Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 20-23)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } إذا ساروا فيها من الجبال والبحار والثمار وأنواع النبات تدلهم على أن الحَشْرَ كائن كقوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً } [ فصلت : 39 ] ، إلى أن قال : { إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا } [ فصلت : 39 ] ، ويحتمل أن يكون المعنى : وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ تَدُلُّ على مُدَبِّرٍ قادرٍ قاهرٍ يجب أن يُعْبَدَ ويُحْذَرَ . فإن قيل : كيف خصص الآيات بالمُوقنينَ ، ولم يُخَصِّصْ في قوله : { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا } [ يس : 33 ] ؟ فالجواب : أن القَسَمَ إنما يكون مع المعَانِد في البرهان ، فهو لا ينتفع بالآيات وإنما ينتفع بها المُوقِنُونَ فلذلك أقسم ههنا فقال : { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } وفي سورة يس لم يؤكد ذلك بالقسم الدال على المعاند . أو يقال : أطلقت هناك باعتبار حصولها وخصصت هنا باعتبار المنفعة بها . وجمعت " الآيات " هنا ، لأن المُوقن يتنبه لأمور كثيرة ، وكذلك قوله : وَفِي أَنْفُسِكُمْ آيات دالة على ذلك إذ كانت نطفةً ثم علقةً ، ثم مضغةً ، ثم عظاماً ، إلى أن ينفخ فيها الرُّوح . وقال عطاء عن ابن عباس - ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ) : يريد اختلاف الأَلْسنة والصور والألوان والطبائع . وقال ابن الزُّبَيْر : يريد سبيل البول والغائط يَأكُلُ ويَشْرَبُ من مَدْخَلٍ واحد ويَخْرج من سَبِيلَيْنِ . وقوله : " أفلا تبصرون " قال مقاتل : أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث ؟ قوله : " وفي أنفسكم " نَسَقٌ على ( مَا ) " في الأرض " فهو خبر عن " آيات " أيضاً ، والتقدير : وفي الأرض وفي أنفسكم آيات . وقال أبو البقاء : وَمَنْ رَفَعَ بالظرف جعل ضمير " الآيات " في الظرف . يعني من يرفع الفاعل بالظرف مطلقاً أي وإن لم يعتمد يرفع بهذا الجار فاعلاً هو ضمير " آيات " . وجوز بعضُهم أن يتعلق بـ " يُبْصِرُونَ " . وهو فاسدٌ ؛ لأن الاستفهام والفاء يمنعان جَوَازَهُ . وقرأ قتادة : " آية " بالإفراد ، وقوله : " فِي أنْفُسِكُمْ " يُحْتَمَلُ أن يكون المراد فِيكُمْ ، يقال : الحجارة في نفسها صُلْبَة ، ولا يراد بها النفس التي هي مَنْبعُ الحياة والحِسّ والحَرَكَات . ويحتمل أن يكون المراد وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات وقوله : " أَفَلاَ تُبْصِرُونَ " بالاستفهام إشارة إلى ظهورها . قوله : { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } أي سبب رزقكم . وقرأ حُمَيْدٌ وابنُ مُحَيْصن : رازِقُكُمْ اسم فاعل ، والله تعالى متعالٍ عَنِ الجِهّةِ . قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل : يعني بالرزق : المطر ؛ لأنه سبب الأَرزاق . وقيل : في السماء رزقكم مكتوب ، وقيل : تقدير الأرزاق كلها من السماء ، ولولاه لما حصل في الأرض حبَّة قُوتٍ . قوله : " وَمَا تُوعَدُونَ " قال عطاء : من الثَّوَاب والعِقَاب ، وقال مجاهد : من الخَيْر والشَّرِّ . وقال الضحاك : وما