Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلطُّورِ } وما بعده أقسام جوابها { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } والواوات التي بعد الأولى عواطف لا حروف قسم كما تقدم في أول هذا الكتاب عن الخليل . ونكر الكتابَ تفخيماً وتعظيماً . فصل مناسبة هذه السورة لما قبلها من حيث الافتتاح بالقسم وبيان الحشر فيهما ، وأول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها ، لأن في آخرها قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } [ الذاريات : 60 ] وفي أول هذه السورة { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ الطور : 11 ] وفي آخر تلك السورة قوله : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً } [ الذاريات : 59 ] ؛ وذلك إشارة إلى العذاب ، وقال هَهُنَا : إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ . فصل قيل : المراد بالطور الجبل الذي كلم الله عليه موسى - عليه الصلاة والسلام - بالأرض المقدسة ، أقسم الله به . وقيل : هو الجبل الذي قال الله تعالى : { وَطُورِ سِينِينَ } [ التين : 2 ] . وقيل : هو اسم جنس ، والمراد بالكتاب المسطور كتاب موسى عليه الصلاة والسلام ، وهو التوراة . وقيل : الكتاب الذي في السماء ، وقيل : صحائف أعمال الخلق ، وقال تعالى : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً } [ الإسراء : 13 ] . وقيل : الفرقان . والمراد بالمسطور المكتوب . قوله : فِي رَقِّ يجوز أن يتعلق " بمَسْطُورٍ " ؛ أي مكتوب في رَقٍّ . وجوَّز أبو البقاء أن يكون نعتاً آخر لكتاب وفيه نظر ؛ لأنه يشبه تَهْيئَةَ العَامِلِ للعَمَلِ وقطْعِهِ منْهُ . والرَّقُّ - بالفتح - الجلد الرقيق يكتب فيه . وقال الرَّاغِب : الرق ما يكتبُ فيه شبه كاغد . انتهى فهو أعم من كونه جلداً أو غيرَهُ . ويقال فيه : رِقٌّ بالكسر . فأما مِلْكُ العبيد فلا يقال إلا رِقٌّ بالكسر . وقال الزَّمخشري : والرَّقُّ الصحيفة . وقيل : الجلد الذي يكتب فيه . انتهى . وقد غلط بعضهم من يقول : كَتَبْتُ في الرِّقّ بالكسر ؛ وليس بغلط لثبوته به لُغَةً . وقد قرأ أبو السَّمَّال : في رِقٍّ ، بالكسر . فإِن قيل : ما الفائدة في قوله تعالى : { فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ } وعظمة الكتاب بلفظه ومعناه لا بخطِّه ورقه ؟ ! . فالجواب : أن هذا إِشارة إلى الوضع لأن الكتاب المطويَّ لا يعلم ما فيه فقال : في رق منشور أي ليس كالكتب المطويّة أي منشورٌ لكم لا يمنعكم أحدٌ من مُطَالَعتِهِ . ( قوله : " والبيت المعمور " قيل : هو بيت في السماء العليا تحت العرش بِحيَالِ الكَعْبَةِ يقال له : الصّراح حُرْمَتُهُ في السماء كحُرْمَةِ الكعبة في الأرض يدخله كُلَّ يوم سبعونَ ألفاً من الملائكة يطُوفُونَ به ويُصَلُّون فيه ، ثم لا يعودون إليه أبداً . ووصفه بالعمارة لكثرة الطائفين به من الملائكة . وقيل : هو بيت الله الحرام وهو معمورٌ بالحُجَّاج الطائفين به . وقيل : اللام في " البيت المعمور " لتعريف جنس كأنه يُقْسِمُ بالبيوتِ المَعْمُورة والعمائر المشهورة ) . قوله : " والسَّقْفِ المَرْفُوعِ " يعني السماء . ونظيرِه : { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً } [ الأنبياء : 32 ] . قوله : " والبَحْر المَسْجُور " قيل : هو من الأضداد ، يقال : بَحْرٌ مَسْجُورٌ أي مملوء ، وبَحْرٌ مَسْجُورٌ أي فارغٌ . وروى ذو الرمة الشاعر عن ابن عباس - ( رضي الله عنهما ) - أنه قال : خرجت أُمةٌ لتَسْتَقي فَقَالَتْ : إِن الحَوْضَ مَسْجُورٌ ؛ أي فارغ . ويؤيد هذا أن البحار يذهب ماؤها يومَ القيامة . وقيل : المسجور الممسوك ، ومنه ساجُور الكلب لأنه يمسكه ويحبسه . وقال محمد بن كعب القرظيّ والضَّحَّاكُ : يعني