Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها ، وهو قوله تعالى : { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } [ النجم : 57 ] ، فكأنه أعاد ذلك مستدلاً عليه بقوله تعالى : { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } [ النجم : 57 ] ، وهو حقٌّ ؛ إذ القمر انشق بقوله : " وَانْشَقَّ الْقَمَرُ " ماض على حقيقته ، وهو قول عامة المسلمين إلا من لا يلتفت إلى قوله . وقد صح في الأخبار أن القمر انشق على عهده - عليه الصلاة والسلام - مرتين . روى أنس بن مالك - ( رضي الله عنه ) - أن أهل مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آيةً ، فأراهُمُ القمر شَقَّتَيْنِ حتى رأوا حِرَاءَ بينهما ، وقال سنان عن قتادة : فأراهم انشقاق القمر مرتين . وعن ابن مسعود - ( رضي الله عنه ) - قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِرْقَتَيْن فرقةً فوق الجبل ، وفرقةٌ دونه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اشْهَدُوا " . وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله : لم ينشق بمكة . وقال مقاتل : انشق القمر ، ثم الْتَأَمَ بعد ذلك . وروى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت قريش : سحركم ابن أبي كبشة فقَدِموا السُّفَّار فسألوهم قالوا : نعم قد رأينا ، فأنزل الله عزّ وجلّ : { اقتربت الساعة وانشق القمر } . وقيل : انشق بمعنى سينشق يوم القيامة ، فأوقع الماضي موقع المستقبل لتحققه وهو خلاف الإجماع . وقيل : انشق بمعنى انفلق عنه الظلام عند طلوعه كما يسمى الصبح فلقاً وأنشد للنابغة : @ 4580 - فَلَمَّا أَدْبَرُوا وَلَهُمْ دوِيٌّ دَعَانَا عِنْدَ شَقِّ الصُّبْحِ دَاعِي @@ وإنما ذكرنا ذلك تنبيهاً على ضعفه . قوله : { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } ، أي ذاهب سوف يذهب ويبطل من قولهم : مَرَّ الشَّيْءُ واسْتَمَرَّ إذا ذهب مثل قولهم : قَرَّ واسْتَقَرَّ . قال مجاهد وقتادة : مَنّوا أنفسهم بذلك . وقيل : مستمر أي دائم ؛ فإن محمداً - عليه الصلاة والسلام - كان يأتي كل زمان ومكان بمعجزة فقالوا هذا سحر مستمر دائم ، لا يختلف بالنسبة إلى شيء بخلاف سِحْر السَّحَرَة ، فإن بعضهم يقدر على أمر وأمرين ، وثلاثة ، ويعجز عن غيرها وهو قادر على الكل . قاله الزمخشري . ومنه قول الشاعر : @ 4581 - أَلاَ إِنَّمَا الدُّنْيَا لَيَالٍ وَأَعْصُرٌ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ قَوِيمٍ بِمُسْتَمِرْ @@ أي بدائم باقٍ . وقيل : معناه شديد المرارة . قال الزمخشري : أي مستبشع عندنا مرّ على لهواتنا لا نقدر أن نَسِيغَه كما لا نَسيغُ المُرَّ . انتهى . يقال : مَرَّ الشَّيْءُ بنفسه وَمرَّهُ غَيْرُهُ ؛ فيكون متعدياً ولازماً ، ويقال : أَمَرَّهُ أيضاً . وقال أبو العالية والضحاك : مستمر أي قويّ شديد ، من قولهم : مَرَّ الحَبْل إذا صلب واشتد ، وأَمْرَرْتُهُ إذا أحكمت فَتْلَهُ ، واسْتَمرَّ إذا قَوِيَ واسْتَحكَمَ ، قال لقيط - ( رحمةُ اللَّهِ عليه - ) : @ 4582 - حَتَّى اسْتَمَرَّتْ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ صِدْقُ الْعَزِيمَةِ لاَ رَتًّا وَلاَ ضَرَعا @@ والمراد بقوله : " آيةً " هي اقتراب الساعة ، فإن انشقاق القمر من آياته ، وقد رأوه وكذبوا فإن يروا غيرها أيضاً يعرضون ، أو آية النبوة فإنه معجزة . أما كونه معجزةً ففي غاية الظهور ، وأما كونه آية فلأن منكر خراب العالم ينكر انشقاق السماء ، وانفطارها ، وكل كوكب ، فإذا انشق بعضها كان ذلك مخالفاً لقوله بجواز خراب العالم والمُرَاد بهؤلاء القائلين المعرضين هم الكفار . والتنكير في قوله ( آية ) للتعظيم أي آية قوية أو عظيمة يُعْرِضُوا . قال أبو حيان : ومعنى مستمر أي يشبه بعضه بعضاً أي اشتهرت أفعاله على هذا الحال . وهذا راجع إلى الدوام