توعدون من الجَنَّة والنار فيكون المعنى على هذا : وما توعدون لحقّ ، كقوله : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } [ الذاريات : 5 ] فإن قلنا : المراد بقوله : " وما توعدون " الجنة فهو من الوعد ، وإن قيل : المراد العذاب فيكون الخطاب مع الكفار . قوله : { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } الضمير إما للقرآن ، وإما " للدِّين " ، وإما " الْيَوْم " في قوله : { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَاقِعٌ } [ الذاريات : 6 ] و " يَوْمَ هُمْ " و " يَوْم الدِّينِ " ، وإما للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - ودخلت الفاء بمعنى إنَّ ما توعدون لحق بالبرهان المبين ثم بالقسم واليمين أو للعطف على قوله : " والذَّاريات " مع إعادة المقسم عليه لوقوع الفَصْل . وأقسم أولاً بالمخلوقات وههنا بربها تَرَقِّياً من الأدنى إلى الأعلى . قوله : " مِثْلَ مَا " قرأ الأخوانِ وأبو بكر مِثْلُ بالرفع ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه خبر ثانٍ مستقلٌّ كالأَول . الثاني : أنه مع ما قبله خبرٌ واحد ، كقولك : هَذَا حُلْوٌ حَامِضٌ نقلهما أبو البقاء . والثالث : أنه نعت لحَقٍّ و " ما " مزيدة على الأوجه الثلاثة و " أَنَّكُمْ " مضاف إليه ، أي لَحَقٌّ مِثْلُ نُطْقِكُم ، ولا يضر تقدير إضافتها لمعرفة ، لأنها لا تتعرف بذلك لإبْهَامِهَا . والباقون بالنصب ، وفيه أوجه : أشهرها : أنه نعت " لحَقّ " أيضاً كما في القراءة الأولى ، وإنما بني الاسم لإضافته إلى غير متمكن ، كما بناه الآخر في قوله : @ 4522 - فَتَدَاعَى مِنْخَرَاهُ بِدَمٍ مِثْلَ مَا أثْمَرَ حُمَّاضُ الجَبَلْ @@ بفتح " مثل " مع أنها نعت لِـ " دَمٍ " وكما بنيت " غَيْرُ " في قوله - ( رحمةُ الله عليه ) - : @ 4523 - لَمْ يَمْنَع الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ حَمَامَةٌ فِي غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ @@ " غير " فاعل يمنع ، فبناها على الفتح لإضافتها إلى " أَنْ نَطَقَتْ " وقد تقدم في قراءة : { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [ الأنعام : 94 ] بالفتح ما يُغْنِي عن تقرير مِثْلِ هذا . الثاني : أن " مِثْلَ " ركّب مع " ما " حتى صارا شيئاً واحداً ، قال المازني : ومثله : وَيْحَمَا ، وهَيَّمَا وَأيْنَمَا ، وأنشد لحُمَيْد بن ثَوْر - ( رحمةُ اللَّهِ عليه رَحْمةً واسعةً - ) : @ 4524 - أَلاَ هَيَّمَا مِمَّا لَقِيتُ وَهَيَّمَا وَوَيْحاً لِمَنْ لَمْ يَدْرِ مَا هُنَّ وَيْحَمَا @@ قال : فلولا البناء لكان منوناً . وأنشد أيضاً : @ 4525 - … فَأَكْرِمْ بِنَا أباً وَأَكْرِمْ بِنَا ابْنَمَا @@ وهو الذي ذهب إليه بعض النحويين وأنشد : @ 4526 - أَثَوْرَ مَا أَصِيدُكُمْ أَمْ ثَوْرَيْنْ أَمْ هَذِه الْجَمَّاءُ ذَاتُ القَرنَيْنْ @@ وأما ما أنشده من قوله : " وَأَكْرِمْ بِنَا ابْنَمَا " فليس من هذا الباب ، لأن هذا " ابنٌ " زيدت عليه الميم وإذا زدتَ عليه الميم جعلت النون تابعةً للميم في الحركات على الفصيح ، فتقول : هذا ابْنُمٌ ، ورأيت ابْنَماً ومررت بابْنِمٍ ، فتجري حركات الإعراب على الميم