71 - 73 ] ، والشهيد يشهد عليها بما عملت . قال الضحاك : السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم الأيدي والأرجل ، وهي رواية العَوْفي عن ابن عباس . وقيل : هما جميعاً من الملائكة . قوله : " مَعَهَا سَائِقٌ " جملة في موضع جر صفة " لِنَفسٍ " أو في موضع رفع صفة " لكُلّ " أو في موضع نصب حالاً من " كُلّ " . والعامة على عدم الإدغام في " معها " وطلحة على الإدغام " مَحَّا " بحاءٍ مشددة ، وذلك أنه أدغم العين في الهاء ، ولا يمكن ذلك فقلبت الهاء حاء ثم أدغم فيها العين فقلبها حاءً . وسمع : ذَهَبَ مَحُّمْ أي معهم . وقال الزمخشري : ومحل " مَعَهَا سَائقٌ " النصب على الحال من " كُلّ " ؛ لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة . وأنْحى عليه أبو حيان وقال : لا يقولُ هذا مبتدىءٌ في النحو ، لأنه لو نعت " كُلُّ نَفْسٍ " مَا نعت إلا بالنكرة . قال شهاب الدين : وهذا منه غير مرض إذ يعلم أنه لم يرد حقيقة ما قاله . قوله : " لَقَدْ كُنْتَ " أي يقال له : لَقَدْ كُنْتَ ، والقول إما صفة أو حال . والعامة على فتح التاء في " كُنْتَ " والكاف في " غِطَاءَكَ " و " بَصُرَكَ " حملاً على لفظ " كل " من التذكير . والجَحْدَريّ : كُنْتِ بالكسر مخاطبة للنفس . وهو وطلحة بن مصرف : { عَنكِ غِطَاءَكِ فَبَصَرُكِ } بالكسر مراعاة للنفس أيضاً . ولم ينقل صاحب اللوَّامح الكسر في الكاف عن الجَحْدَري ، وعلى كل فيكون قد راعى اللفظ مرةً والمعنى أُخْرَى . فصل والمعنى { لقد كنت في غفلة من هذا } اليوم فكشفنا عنك الذي كان في الدنيا وعلى قلبك وسمعك وبصرك { فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } نفاذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا . وقال مجاهد : يعني نظرك على لسان ميزانك حيث توزن حسناتكَ وسيِّئَاتُكَ . والمعنى أزلنا غَفْلَتَك عنك فبصرك اليوم حديد وكان من قبل كليلاً .