الموقَد المحمّى بمنزلة التَّنُّور المُحَمَّى ، وهو قول ابن عباس ( - رضي الله عنهما - ) ؛ لما روى أن الله تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة ناراً فيزاد بها في نار جهنم كما قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } [ التكوير : 6 ] . وروى عَبْدُ اللَّهِ بْن عُمَرَ - ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ) - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لاَ يَرْكَبَنَّ رَجُلٌ بَحْراً إلاَّ غَازِياً أَوْ مُعْتَمِراً أَوْ حَاجًّا ، فَإِنَّ تَحْتَ البَحْرِ نَاراً وتَحْتَ النَّارِ بَحْراً " وقال الربيع بن أنس : المسجور المختلط العذب بالمالح . وروى الضحاك عن النّزّال بن سَبْرَةَ عن علي أنه قال : البحر المسجور : هو بحر تحت العرش ، كما بين سبع سموات إلى سبع أرضين فيه ماءٌ غليظٌ ، يقال له : بحرُ الحيوان يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحاً فينبتون في قبورهم . وهذا قول مقاتل . فصل قيل : الحكمة في القسم بهذه الثلاثة أشياء أن هذه الأماكن الثلاثة وهي : الطور ، والبيت المعمور ، والبحر المسجور كانت لثلاثة أنبياء للخلوة بربهم والخلاص من الخلق وخطابهم مع الله . أما الطور فانتقل إليه موسى - عليه الصلاة والسلام - وخاطب الله تعالى هناك وأما البيت المعمور فانتقل إليه محمد - عليه الصلاة والسلام - وقال لربه : " سَلاَمٌ عَلَيْنَا وعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحينَ ، لاَ أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نَفسك " . وأما البحر المسجور فانتقل إليه يونسُ - عليه الصلاة والسلام - ، ونادى في الظلمات : { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فصارت هذه الأماكن شريفة بهذه الأسباب فأقسم الله تعالى بها . وأما ذكر الكتاب فلأن الأنبياء كان لهم في هذه ( الأماكن ) مع الله تعالى كلام والكلام في الكتاب ( واقترانه بالطور أدل على ذلك ؛ لأن موسى - عليه السلام - كان له مكتوبٌ ينزل عليه وهو بالطُّور ) . فصل أقسم في بعض السور بجموع كقوله : { وَٱلذَّارِيَاتِ } [ الذاريات : 1 ] { وَٱلْمُرْسَلاَتِ } [ المرسلات : 1 ] { وَٱلنَّازِعَاتِ } [ النازعات : 1 ] وفي بعضها بأفراد كقوله : " والطُّورِ " ولم يقل : والأَطوار والبِحار . قال ابن الخطيب : والحكمة فيه : أن في أكثر الجموع أقسم عليها بالمتحركات والريح الواحدة ليست بثابتة بل هي متبدِّلة بأفرادها مستمرة بأنواعها ، والمقصود مِنْهَا لا يحصل إلا بالبَدَل والتَّغَيُّر ، فقال : " والذاريات " إشارة إلى النوع المستمر ، لا الفرد المعين المستقر ، وأما الجبل فهو ثابت غير متغير عادة فالواحد من الجبال دائمٌ زماناً ودهراً ، فأقسم في ذلك بالواحد ، وكذلك في قوله : { وَٱلنَّجْمِ } [ النجم : 1 ] ، ولو قال : " والريح " لما علم المقسَمُ به ، وفي الطور عُلِمَ . قوله : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } نازل وكائن . وقوله : " مِنْ دَافِعٍ " يجوز أن تكون الجملة خبراً ثانياً ، وأن تكون صفة لواقع أي واقع غير مدفوع . قال أبو البقاء . و " مِن دَافِعٍ " يجوز أن يكون فاعلاً ، وأن يكون مبتدأ و " مِن " مزيدة على الوجهين . فصل قال جُبَيْرُ بْنُ مُطْعمٍ : قدمت المدينة لأكلمَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في أُسَارَى بدر فدفعت إليه وهي يصلي بأصحابه المغرب وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ " والطور " إلى قوله : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } فكأنما صُدِّع قلبي حين سمعتـ ( ـه ) ولم أَكُن أُسْلِمُ يومئذ قال : فأسلمتُ خوفاً من نزول العذاب وما كنت أظن أن أقومَ من مكاني حتى يقع بي العذاب .