Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 41-42)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا } الكلام عليه قد تقدم عَلَى نظيره . واعلم أن المراد بهذه الحكايات تسلية قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتذكيره بحال الأنبياء . فإن قيل : لِمَ لَم يذكر في " عَادٍ " و " ثمُودَ " أنبياءهم كما ذكر إبراهيم وموسى ولوطاً - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسلام - ؟ ! . فالجواب : أنه ذكر ست حكايات ، حكاية إبراهيم وبشارته وحكاية قوم لوط ونجاة مَنْ كان فيها من المؤمنين وحكاية موسى ، ففي هذه الحكايات الثلاثة ذكر الرسل والمؤمنين لأن الناجين منهم كانوا كثيرين ، فأما في حق إبراهيم وموسى فظاهر وأما في حق لوطٍ فلأن الناجين وإن كَانُوا أهْلَ بَيْتٍ واحد لكن المهلكين أيضاً كانوا أهل بُقْعَةٍ واحدة . وأما عاد وثمود وقوم نوح فكان عدد المهلكين بالنسبة إِلى الناجين أضعافَ المهلكين من قوم لوط عليهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَم ؛ فذكر الحكايات الثلاث الأول للتسلية بإهلاك العدو والكل مذكور للتسلية بدليل قوله تعالى في آخر هذه الآيات : { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [ الذاريات : 52 ] إلى أن قال : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } [ الذاريات : 54 ] وقال في سورة هود بعد الحكايات : { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ } [ هود : 100 ] إلى أن قال : { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] . قوله : { إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } وهي التي لا خير فيها ولا بركة ، ولا تلقح شَجَراً ، ولا تَحْمل مطراً لأنها تكسر وتقلع فكيف تلقح ؟ ! . واعلم أن الفَعِيلَ لا يلحق به تاء التأنيث ( إِن كان بمعنى مفعول وكذلك ) إِذا كان بمعنى فَاعِل في بعض الصُّور . وقد تقدم ذكر سببه ، وهو أن فَعِيلاً لما جاء للمفعول والفاعل جميعاً ولم يتميز المفعول عن الفاعل فأولى أن لا يتميز المؤنث عن المذكر فيه لأنه ( لو تميز ) لَتَميَّزَ الفاعل عن المفعول قبل تمييز المؤنث والمذكر ، لأن الفاعلَ جزءٌ من الكلام محتاجٌ إليه ، والمفعول فيه فائدة أكيدةٌ وإن لم يكن جزءاً من الكلام محتاجاً إليه ، فأول ما يحصل في الفعل الفاعل ثم التذكير والتأنيث يصير كالصفة للفاعل ( والمفعول ) تقول : فَاعِلٌ وفَاعِلَةٌ ، ومَفْعُولٌ ومفَعُولَةٌ ، ويدل على ذلك أيضاً أن التمييز بين الفاعل والمفعول جعل بحرف ممازج للكلمة فقيل : فَاعل بألف فاصلة بين الفاء والعين التي هي من أصل الكلمة ، وقيل : مفعُول بواو فاصلة بين العين واللام والتأنيث كان بحرف في آخر الكلمة ، فالمميز فيهما غيَّر نظم الكلمة لشدّة الحاجةِ ( وفي التأنيث ) لم يؤثر ، ولأن التمييز في الفاعل والمفعول كان بأمرين يختص كُلّ واحد منهما بأحدهما فالألف بعد الفاء يختص بالفاعل ، والميم والواو يختص بالمفعول والتمييز في التذكير والتأنيث بحرف ( واحد عند ) وجوده يميز المؤنث وعدمه يبقي اللفظ على أصل التذكير فإذا لم يكن " فَعِيلٌ " يمتاز فيه الفاعل عن المفعول إلا بأمر منفصل كذلك ( المؤنث والمذكر لا يمتاز أحدهما عن الآخر إِلا بحرف غير متصل به . قوله : { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ } فيه وجهان ) : أحدهما : أنه نصب على أنه صفة للريح بعد صفة " العَقِيم " . قاله الواحدي . فإن قيل : كيف يكون وصفاً والمعرف لا يوصف بالجُمَلِ ؟ و " مَا تَذَرُ " جملة فلا يوصف بها النكرات ؟ ! . فالجواب من وجهين : الأول : أن يكون بإِعادة الريح تقديراً ، كأنه يقول : وَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العَقِيمَ ريحاً مَا تَذَرُ . الثاني : أنها لما لم تكن معهودة صارت منكَّرة كأنه يقول : لم تكن من الرياحِ التي تقع ولا وقع مثلُها ، فهي لشدتها منكرة ، ولهذا أكثر ما ذكرت في القرآن منكَّرة ، ووصفت بالجملة كقوله تعالى : { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الأحقاف : 24 ] ، وقوله : { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ } [ الحاقة : 6 و 7 ] إلى غير ذلك . الوجه الثاني : أنه نصب على الحال ، تقول : جَاءَنِي ما يَفْهَمُ شَيْئاً فَعَلَّمْتُهُ وفَهَّمْتُهُ أي حاله كذا . فإن قيل : لم يكن حال الإرسال ما تذر والحال ينبغي أن يكون موجوداً مع ذِي الحال وقت الفعل فلا يجوز أن يقال : جاءني زيد أمس راكباً غداً ، والريح بعد ما أرسلت بزمان صارت ما تذرُ شيئاً ! فالجواب : أن المراد بيان الصلاحية أي التي أرسلناها على قوةٍ وصلاحيّةٍ لا تذر ، وتقول لمن جاء وأقام عندك أياماً ثم سألك شيئاً : جئْتَني سَائلاً أيْ وقت السؤال بالصلاحية والإِمكان . هذا إن قيل : بأنه نصب على المشهور . ويحتمل أنه رفع على خبر مبتدأ محذوف تقديره هِيَ مَا تَذَرُ . فَإن قِيلَ : " ما تذر " لنفي حال المتكلم ؛ يقال : مَا خَرَجَ زَيْدٌ إلَى الآن ، وَإِذا أَرَدْتَ المستقبل تقول : لا يخرجُ أو لن يَخْرُجَ . وتقول للماضي : مَا خَرَجَ ولم يَخْرُجْ ، والريح حالة الكلام مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت ما تركت من شيء إلا جعلته كالرميم فكيف قال بلفظ الحال : ما تذر ؟ ! فالجواب : أنّ الحكايات مقدرة على أنها محكية حال الوقوع ، كقوله تعالى : { وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } [ الكهف : 18 ] مع أن اسم الفاعل بمعنى الماضي لا يعمل ، وإنما يعمل ما كان منْه بمعنى الحال والاستقبال . فإن قيل : هل في قوله تعالى : { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ } تخصيص كما في قوله تعالى : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [ الأحقاف : 25 ] . فالجواب : أن المراد به المبالغة ، لأن قوله : " أَتَتْ عَلَيْهِ " وصف لقوله : " شَيْء " كأنه قال : كُلّ شيءٍ أَتَتْ عَلَيْه ، أو كل شيء تأتي عليه ، ولا يدخل فيه السموات ، لأنها ما أتت عليه ، وإنما يدخل فيه الأجسام التي تَهُبُّ عليها الرِّياحُ . فإِن قيل : فالجبال والصخور أتت عليه وما جعلته كالرَّميم ! . فالجواب : أن المراد أتت عليه قاصدةً له وهو عادٌ وأبنيتُهم وعروشُهم لأنها كانت مأمورة بأمر من عند الله فكأنها كانت قاصدة لهم ، فما تركت شيئاً من تلك الأشياء إلا جعلته كالرميم . قوله : { إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } هذه الجملة في موضع المفعول الثاني لـ " تَذَرُ " كأنه قيل : مَا تَتْركُ مِنْ شيء إلا مجعولاً نحو : مَا تَرَكْتُ زَيْداً إلاَّ عَالِماً . وأعربها أبو حيان : حالاً . وليس بظاهر . فصل المعنى " مَا تَذَرُ " ما تترك { مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ } من أنفسهم وأموالهم وأنعامهم { إلاَّ جعلته كالرميم } أي كالشيء الهالك البالي ، وهو نبات الأرض إذا يَبِسَ ودِيسَ . قال مجاهد : كالتِّبْن اليابسِ . وقال أبو العالية : كالتراب المدقُوق . وقيل : أصله من العظم البَالي .