Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 9-16)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ } يجوز أن يكون العامل فيه : " واقع " أي يقع في ذلك اليوم . وعلى هذا فتكون الجملة المنفية معترضة بين العامل ومعموله . ويجوز أن يكون العامل فيه " دافع " . قاله الحَوْفِيُّ ، وأبو البقاء . ومنعه مَكِّيٌّ . قال أبو حيان : ولم يذكر دليل المنع . قال شهاب الدين : وقد ذكر دليل المنع في الكشف إلا أنه ربما يكون غلطاً عليه فإنه وَهَمٌ ، وعبارته قال : العامل فيه واقعٌ أي إن عذاب ربك لَوَاقِعٌ في يوم تَمُورُ السَّماء ، ولا يعمل فيه " دافع " ؛ لأن المنفي لا يعمل فيما قبل النّافي ، لا يقول : طَعَامَكَ ما زَيْدٌ آكلاً ، رفعت آكلاً أو نصبته أو أدخلت عليه الباء . فإن رفعت الطعام بالابتداء وأوقعت " آكلاً " على " هاء " جاز وما بعد الطعام خبراً . انتهى . وهذا كلام صحيح في نفسه ، إلا أنه ليس في الآية شيءٌ من ذلك ؛ لأن العامل - وهو دافع - والمعمول - وهو يوم - كلاهما بعد النافي وفي حَيِّزِهِ . وقوله : وأوْقَعْتَ آكلاً على هاء أي على ضمير يعود على الطعام فتقول : طَعَامَكَ مَا زيْدٌ آكِلُه . وقد يقال : إن وجه المنع من ذلك خوف الوَهَم أنه يفهم أن أحداً يدفع العذاب في غير ذلك اليوم . والغرض أن عذاب الله لا يدفع في كل وقت وهذا أمرٌ مناسب قد ذكر مثلهُ كثيرٌ ، ولذلك منع بعضهم أن ينتصب { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ } [ آل عمران : 30 ] بقوله : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران : 29 ] لئلا يفهم منه ما لا يليق . وهذا أبعد من هذا في الوَهَم كثير . وقال أبو البقاء : وقيل : يجوز أن يكون ظرفاً لما دل عليه " فَوَيْلٌ " انتهى . وقال ابن الخطيب : والذي أظنه أن العامل هو الفعل المدلول عليه بقوله : { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [ الطور : 8 ] ؛ لأن العذاب الواقع على هذا ينبغي أن يقع في ذلك اليوم ، لأن العذاب الذي به التخويف هو الذي بعد الحَشْر ومَوْر السَّماء لأنه في معنى قوله : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] . فصل والمَوْرُ الاضطراب والحركة . يقال : مَارَ الشيْءُ أي ذهب وجاء . وقال الأخفش وأبو عبيدةَ تَكْفَأُ وأنشد للأعشى : @ 4532 - كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا مَوْرُ السَّحَابَةِ لاَ رَيْثٌ وَلاَ عَجَلُ @@ وقال الزمخشري : وقيل : هو تحرك في تموج . وهو الشيء يتردد في عرض كالداغصة وهي الجلدة التي فوق قُفل الركبة . وقال الراغب : المَوْر : الجريان السريع ومَار الدَّمُ على وجهه والمُور - أي بالضم - التراب المتردد به الريح . وأكد بالمصدرية دفعاً للمجاز أي هذان الجرمان العظيمان مع كثافتهما يقع ذلك منهما حقيقة . وقال ابن الخطيب : فيه فائدة جليلة ، وهي أن قوله : " وتَسِيرُ الجِبَالُ " يحتمل أن يكون بياناً لكيفية مور السماء ؛ لأن الجبال إذا سارت وسيرت معها سكانها يظهر السماء كالسائرة إلى خلاف تلك الجهة ، كما يشاهده راكب السفينة ، فإنه يرى الجبلَ الساكن متحركاً فكان لقائل أن يقول : السماء تمُور في رأي العين بسبب سير الجبال كما يَرَى القمرَ سائراً راكبُ السفينة ، والسماء إذا كانت كذلك فلا يبقى مَهْرَب ولا مَفْزَع لا في الأرض ولا في السماء . فصل لما ذكر أن العذاب واقع بين أنه متى يقع العذاب ، فقال : يوم تمور السماء موراً ، قال المفسرون : أي تَدُورُ كما يدور الرَّحَا وتَتَكفأ بأهلها تَكَفُّؤَ السَّفِينَةِ . قال عطاء الخُراسَانيّ : يختلف أجزاؤها بعضها في بعض . وقيل : تضطرب . { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } فتزول عن أماكنها ، وتصير هباءً منثوراً ، وهذا إيذان وإعلام بأن لا عود إلى السماء لأن الأرضَ والجبالَ والسماءَ والنجومَ كلها لعمارة الدنيا والانتفاع لبني آدم فإذا لم يبقَ فيها نفع فلذلك أعدمها الله تعالى . قوله : { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } يومئذ منصوب " بوَيلٍ " والخبر " للمكذبين " . والفاء في قوله " فَوَيْلٌ " قال مكي : جواب الجملة المتقدمة وحسن ذلك ، لأن في الكلام معنى الشرط ، لأن المعنى إذا كان ما ذُكِرَ فَويْلٌ . قال ابن الخطيب : أي إذا علم أن عذاب الله واقع ، وأنه ليس له دافع فويل إذَنْ للمكذبين ؛ فالفاء لاتصال المعنى ، ولمعنى آخر وهو الإيذان بأمان أهل الإيمان ، لأنه لما قال : إن عذاب ربك لواقع وأنه ليس له دافع لم يبين موقعه بِمَنْ ، فلما قال : { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } علم المخصوص ( به ) وهو المكذب . فإن قيل : إذا قلت بأن قوله : { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } بيان لمن يقع به العذاب فمن لا يكذب لا يعذب فأهل الكبائر لا يعذبون لأنهم لا يُكَذِّبون . فالجواب : أن ذلك العذاب لا يقع إلا على أهل الكبائر ، وإنما هذا كقوله : { كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُواْ بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا } [ الملك : 8 و 9 ] فالمؤمن لا يُلْقَى فيها إلقاء بهوان ، وإنما يُدْخَلُ فيها للتطهير إدْخَالاً مع نوع إكرامٍ ، والويل إنما هو للمكَذِّبِينَ . والويل ينبىء عن الشدة ، لأن تركيب حروف الواو والياء واللام لا ينفك عن وُقُوع شدةٍ ، ومنه لَوَى إذا دافع ولَوَاه يلويه إِذا فَتَلَهُ فَتْلاً قوياً . والوَلِيُّ فيه القوة على المُولَى عَلَيْهِ . وقد تقدم وجه جواز التنكير في قوله : " وَيْلٌ " مع كونه مبتدأ ؛ لأنه في تقدير المنصوب لأنه دعاء في تفسير قوله تعالى : { قَالَ سَلاَمٌ } [ الذاريات : 25 ] . قوله : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } الخَوْضُ : هو الاندفاع في الأباطيل ، قال تعالى : { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } [ التوبة : 69 ] وقال تعالى : { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } [ المدثر : 45 ] . وتنكير الخوض يحتمل وجهين : الأول : أن يكون للتكثير أي في خوضٍ عظيم . الثاني : أن يكون التنوين عوضاً عن المضاف إليه ، كقوله تعالى : { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ } [ هود : 111 ] والأصل في خوضهم المعْرُوف منهم . وقوله : يعلبون أي غافلون لاهون . واعلم أن قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ } ليس وصفاً للمكذبين بما يميزهم ، وإنما هو للذم كقولك : " الشيطانُ الرجيمُ " ولا تُرِيدُ فَصْله عن الشيطان الذي ليس برجيم بخلاف قولك : أَكْرِمِ الرَّجُلَ العَالِمَ فالوصف بالرجيم للذم له لا للتعريف . وتقول في المدح : الله الذي خلق ، والله العظيم للمدح لا للتمييز ، ولا للتعريف عن إله لم يخلق أو إله ليس بعظيم ، فإن الله واحد لا غير . قوله : { يَوْمَ يُدَعُّونَ } يجوز أن يكون ظرفاً " ليُقَالُ " المقدرة مع قوله : { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ } [ الطور : 14 ] يوم يدعون المكذبين ؛ لأن معناه يوم يقع العذابُ ذلك اليوم وهو يوم يُدَعُّون فيه إِلى النار . والعامة على فتح الدال وتشديد العين من دَعَّهُ يَدُعُّهُ أي دفعه في صدره بعُنْفٍ وشِدَّةٍ . قال الراغب : وأصله أن يقال للعاثر : دع كما يقال له لَعاً . وهذا بعيد