المتقدم . وأتى بهذه الجملة الشرطية تنبيهاً على أن حالهم في المستقبل كحالهم في الماضي . وقرىء : يُرَوْا مبنيًّا للمفعول من أَرَى . قوله : { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } أي كذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وما عاينوه من قدرة الله عزّ وجلّ ، واتبعوا ما زين لهم الشيطان من الباطل وكذبوا بالآية وهي انشقاق القمر ، " وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ " في أنه سحر القمر ، وأنه خسوف في القمر ، وظهور شيء في جانب آخر من الجو يشبه نصف القمر ، وأنه سحر أعيننا والقمر لم يصبه شيء ، فهذه أهواؤهم . قوله : { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } العامة على كسر القاف ، ورفع الراء اسم فاعل ، ورفعه خبراً " لكل " الواقع مبتدأ . وقرأ شيبة بفتح القاف وتروى عن نافع . قال أبو حاتم : لا وجه لها ، وقد وجهها غيره على حذف مضاف أي وكل أمر ذو استقرار ، وزمان استقرار ، أو مكان استقرار ، فجاز أن يكون مصدراً ، وأن يكون ظرفاً زمانياً أو مكانياً قال معناه الزمخشري . وقرأ أبو جعفر وزيد بن علي بكسر القاف وجر الراء . وفيها أوجه : أحدها - ولم يذكر الزمخشري غيره - : أن تكون صفة لأَمْر ، ويرتفع " كُلّ " حينئذ بالعطف على " الساعة " فيكون فاعلاً أي اقتربت الساعة وكل أمر مستقر . قال أبو حيان : وهذا بعيد لوجود الفصل بجمل ثلاث ، وبعيد أن يوجد مثل هذا التركيب في كلام العرب ، نحو : " أَكَلْتُ خُبْزاً ، وضَرَبْتُ خَالِداً " وأن يجيء : زيداً أكرمه ورحل إلى بني فلان ولحماً فيكون " ولحماً " معطوفاً على " خبزاً " بل لا يوجد مثله في كلام العرب . انتهى . قال شهاب الدين : وإذا دل دليل على المعنى فلا يبالى بالفواصل ، وأين فصاحة القرآن من هذا التركيب الذي ركبه هو حتى يقيسه عليه في المنع ؟ الثاني : أن تكون " مستقراً " خبراً " لِكُلّ أَمْر " . وهو مرفوع ، إلا أنه خُفِضَ على الجِوَارِ . قاله أبو الفضل الرازي . وهذا لا يجوز ، لأن الجِوَارَ إنما جاء في النعت أو العطف على خلاف في إتيانه كما تقدم في سورة المائدة فكيف يقال به في خبر المبتدأ ؟ هذا ما لا يجوز . الثالث : أن خبر المبتدأ قوله : " حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ " أخبر عن { كُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } بأنه حكمة بالغة ويكون قوله : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } [ القمر : 4 ] جملة اعتراض بين المبتدأ أو خبره . الرابع : أن الخبر مقدر ؛ فقدره أبو البقاء : معمول به أو أتى وقدره غيره : بالغوه ؛ لأن قبله { وكذبوا واتبعوا أهواءهم } أي وكل أمر مستقر ، أي لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر وما كان منه في الآخرة فسيعرف . وقال قتادة : وكل أمر مستقر فالخير مستقر بأهل الخير ، والشر بأهل الشر . وقيل : كل أمر من خير أو شر مستقر قراره ، فالخير مستقر بأهله في الجنة والشر مستقر بأهله في النار . وقيل : مستقر قول المصدقين والمكذبين حتى يعْرفوا حقيقته بالثواب والعذاب ، وقال مقاتل : لكل حديث منتهى . وقيل : ما قدر كائن لا محالة وقيل كل أمر مستقر على سنن الحق يثبت ، والباطل يَزْهَقُ فيكون ذلك تهديداً لهم وتسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو كقوله تعالى : { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الزمر : 7 ] . وقيل : كل أمر مستقر في علم الله تعالى لا يخفى عليه شيء ، فهم كذبوا واتبعوا أهواءهم ، والأنبياء صدقوا وبلغوا ، كقوله تعالى : { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } [ غافر : 16 ] وكقوله : { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } [ القمر : 52 - 53 ] . وقيل : هو جواب لقوله : " سِحْرٌ مُسْتَمِرّ " أي بل كل أمره مستقر .