Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 23-26)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } قيل : المراد بالقرين : الملك الموكل به وهو القعيد والشهيد الذي سبق ذكره { هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } يريد كتاب أعماله معدٌّ محضَرٌ . وقيل : المراد بالقرين الشيطان الذي زين له الكفر والعصيان بدليل قوله : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } [ فصلت : 25 ] وقال : { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] وقال تعالى : { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } [ الزخرف : 38 ] فالإشارة بهذا السَّوْق إلى المرتكب للفجور والفسوق . والقعيد معناه المعتد الناد ومعناه أن الشيطان يقول : هذا العاصي شيء هو عندي معتد لجهنم أعتدته لها بالإغواء والإضلال . قوله : { هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } يجوز أن تكون " ما " نكرة موصوفة و " عتيد " صفتها و " لَدَيَّ " متعلق بعَتِيدٍ أي هذا شيء عتيدٌ لدي أي حاضر عندي ويجوز على هذا أن يكون " لَدَيَّ " وصفاً لـ " ما " و " عتيد " صفة ثانية ، أو خبر مبتدأ محذوف أي هو عتيدٌ ، ويجوز أن تكون موصولة بمعنى الذي و " لَدَيّ " صلتها ولَدَيَّ خبر الموصول والموصول وصلته خبر الإشارة ويجوز أن تكون " ما " بدلاً من هذا موصولة كانت أو موصوفة بـ " لَدَيَّ " و " عتيد " خبر " هذا " . وجوز الزمخشري في " عتيد " أن يكون بدلاً أو خبراً بعد خبر أو خبَر مبتدأ محذوف . والعامة على رفعه ، وعبد الله نصبه حالاً . والأجود حينئذ أن تكون " ما " موصولة ؛ لأنها معرفة والمعرفة يكثر مجيء الحال منها . قال أبو البقاء : " ولو جاز ذلك في غير القرآن لجاز نصبُهُ على الحال " كأنَّه لم يطلعْ عليها قراءةً . قوله : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } اختلفوا هل المأمور واحد أو اثنان ؟ فقيل : واحد . وإنما أتى بضمير الاثنين دلالةً على تكرير الفعل كأنه قيل : أَلْقِ أَلْقِ . وقيل : أراد أَلْقِيَنْ بالنون الخفيفة ، فأبدلها ألفاً إجراءً للوصل مُجْرَى الوقف ، ويؤيده قراءة الحسن ( - رضي الله عنه - ) أَلْقِيَنْ بالنون . وقيل : العرب تخاطب الواحد مخاطبةَ الاثنين تأكيداً كقوله : @ 4512 - فَإنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَ أزْدَجِرْ وَإنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضاً مُمَنَّعَا @@ وقال آخر : @ 4513 - فَقُلْتُ لِصَاحِبي : لاَ تَحبسانا بِنَزْعِ أُصُولِهِ واجْدَزَّ شِيحَا @@ وتقول العرب : ويحك ارْجِلاَهَا وازْجُرَاهَا وخُذاها للواحد . قال الفراء : وأصل ذلك أن أدنى أعوانِ الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان فجرى كلام الواحد على صاحبه ، ومنه قولهم في الشعر : خليليَّ . وقال الزجاج : هذا أمر السائق والشهيد . وقيل : للمتلقين . قوله : { كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } الكفار يحتمل أن يكون من الكُفْر فيكون بمعنى شديد الكفر لأن الشديد في اللفظ بدل على شدة في المعنى ، ويحتمل أن يكون من الكُفْران فهو المنكر نعم الله مع كثرتها . و " العنيدُ " فعيل بمعنى فاعل من عَنِدَ عُنُوداً ، ومنه العِنَادُ . والمعنى عاصٍ معرض عن الحق . قال عكرمة ومجاهد : مجانبٍ للحق ومعاندٍ لله . قوله : " مَنَّاع للخير " أي كثير المنع للمال والواجب من الزَّكاة وكُلّ حق واجب في ماله هذا إذا قلنا إن الكفار هو المنكر نعم الله تعالى . وإن قلنا : هو من الكفر فهو الذي أنكر دلائل وحدانية الله تعالى مع قوّتها وظهورها ، فكان شديد الكفر عنيداً حيث أنكر الحق الواضح فهو مناع شديد المنع من الإيمان فهو مناع للخير وهو الإيمان الذي هو خَيْرٌ محض ، كأنه يقول : كفر بالله ولم يقتنع بكفره ، حتى مَنَعَ الخير من الغَيْر . قوله : " مُعْتَدٍ " فإن فسرنا المَنَّاع بمنَّاع الزكاة فمعناه لمن يؤدِّ الواجب وتعدى ذلك حتى أخذ الحرام أيضاً بالرِّبا كما كان عادة المشركين ، وإن كان المنّاع بمعنى منع الإيمان فكأنه يقول : مَنَعَ الإيمان ولم يقنع به حتى تعداه ، وأهان مَنْ آمَن ، وآذاهُ ، وأعان من كفر فَآوَاهُ . قال المفسرون : هو الظالم الذي لا يُقرُّ بتوحيد الله تعالى . وقوله : " مُرِيبٍ " أي شاكّ في التوحيد . ومعناه دخل في الرَّيْب ، وقيل : موقع للغير في الريب بإلقاء الشُّبَه . وإن قيل : بأن المنَّاع مَنَّاعُ الزكاة فمعناه لا يعطي الزكاة لأنه في رَيْبٍ من الآخرة والثواب . قال ابن الخطيب : وفيه ترتيب آخر وهو أن يُقَالَ : هذا بيان أحوال الكافر بالنسبة إلى الله تعالى وإلى الرَّسُول وإلى اليوم الآخر . فقوله : " كَفَّار عَنيد " إشارة إلى حَالِهِ مَعَ اللَّهِ يكفر به ويعاند آياته . وقوله : { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ } ، إشارة إلى حَالِهِ مع الرسول يمنع الناس اتّباعَهُ ومن الإنفاق على مَنْ عنده وبتعدَّى بالإيذاء وقوله : " مريب " إشارة إلى حاله بالنسبة إلى اليوم الآخر يَرْتَاب فيه ولا يظن أن الساعة قائمةٌ . فإن قيل : قوله تعالى : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ } إلى غير ذلك يوجب أن يكون الإلقاءُ خاصاً بمن اجتمع فيه هذه الصفات بأسرها والكفر وحده كاف في إثبات الإلقاء في جهنم ؟ فالجواب : أن قوله : { كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } ليس المراد منه الوصف المميز كما يقال : أعطِ العالم الزاهدَ بل المراد الوصف المبين لكون الموصوف موصوفاً به إما على سبيل المدح أو على سبيل الذم كقولك : هَذَا حَاتِمٌ السخيُّ . فقوله : { كل كفار عنيد } معناه أن الكافر عنيد ومناع للخير ؛ لأن آياتِ الوحدانية ظاهرةٌ ونِعَمَ الله على عباده وافرة وهو مع ذلك عنيد ومناع للخير ، لأنه يمدح دينه ويذم دين الحق فهو يَمْنَعُ ، ومُرِيب لأنه يرتاب في الحَشْر ، وكل كافر فهو موصوف بهذه الصفات . قوله : " الَّذِي جَعَلَ " يجوز أن يكون منصوباً على الذَّمِّ ، أو على البدل من " كُلَّ " وأن يكون مجروراً بدلاً من " كَفَّارٍ " ، أو مرفوعاً بالابتداء والخبر " فَأَلْقِيَاهُ " . قيل : ودخلت الفاء لشبهِهِ بالشرط ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي هو الذي جعل ، ويكون " فَأَلْقِيَاهُ " تأكيداً . وجوز ابن عَطِيَّة أن يكون صفة " لِكَفَّارٍ " ؛ قال : من حيث يختص " كفار " بالأوصاف المذكورة فجاز وصفه لهذه المعرفة . وهذا مردودٌ . وقرىء بفتح التَّنوين في " مُرِيب " فراراً من تَوَالي أَرْبع متجانساتٍ .