Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 30-35)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ } يوم منصوب إما " بظَلاَّمٍ " ولا مفهوم لهذا ؛ لأنه إذا لم يظلم في هذا اليوم فنفي الظلم عنه في غيره أحرى . أو بقوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } [ ق : 20 ] . والإشارة بذلك إلى : يَوْمَ نَقُولُ . قاله الزمَخْشَريّ . واستبعده أبُو حَيَّان ؛ لكثرة الفواصل أو باذْكُرْ مقدراً أو بأنْذِرْ . وهو على هذين الأخيرين مفعول به لا ظرف . وقرأ نافعٌ وأبو بكْرٍ : يَقُولُ لِجَهَنَّم بياء الغيبة ، والفاعل : الله تعالى ، لتقدم ذكره في قوله : { لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ } [ ق : 28 ] والأعمش : يُقالُ مبنياً للمفعول . وقوله : " هَل امْتَلأتِ " وذلك لما سبق من وعده إياها أنه يملأها من الجنَّةِ والنَّاسِ وهذا السؤال من الله - عزّ وجلّ - لتصديق خبره وتحقيق وَعْدِهِ . قوله : { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } سؤال تقرير وتوقيف . وقيل : معناه النفي . وقيل : السؤال لخزنتها والجواب منهم ، فلا بدّ من حذف مضاف أي نقولُ لخزنة جهنم ويقولون ثم حذف . و " المزيد " يجوز أن يكون مصدراً أي مِنْ زيادةٍ وأن يكون اسمَ مفعول أي من شيءٍ تَزيدُونَه أَحْرِقُهُ . فصل قال المفسرون : معنى قوله : هل من مزيد أي قد امتلأتُ ولم يبق فِيَّ موضعٌ لم يمتلىء ، فهو استفهام إنكار بمعنى الاستزادة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ( رضي الله عنهم ) وعلى هذا يكون السؤال وهو قوله : هل امتَلأتِ قبل دخول جميع أهلها فيها . روي عن ابن عباس : أن الله تعالى سبقت كلمته : لأمْلأَن جهنم من الجنة والناس أجمعين ، فلما سبق أعداء الله تعالى إليها لا يلقى فيها فوجٌ إلا ذهب فيها ولا يمَلأُها فتقول : ألستَ قد أقسمتَ لتَمَلأَنِّي فيضع قدمه عليها ثم يقول : هل امْتَلأتِ ؟ فتقول : قَطْ قَطْ قَد امتلأت وليس فِيَّ مزيد . قوله تعالى : { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ } قربت وأدنيت وقوله : " غَيْرَ بَعِيدٍ " يجوز أن يكون حالاً من " الجنة " ولم يؤنث ؛ لأنها بمعنى البُسْتَان ، أو لأن " فَعِيلاً " لا يؤنث ؛ لأنه بزنة المصادر ، قاله الزمخشري ومنعه أبو حيان ، وقد تقدم في قوله : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [ الأعراف : 56 ] ويجوز أن يكون منصوباً على الظرف المكاني ، أي مكاناً غير بعيد ، ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أي إزلافاً غير بعيد ، وهو ظاهر عبارة الزمخشري ، فإنه قال : أو شيئاً غير بعيد . فإن قيل : ما وجه التقريب مع أن الجنة مكانٌ ، والأمكنة يقرب منها وهي لا تقرب ؟ فالجواب من وجوه : الأول : أن الجنة لا تزال ولا يؤمر المؤمن في ذلك اليوم بالانْتِقَال إليها مع بعدها لكن الله تعالى يطوي المسافة التي بين المؤمن والجنة فهو التقريب . فإن قيل : فعلى هذا ليس إزْلاف الجنة من المؤمن بأولى من إزْلاَفِ المؤمنِ من الجنة فما فائدة قوله : " أزلفت الجنة " ؟ فالجواب : أن ذلك إكرام للمؤمن وبيان لشرفه ، وأنه مِمَّنْ يمشى إليه . الثاني : قربت من الحصول في الدخول لا بمعنى القرب المكاني . الثالث : أن الله تعالى قادر على نقل الجنة من السماء إلى الأرض فيقربها للمؤمن ويحتمل أنها أُزْلِفَتْ بمعنى جَمَعَت محاسنها ، لأنها مخلوقة ، وإما بمعنى قرب الحصول لها لأنها تنال بكلمة وحسنة وخص المتقين بذلك لأنهم أحقّ بها . قوله : { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ } هذه الجملة يجوز فيها وجهان : أحدهما : أن تكون معترضة بين البَدَلِ والمُبْدَلِ منه ، وذلك أن " لِكُلِّ أَوَّاب " بدل من " المتقين " بإعادة العامل . والثاني : أن تكون منصوبة بقول مُضْمَرٍ ، ذلك القول منصوب على الحال أي مقولاً لهم . وقد تقدم في ( سُورَة ) " ص " أنه قرىء : يُوعَدُونَ بالياء والتاء . ونسب أبو حيان قراءة الياء من تحت هنا لابن كثير ، وأبي عمرو ، وإنما هي عن ابن كثيرٍ وَحْدَهُ . فصل والأواب الرَّجَّاعُ ، قيل : هو الذي يَرْجِعُ عن الذنوب إلى الاستغفار والطاعة ، قال سعيد بن المُسَيِّب : هو الذي يُذْنبُ ثم يتوب ، ثم يُذْنِبُ ثم يتوبُ . وقال الشَّعْبِيُّ ومجاهدٌ : هو الذي يذكر ذنوبهُ في الخَلاَءِ فيستغفر منها . وقال عطاء ، وابن عباس : هو المسبِّح من قوله : { يَٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } [ سبأ : 10 ] وقال قتادة : هو المصلِّي . والْحَفِيظُ : هو الذي يحفظ تَوبته من النّقص . وقال ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) - هو الذي يحفظ ذُنُوبَهُ حتَّى يرجع عنها ويستغفر منها . وقال ابن عباس أيضاً : الحفيظ لأمر الله ، وقال قتادة الحفيظ لما استودعه الله من حقِّه . والأوَّابُ والحفيظ كلاهما من باب المبالغة أي يكون كثيرَ الأَوْبِ شديدَ الحِفْظِ . قوله : " مَنْ خَشِيَ " يجوز أن يكون مجرور المَحَلّ بدلاً ، أو بياناً لـ " كُلّ " . وقال الزمخشري : يجوز أن يكون بدلاً بعد بدل تابعاً لكل . انتهى . يعني أنه بدل من كل بعد أن أبدلت " لكلّ " من " لِلْمُتَّقِينَ " . ولم يجعلْه بدلاً آخر من نفس " لِلْمُتَّقِينَ " لأنه لا يتكرر البدل والمبدل منه واحد . ويجوز أن يكون بدلاً من موصوف " أَوَّابٍ وحَفِيظٍ " قاله الزمخشري . يعني أن الأصل لكلّ شخص أوابٍ ، فيكون " مَنْ خَشِيَ " بدلاً من " شَخْص " المقدر . قال : ولا يجوز أن يكون في حكم " أواب وحفيظ " ؛ لأن " مَنْ " لا يوصف بها ، لا يقال : الرجلُ مَنْ جاءني جالسٌ ، كما يقال : الرجل الذي جَاءَني جالسٌ . والفرق بينهما يأتي في الفصل بعده . ولا يوصف من بين الموصولات إلاَّ بالَّذي يعني بقوله : " في حكم أواب " أن يجعل من صفة . وهذا كما قال لا يجوز ، إلا أنَّ أبا حَيَّانَ استدرك عليه الحَصْرَ وقال : بل يوصف بغير الذي من الموصولات كوصفهم بما فيه أل الموصوفة ، نحو : الضَّارِبُ والمَضْرُوب ، وكوصفهم بذُو وذاتِ الطَّائِيَّتَين نحو قولهم : " بالْفَضْلِ ذُو فَضَّلَكُم اللَّهُ بِهِ ، والْكَرَامَةِ ذات أَكْرَمَكُمْ بِهِ " . وقد جوز ابن عطية في : " مَنْ خَشِيَ " أن يكون نعتاً لما تقدم . وهو مردود بما تقدم . ويجوز أن يرتفع : مَنْ خَشِيَ على أنه خبر ابتداءٍ مضمر أو ينصب بفعل مضمر ، وكلاهما على القطع المُشْعِر بالمَدْحِ ، وأن يكون مبتدأ خبره قولٌ مضمر ناصبٌ لقوله : ادْخُلُوها وحُمِلَ أولاً على اللفظ وفي الثَّاني على المَعْنَى . وقيل : مَنْ خَشِيَ منادى حذف منه حرف النداء أي يَا مَنْ خَشِيَ ادْخُلُوهَا باعتبار الجملتين المتقدمتين وحَذْفُ حرف النداء سائغٌ . وأن تكون شرطية وجوابها محذوف هو ذلك القول ، ولكن ردّ معه فاء أي فيقال لهم . و " بالْغَيْبِ " حال أي غائباً عنه ، فيحتمل أن يكون حالاً من الفاعل أو المفعول أو منهما ، وقيل : الباء المسببة أي خشيةً بسبب الغَيْب الذي أوعد به من عذابه . ويجوز أن يكون صفة لمصدر خشي أي خَشِيهُ خشْيَةً مُلتَبِسَةً بالْغَيْبِ . فصل قال ابن الخطيب : إذا كان " مَنْ والَّذي " يشتركان في كونهما من الموصولات فلماذا لا يشتركان في جواز الوصف بهما ؟ فنقول : " ما " اسم مبهم يقع على كل شيء فمفهومه هو شيء ، لكن الشيء هو أعم الأشْياء فإن الجَوْهَرَ شيء ، والعَرَضَ شيء ، والواجب شيء ، والممكن شيء ، والأعَمُّ قبل الأخص في الفهم لأنك إذا رأيت شيئاً من البعد تقول أولاً : إنَّه شيء ، ثم إذا ظهر لك منه ما يختص بالناس تقول : إنسان ، فإذا بان لك أنه ذكر قلت : إنه رجل ، فإذا وجدته ذا قوة تقول : شجاعٌ إلى غير ذلك فالأعَمّ أعرف ، وهو قبل الأخَص في الفهم ، فلا يجوز أن يكون صفة ، لأنَّ الصفة بعد الموصوف . هذا من حيث المعقول ، وأما من حيث النَّحْو ، فلأن الحقائق لا يوصف بها ، فلا يقال : جِسْمُ رَجُلٍ جَاءَنِي ، كما يقال : جِسْمُ نَاطِقٍ جَاءَنِي ؛ لأنَّ الوصف يقوم بالموصوف والحقيقة تقوم بنفسها لا بغيرها . فقولنا : عالم أي شيء له علم . فصل والخَشْيَةُ والخَوْفُ معناهما واحد عند أهل اللغة ، لكن بينهما فَرْقٌ ، وهو أن الخشيةَ خوفٌ من عَظَمَةِ المَخْشِيِّ ، لأن تركيب حروف " شَ يَ خَ " في تقاليبها يلزمه معنى الهيبة ، يقال : شَيْخٌ لِلسَّيِّدِ وللرجل الكبير السِّنِّ ، وهما جميعاً مَهِيبَان والخوف خشيةٌ من ضعف الخاشي ، لأنَّ تركيب " خَ وَ ف " في تقاليبها يدل على الضعف ، ويدل على ذلك أنه حيث كان الخوف من عظمة المخشيّ قال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] ، وقال : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ الحشر : 21 ] وقال : { هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } [ المؤمنون : 57 ] مع أن الملائكة والجبل أقوياء وحيث كان الخوفُ من ضعف الخاشِي سماه خوفاً قال تعالى : { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } [ فصلت : 30 ] أي بسبب مكروه يلحقكم في الآخرة . وقال تعالى : { خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } [ القصص : 18 ] وقال : " إنِّي أَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ " لوحدته وضعفه هذا في أكثر الاستعمال وربما يتخلف ( المُدَّعَى عنه لكن الكثرة كافية ) . فصل معنى الآية من خاف الرحمن فأطاعه بالغيب ، ولم يره . وقال الضّحاك والسّدي : يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد . قال الحسن : إذا أرخى الستر وأغلق الباب . { وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } هذه صفة مدح ، لأن شأن الخائف أن يَهْرب ، فأما المتقي فجاء ربه لعلمه أنه لا ينجي الفِرار منه . وقوله : " مُنِيبٍ " أي مخلص مقبل على طاعة الله تعالى . والباء في " بِقَلْبٍ " إما للتعدية ، وإما للمُصَاحَبة ، وإما للسببية . والقلب المنيب كالقلب السليم في قوله تعالى : { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الصافات : 84 ] أي سليم من الشرك . قوله : " ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ " الجار والمجرور حال من فاعل " ادْخُلُوهَا " أي سالمين من الآفات فهي حال مقارنة ، أو مسلّماً عليكم فهي حال مقدرة كقوله : { فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ] . كذا قيل وفيه نظر ، إذ لا مانع من مقارنة وتسليم الملائكة عليهم حال الدخول بخلاف فَادْخُلُوهَا خالدينَ فإنه لا يعقل الخلود إلا بعد الدخول ، والضمير في " ادْخُلُوهَا " عائد إلى الجنة ، أي ادخلوا الجنة بسلامةٍ من العذاب والهموم وقيل : بسلام من الله وملائكته عليهم . قوله : { ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلْخُلُودِ } قال أبو البقاء : أي ومن ذلكَ يَوْمُ الخلود كأنّه جعل " ذَلِكَ " إشارة إلى ما تقدم من إنعام الله عليهم بما ذكره ، وقيل " ذَلِك " مشارٌ به لما بعده من الزَّمان ، كقولك : هَذَا زَيْدٌ . قال الزمخشري : في قوله : { ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلْخُلُودِ } إضمار تقديره : ذَلِكَ يَوْم تَقْرِير الخُلُود . ويحتمل أن يقال : اليوم يُذْكَرُ ويراد به الزمان المطلق سواء كان يوماً أو ليلاً ، تقول : يَوْمَ يُولَدُ لِفُلاَن يكون السرورُ العظيمُ ، ولو ولد له بالليل لكان السرور حاصلاً فالمراد به الزّمان فكأنه تعالى قال : ذَلك زَمَانُ الإقامة الدَّائِمَةِ . فإن قيل : المؤمن قد علم أنه إذا دخل الجنة خلد فيها فما فائدة القول ؟ فالجواب من وجهين : الأول : أن قوله : { ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلْخُلُودِ } قول قاله الله في الدنيا ، إعلاماً وإخباراً ، وليس ذلك قولاً يقولُه عند قوله : " ادخلوها " ، فكأنه تعالى أخبر في يومنا أنَّ ذلك اليوم يومُ الخلود . الثاني : أن اطمئنان القلب بالقول أكثر . قوله : { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا } يجوز أن يتعلق " فيهَا " بـ " يشاؤون " ويجوز أن يكون حالاً من الموصول ، أو من عائِدِهِ والأول أولى . فصل ما الحكمة في أنه تعالى قال : ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ على المخاطبة ، ثم قال : " لَهُمْ " ولم يقل : لَكُم ؟ فالجواب من وجوه : الأول : أن قوله تعالى : " ادْخُلُوهَا " فيه مقدر ، أي فيُقَال لَهُمُ ادْخُلُوها . فلا يكون التفاتاً . الثاني : أنه التفات ، والحكمة الجمع بين الطرفين ، كأنه تعالى يقول : غير محلّ بهم في غيبتهم وحضورهم . ففي حضورهم الحبور ، وفي غيبتهم الحورُ والقُصُور . الثالث : أنه يجوز أن يكون قوله تعالى : " لَهُم " كلاماً مع الملائكة ، يقول للملائكة توكلوا بخدمتهم ، وَاعْلَمُوا أَنّ لهم ما يشاؤون فيها فأَحْضِروا بين أيديهم ما يشاؤون ، وأما أنا فعندي ما لا يخطر ببالهم ولا تَقْدِرُون أنتم عليه . و " المزيد " يحتمل أن يكون معناه الزيادة ، كقوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] ويحتمل أن يكون بمعنى المفعول ، أي عندنا ما نَزِيدهُ على ما يَرْجُون ويَأمَلُونَ . قال أنس وجابر : هو النظر إلى وجه الله الكريم .