Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 38-40)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَفِي مُوسَىٰ } فِيهِ أوجه : أظهرها : أنه عطف على قوله : " فِيهَا " بإعادة الجار ؛ لأنَّ المعطُوفَ عَلَيْهِ ضميرٌ مجرورٌ فيتعلق بـ " تَرَكْنَا " من حيث المعنى ويكون التقدير : وتَرَكْنَا في قصةِ موسى آية . وهذا واضح . والثاني : أنه معطوف على قوله : { فِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ } [ الذاريات : 20 ] أي وفي الأرض وفي موسى آياتٌ للموقنين . قاله الزمخشري وابنُ عطية . قال أبو حيان : وهذا بعيد جدًّا يُنَزَّه القرآن عن مثله . قال شهاب الدين : وجه استبعاده له بعد ما بينهما ، وقد فعل أهل العلم هذا في أكثر من ذلكَ . والثالث : أنه متعلق بـ " جَعَلْنَا " مقدرة ، لدلالة : " وَتَرَكْنَا " عليه . قال الزمخشري : أو على قوله - يعني أو يعطف على قوله - : { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً } [ الذاريات : 37 ] على معنى وجعلنا في موسى آية كقوله : @ 4528 - عَلَفْتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً … @@ قال أبو حيان : ولا حاجة إلى إضمار : " وَجَعَلْنَا " لأنه قد أمكن أن يكون العامل في المجرور " وتركنا " . قال شهاب الدين : والزمخشري إنما أراد الوجه الأول بدليل قوله : " وَفِي مُوسَى " معطوف على " وَفِي الأَرْضِ " ، أو على قوله : " وَتَرَكْنَا فِيهَا " وإنما قال : على جهة تفسير المعنى لا الإعراب . وإنما أظهر الفعل تنبيهاً على مغايرة الفعلين يعني أن هذا الترك غير ذاك الترك ، ولذلك أبرزه بمادة الجَعْل دون مادة الترك ليظهر المخالفة . الرابع : أن يعطف على { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ } [ الذاريات : 24 ] تقديره : وفي حديث موسى إذْ أَرْسَلْنَاهُ : وَهُوَ مناسب ، لأن الله تعالى جمع كثيراً بين ذكر إبراهيم وموسى - عليهما الصلاة والسلام - ( كقوله تعالى ) : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [ النجم : 36 - 37 ] ، وقال : { صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [ الأعلى : 19 ] قاله ابن الخطيب . فصل المعنى : لك في إبراهيم تسلية وفي موسى ، أو لقومك في لوط وقومه عبرة ، وفي موسى وفرعون ، أو تَفَكَّرُوا في إبراهيم ولوط وقومهما وفي موسى وفرعون . هذا إن عطفناه على ( معْلُوم ، وإن عطفناه ) على مذكور فقد تقدم آنفاً . و " السلطان المبين " الحجة الظاهرة . قوله : " إذْ أَرْسَلْنَاهُ " يجوز في هذا الظرف ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون منصوباً بـ " آيَة " على الوجه الأول ؛ أي تركنا في قِصة موسى علامةً في وقتِ إرسالنا إيَّاهُ . الثاني : أنه يتعلق بمحذوف لأنه نعت لآيةٍ ، أي آية كائنةً في وقت إرسالنا . الثالث : أنه منصوب بـ " تَرَكْنَا " . قوله : " بِسُلْطَانٍ " يجوز أن يتعلق بنفس الإرسال ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال إما من موسى وإما من ضميره أي ملتبساً بسُلطان وهو الحُجَّة . و " المبين " الفارق بين سِحْر السَّاحِرِين وأمْر المُرْسَلِينَ . ويحتمل أن يكون المراد بالمبين أي البراهين القاطعة التي حَاجَّ بِهَا فِرْعَوْنَ . قوله : " فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ " الجار والمجرور حال من فاعل " تَوَلَّى " ومعنى " تَوَلَّى " أَدْبَرَ عن الإيمان . والباء للمصاحبة . والمراد بالركن أي بجمعِهِ وجنوده الذين كان يَتَقَوَّى بهم كالرُّكْن الذي يَتَقَوَّى به البُنْيَان ، كقوله تعالى : { أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } [ هود : 80 ] . وقيل : الباء للتعدية فتكون بمعنى تقوى بجنده . ويحتمل أن يكون المراد تَوَلَّى أمْر موسى بقُوَّتِهِ ، كأنه قال : أقتل موسى لئَلاَّ يُبَدّلَ دينكم ، فتولى أمره بنفسه ، فيكون المفعول غير مذكور وركنه هو نفسه القوية . ويحتمل أن يكون المراد بركنه هامان فإنه كان وزيره . قوله : " سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ " " أو " هنا على بابها من الإبهام على السامع أو للشكّ نَزَّل نفسه مع أنه يعرفه بَيِّناً حقاً منزلة الشاكّ في أمره تمويهاً على قومه . وقال أبو عبيدة : " أو " بمعنى الواو ، قال : لأنه قد قالهما ، قال تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } [ الأعراف : 109 ] ، وقال تعالى في موضع آخر : { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [ الشعراء : 27 ] ، وتجيء " أو " بمعنى الواو ، كقوله : @ 4529 - أَثَعْلبَةَ الفَوَارِسِ أَوْ رِيَاحاً عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشَابَا @@ ورد الناس عليه هذا وقالوا : لا ضرورة تدعو إلى ذلك . وأما الآيتان فلا يدلاَّن على أنه قالهما معاً ، وإنما يفيد أنه قالهما أعم من أن يكونا معاً أو هذه في وقت وهذه في آخَرَ . قوله : " وَجُنودَهُ " يجوز أن يكون معطوفاً على مفعول " أَخَذْنَاهُ " وهو الظاهر ، وأن يكون مفعولاً معه . { فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ } أغرقناهم في البَحْرِ . قوله : " وَهُو مُلِيمٌ " جملة حالية ، فإِن كانت حالاً من مفعول " نَبَذْنَاهُمْ " فالواو لازمةٌ ؛ إذ ليس فيها ذكر يعود على صاحب الحال ، وإن كانت حالاً من مفعول " أَخَذْنَاهُ " فالواو ليست واجبة ؛ إِذ في الجملة ذكرٌ يعودُ عليه . وقد يقال : إنَّ الضمير في " نَبَذْنَاهُمْ " يعود على " فِرْعَوْنَ " وعلى " جُنُودِه " فصار في الحال ذكر يعود على بعض ما شَمِلَه الضمير الأول . وفيه نظر ، إذ يصير نظير قولك : جَاءَ السُّلْطَانُ وَجُنُودُهُ فأكرمتهم راكباً فَرَسَهُ ، فتجعل " راكباً " حَالاً من بعض ما اشتمل عليه ضمير " أكرمتهم " . فصل ومعنى " مليم " أي أَتَى بما يُلاَم عليه من دعوى الربوبيّة وتكذيب الرسول .