ويتبعها النون . وابنما في البيت منصوب على التمييز فالفتح لأجل النصب لا البناء ، وليس هذه " ما " الزائدة ، بل الميم وحدها زائدة ، والألف بدل من التنوين . الثالث : أنه منصوب على الظَّرْف ، وهو قول الكوفيين . ويجيزون : زَيْدٌ مِثْلَكَ بالفتح ، ونقله أبو البقاء عن أبي الحسن ولكن بعبارة مُشْكِلَةٍ فقال : ويقرأ بالفتح ، وفيه وجهان : أحدهما : هو معرب ، ثم في نصبه أوجه ، ثم قال : أو على أنه مرفوع الموضع ، ولكنه فتح كما فتح الظرف في قوله : { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [ الأنعام : 94 ] على قول الأخفش ، ثم قال : والوجه الثاني : هو مبنيّ . وقال أبو عُبَيْد : بعض العرب يجعل " مِثْلَ " نصباً أبداً ، فيقولون : هَذَا رَجُلٌ مِثْلَكَ . الرابع : أنه منصوب على إسقاط الجارِّ وهو كافُ التشبيه . وقال الفراء : العرب تنصبها إذا رفع بها الاسم يعني المبتدأ فيقولون : مِثْلَ مَنْ عَبْد الله ؟ وعَبْد الله مثْلَكَ وأنْتَ مِثْلَه لأن الكاف قد تكون داخلة عليها فتُنْصَب إذا ألقيت الكاف . قال شهاب الدين : وفي هذا نظر ، أيّ حاجة إلى تقدير دخول الكاف و " مِثْلُ " تفيد فائدتها ؟ وكأنه لما رأى أن الكاف قد دخلت عليها في قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] قال ذلك . الخامس : أنه نعت لمصدر محذوف ، أي لحَقّ حَقًّا مِثْلَ نُطْقِكُمْ . السادس : أنه حال من الضمير في " لَحَقٌّ " ؛ لأنه قد كثر الوصف بهذا المصدر حتى جرى مَجْرى الأوصاف المشتقة ، والعامل فيها " حَقٌّ " . السابع : أنه حال من نفس " حَقّ " وإن كان نكرة . وقد نصَّ سيبويه في مواضع من كتابه على جوازه ، وتابعه أبو عمرو على ذلك . و " ما " هذه في مثل هذا التركيب نحو قولهم : " هَذَا حَقٌّ " ، كما أنك ههنا لا تجوّز حذفها ، فلا يقال : هذا حق كأنك ههنا . نص على ذلك الخليلُ - رحمه الله - . فإذا جعلت " مِثْلَ " معربة كانت " ما " مزيدة و " أَنَّكُمْ " في محل خفض بالإضافة كما تقدم . وإذا جعلتها مبنية إما للتركيب ، وإما لإضافتها إلى غير متمكن جاز في " ما " هذه وجهان : الزيادة وأن تكون نكرة موصوفة ، ( كذا ) قال أبو البَقَاءِ . وفيه نظر ، لعدم الوصف هنا ، فإن قال : هو محذوف فالأصل عَدمهُ ، وأيضاً فنصوا على أن هذه الصفة لا تحذف ، لإبهام مَوْصُوفِها . وأما " أَنَّكُمْ تَنْطَقُونَ " فيجوز أن يكون مجروراً بالإضافة إن كانت ( " ما " ) مزيدة ، وإن كانت نكرة كان في موضع نصب بإضمار أَعْنِي ، أو رفع بإضمار مبتدأ . فصل المعنى : { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ } أي ما ذكرت من أمر الرزق لَحق كَمِثْلِ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ فتقولون : لا إله إلاَّ الله . وقيل : شَبَّه تحقيق ما أخبر عنه بتحقيق نُطْق الآدمي كقولك : إنَّه لَحَقٌّ كما أنت ههنا وإنه لحق كما أنك تتكلم والمعنى أنه في صدقه ووجوده كالذي تعرفه ضرورة . قال بعض الحكماء : كما أنَّ كل إنسان ينطق بلسان نفسه لا يمكنه أن ينطق بلسان غيره فكذلك كل إنسان يأكل رزق نَفْسه الذي قُسِمَ له ، ولا يقدر أن يأكل رزق غيره . وقيل : معناه إن القرآن لحق تكلم به الملك النازل من السماء مثل ما تتكلمون .