Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 4-5)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ } يعني أهل مكة من أخبار الأمم المكذبة والقرآن { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } أي مَنَاهِي . قوله : " مزدجر " يجوز أن يكون فاعلاً بـ " فيه " لأن " فيه " وقع صلة وأن يكون مبتدأ ، و " فِيهِ " الْخبر . و " الدال " بدل من تاء الافتعال ، وأصله مُزْتَجَرٌ ، فقُلبت التاء دالاً . وقد تقدم أن تاء الافتعال تقلب دالاً بعد الزاي ، والدال ، والذال ؛ لأن الزاي حرف مجهور والتاء حرف مهموس ، فأبدلوها إلى حرف مجهورٍ قريب من التاء ، وهو الدال . و " مزدجر " هنا اسم مصدر أي ازدجاراً ، أو اسم مكان أي موضع ازدجار . ومعناه فيه نهي وعظة ، يقال : زَجَرْتُهُ وازْدَجَرْتُهُ إذا نهيته عن السوء . وقرىء : مُزَّجَر بِقلب تاء الافتعال زاياً ثم أدغم . وزيد بن علي : مُزْجِر اسم فاعل من أَزْجَرَ صار ذا زَجْرٍ ، كَأَعْشَبَ أي صار ذا عُشْبٍ . والأنباء هي الأخبار العظام التي لها وقع كقول الهدهد { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [ النمل : 22 ] ، لأنه كان خبراً عظيماً له وقع وخبر ، وقال تعالى : { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ } [ الحجرات : 6 ] أي بأمر غريب . وإنما يجب التثبُّت فيما يتعلق به حكم ويترتب عليه أمر ذو بال ، وقال تعالى : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ } [ هود : 49 ] . والمراد بالأنباء هنا أخبار المهلكين المكذّبين . وقيل : المراد القرآن . قال ابن الخطيب : وفي ( ما ) وجهان : الأول : أنها موصولة أي جاءكم الذي فيه مُزْدَجَرٌ . الثاني : أنها نكرة موصوفة أي جاءكم من الأنباء شيء موصوف بأن فيه مزدجر . قوله : " حكمة " فيه وجهان : أحدهما : أنه بدل من { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } كأنه قيل : ولقد جاءهم حكمة بالغة من الأنباء ، وحينئذ يكون بدل كل من كل ، أو بدل اشتمال . الثاني : أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي هو حكمة بالغةٌ ، أي ذلك الذي جاءهم من إرسال الرسل وإيضاح الدلائل ، والإنذار لمن مضى ، أو إشارة لما فيه الأنباء أنه حكمة ، أو إشارة إلى الساعة المقتربة . وقد تقدم أنه يجوز على قراءة أبي جعفر وزيد أن يكون خبراً لـ { وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } [ القمر : 3 ] . وقرىء " حِكْمَةً " بالنصب حالاً من " ما " . قال الزمخشري : فإن قلت : إن كانت " ما " موصولة ساغ لك أن تنصب " حكمة " حالاً فكيف تعمل إن كانتْ موصوفة وهو الظاهر ؟ قلت : تَخَصُّصها بالصفة فيحسن نصب الحال عنها . انتهى . وهو سؤال واضح ؛ لأنه يصير التقدير : جاءهم من الأنْبَاء شيء فيه ازدجار فيكون منكراً ، وتنكير ذِي الحال قبيحٌ . قوله : { فَمَا تُغْنِـي ٱلنُّذُرُ } يجوز في " ما " أن تكون استفهامية ، وتكون في محل نصب مفعولاً مقدماً أي أَيَّ شَيْء تُغْنِي النذر ؟ وأن تكون نافية أي لم تغن النذر شيئاً . والنذر جمع نَذِير ؛ والمراد به المصدر أو اسم الفاعل كما تقدم في آخر النجم . وكتب " تغن " إتباعاً للفظ الوصل ، فإنها ساقطة لالتقاء الساكنين . قال بعض النحويين : وإنما حذفت الياء من " تغني " حملاً لها على " لَمْ " فجزمت كما تجزم " لَمْ " . قال مكي ، وهذا خطأ ، لأن " لم " تنفي الماضي وترُدُّ المستقبل ماضياً ، و " ما " تنفي الحال ، فلا يجوز أن يقع إحداهما موقع الأخرى لاختلاف مَعْنَيَيْهِمَا . فصل المعنى أن القرآن حكمة بالغة تامة قد بلغت الغاية . وقوله : { فَمَا تُغْنِـي ٱلنُّذُرُ } إن كانت " ما " نافية فالمعنى أن النذر لم يبعثوا ليغنوا ويلجئوا قومهم إلى الإيمان ، وإنما أرسلوا مبلغين كقوله تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } [ الشورى : 48 ] ويؤيد هذا قوله : " فَتَولَّ عَنْهُمْ " وإن كانت استفهامية فالمعنى : وأي شيءٍ تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم ؟ كقوله : { وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 101 ] أي إنك أتيت بما عليك من الدعوى فكذبوا بها وأنذرتهم بما جرى على المكذبين ، فلم يفدهم فهذه حكمة بالغة وما الذي تغني النذر غير هذا فلم يبق عليك شيء آخر ؟ فتول عنهم .