من معنى هذه اللفظة . وقرأ علي - رضي الله عنه - والسّلمي وأبو رجاء وزيد بن علي بسكون الدال وتخفيف العين مفتوحة من الدُّعَاءِ أي يُدْعَوْنَ إليها فيقال لهم : هَلُمُّوا فادخلوها . قوله : دَعًّا مصدر معناه تدفعهم الملائكة دفعاً على وجوههم بعُنْفٍ أي يُدْفَعُونَ إِلى النار ، فإِذا دَنَوْا منها قال لهم خزنتها : هَذِهِ النَّار التي كنتم بها تكذبون في الدنيا . فإن قيل : قوله تعالى : { يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ } يدل على أن خزنتها يقذفونهم في النار وهم بعيداً عنها وقوله تعالى : { يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } [ القمر : 48 ] يدلّ على أنهم فيها . فالجواب من وجوه : الأول : أن الملائكة يَسْحَبُونَهُمْ في النار ، ثم إذا قربوا من نار مخصوصة وهي نار جهنم يقذفونهم فيها من بعيد فيكون السحب في نار ، والدفع في نار أشد وأقوى ، بدليل قوله : { يُسْحَبُونَ فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } [ غافر : 71 و 72 ] . أي يسحبون في حَمْوَةِ النار ، ثم بعد ذلك يكون لهم إِدخالٌ . الثاني : يجوز أن يكون في كل زمان يتولى أمرهم ملائكة فإلى النار يدفعهم ملك وفي النار يَسْحَبُهُم آخر . الثالث : أن يكون السحبُ بسَلاَسِلَ أي يسحبون في النار ، والساحب خارج النار . الرابع : أن يكون الملائكة يدفعونهم إِلى النار إهانةً لهم ، واستخفافاً بهم ويدخلون معهم النار ويسحبونهم . قوله : " أَفَسِحْرٌ " خبر مقدم و " هذا " مبتدأ مؤخر . ودخلت الفاء قال الزمخشري : بمعنى كنتم تقولون للوحي : هذَا سِحرٌ فسحر هذا يريد هذا المِصْداق أيضاً سحر ؛ ودخلت الفاء لهذا المعنى ، وهذا تحقيقٌ للأمر ؛ لأن من يرى شيئاً ولا يكون الأمر على ما يراه فذلك الخطأ يكون لأجل أحد أمرين : إما لأمر عائدٍ إلى المرئيّ ، وإمَّا لأمرٍ عائد إلى الرائي ، فقوله : " أَفَسحرٌ هَذَا " أي هل في الموت شكٌّ أمْ هل في بصركم خَلَل ؟ ! فهو استفهام إنكار أي لا أمر مِنْهُمَا ثابتٌ فالذي تَرَوْنَهُ حق وقد كنتم تقولون : إنه ليس بحق ، وذلك أنهم كانوا ينسبون محمداً - صلى الله عليه وسلم - إِلى السحر ، وأنه يغطي الأبصار بالسِّحر ، وانشقاق القمر وأمثاله سحر ، فوبخوا به ، وقيل لهم : أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون . قوله : اصْلَوْ ( هَا ) أي إذْ لم يمكنكم إنكارها ، وتحقق أنه ليس بسحر ولا خَلَل في أبصاركم فاصْلَوْهَا ؛ أي قاسوا شدتها . { فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } أي الصبر وعدمه سواءٌ ، وهذا بيان لعدم الخَلاص . قوله : " سَوَاءٌ " فيه وجهان : أحدهما : أنه خبر مبتدأ محذوف أي صبركم وتركه سواء . قاله أبو البقاء . والثاني : أنه مبتدأ والخبر محذوف أي سواء الصبرُ والجزعُ ، قاله أبو حيان . قال شَهابُ الدِّين : والأول أحسن ، لأن جعل النكرة خبراً أولى من جعلها مبتدأ وجعلِ المَعْرِفَةِ خبراً . ونحا الزمخشري مَنْحَى الوجه الثاني فقال : " سواء " خبره محذوف أي سواء عليكم الصَّبْرَانه الصبرُ وَعَدَمُهُ . قوله : { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فيه لطيفة ، وهي أن المؤمن بإِيمانه اسْتَفَادَ أن الخير الذي يَنْويهِ يُثَابُ عَلَيْه ، والشَّرَّ الذي يقصِدُهُ ولا يقع منه لا يعاقَبُ عليه ولا ظلم ، فإن الله تعالى أخبره به وهو اختار ذلك ودخل ( فيه ) باختياره ، فإن الله تعالى قال بأن من كفر ومات كافراً عذبته أبداً فاحذَرُوا ، ومن آمن أَثَبْتُهُ دائماً فمن ارتكب الكفر ودام عليه بعدما سمع ذلك فإذا عوقب دائماً فهو تحقيق لما أَوْعَدَ به فلا يكون ظلماً .