Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 41-46)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } المراد بآله خواصُّه ، والنُّذُر مُوسَى وهَارُونُ . ولقد يطلق لفظ الجمع على الاثنين . وقيل : المراد بآل فرعون القِبط . فإن قيل : ما الفائدة في قوله : " آلَ فِرْعَوْنَ " بدل " قَوْمِ فِرَعوْنَ " ؟ فالجواب : أن القوم أعم من الآل فالقوم كل من يقوم الرئيس بأمرهم ، أو يقومون هم بأمره وقوم فرعون : كانوا تحت قهره بحيث لا يخالفونه في قليل ولا كثير ، فأرسل إليه الرسول وحده غير أنه كان عنده جماعة من المقربين مثل قَارُون . مقدم عنده لمالِهِ العَظِيم ، وهَامَان لِدَهَائِهِ ، فاعتبرهم الله في الإرسال ، حيث قال في مواضع : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } [ الزخرف : 46 ] وقال : { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ } [ غافر : 24 ] وقال في العنكبوت : { وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُم مُّوسَىٰ } [ العنكبوت : 39 ] لأنهم إن آمنوا آمن الكل ، بخلاف الأقوام الذين كانوا قبلهم وبعدهم ، فقال : { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } وقال : { أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] . فإن قيل : كيف قال : " ولقد جاءهم " ولم يقل في غيره : جاء ؟ فالجواب : لأن موسى - عليه الصلاة والسلام - لما جاءهم كان غائباً عن القوم فقدم عليهم ، كما قال : { فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ الحجر : 61 ] ، وقال تعالى : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ التوبة : 128 ] حقيقة أيضاً ، لأنه جاءهم من الله من السموات بعد المعراج ، كما جاء موسى قومه من الطور حقيقة . والنذر : الرسل وقد جاءهم يوسف وبنوه إلى أن جاءهم موسى . وقيل : النذر الإنذاراتُ . قوله : " كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا " فيه وجهان : أحدهما : أن الكلام تمّ عند قوله : { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } وقوله : " كَذَّبُوا " كلام مستأنف ، والضمير عائد إلى كل مَنْ تقدم ذكرهم من قوم نوح إلى آل فرعون . والثاني : أن الحكاية مسوقةٌ على سياق ما تقدم فكأنه قيل : فَكَيْفَ كَانَ ؟ فقال : كذبوا بآياتنا كلها فَأَخَذْنَاهُمْ . فعلى الوجه الأولى آياتنا كلها ظاهر ، وعلى الثاني المراد بالآيات التي كانت مع موسى - عليه الصلاة والسلام - كالعصا ، واليد ، والسِّنِينَ ، والطمسِ ، والجرادِ ، والطوفانِ ، والجرادِ ، والقُمَّلِ ، والضفادعِ والدَّمِ . قوله : { فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ } هذا مصدر مضاف لِفاعله ، والمعنى أخَذْنَاهُمْ بالعذاب أخَذْ عَزِيزٍ غالب في انتقامه ( مُقْتَدِرٍ ) قادرٍ على إهلاكهم ، لا يُعْجِزُه مَا أرَادَ . ثم خوف أهل مكة فقال : { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } أي أشد وأقوى من الذين أحللت بهم نِقْمَتي من قوم نوح وعاد وثمود ، وقم لوط . وهذا استفهام بمعنى الإنكار ، أي ليسوا بأقوى منهم ، فمعناه نفي أي ليس كفاركم خيراً من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم . وقوله : " خَيْرٌ " مع أنه لا خير فيهم إما أن يكون كقول حسان : @ 4610 - … فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ @@ أهو بحسب زعمهم ، واعتقادهم ، أو المراد بالخير شدة القوة ، أو لأن كل مُمْكِن فلا بدّ وأن يكون فيه صفات محمودة ، والمراد تلك الصفات . { أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ } أي في الكتب المنزلة على الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بالسلامة من العقوبة . وقال ابن عباس - ( رضي الله عنهما - ) أم لكم في اللوح المحفوظ براءة من العذاب . قوله : " أَمْ يَقُولُونَ " العامة على الغيبة ، وأبو حيوة وأبو البَرَهسم وموسى الأسوَاريّ بالخطاب ، جرياً على ما تقدم من قوله : " كُفَّارُكُمْ خَيْرٌ " … إلى آخره . والمعنى نحن جماعة لا نُطَاقُ لكثرة عددهمْ وقوتهم ، ولم يقل : منتصرين اتباعاً لرؤوس الآي . وقال ابن الخطيب : قولهم : " جميعٌ " يحتمل الكثرة ، والاتّفاق ، ويحتمل أن يكون معناه نحن جميع الناس إشارة إلى أن من آمن لا عبرة به عندهم كقول قوم نوح : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [ الشعراء : 111 ] فيكون التنوين فيه عوضاً من الإضافة . وأفرد منتصر مراعاةً للفظ " جميع " أو يكون مرادهم كل واحد منتصر كقولك : كُلُّهُمْ عَالِمٌ أي كل واحد فيكون المعنى أن كل واحد منا غالب ؛ فردّ الله تعالى عليهم بأنهم يهزمون جَمِيعُهُمْ . قوله : " سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ " العامة على سَيُهْزَمُ مبنياً للمفعول و " الجَمْعُ " مرفوعٌ به . وقرىء : سَتَهْزِمُ بتاء الخطاب ، خطاباً للرسول - عليه الصلاة والسلام - " الْجَمْعَ " مفعول به . وأبو حيوة في رواية يعقوب : سَنَهْزِمُ بنون العظمة ، و " الْجَمْعَ " منصوب أيضاً . وابْنُ أَبِي عَبْلَةَ : سَيَهْزِمُ بياء الغيبة مبنياً للفاعل ( الجَمْعَ ) منصوب أي سيَهْزِمُ اللَّهُ . و " يُوَلُّونَ " العامة على الغيبة . وأبو حيوة وأبو عمرو - في رواية - وتُوَلُّونَ بتاء الخطاب ، وهي واضحة والدُّبُر هنا اسم جنس ، وحسن هنا لوقوعه فاصلةً بخلاف : { لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ } [ الحشر : 12 ] . وقال الزمخشري : أي الأدبار ، كما قال : @ 4611 - كُلُوا فِي بَعْضِ بطْنِكُمُ تَصِحُّوا … @@ وقرىء الأدبار . قال أبو حيان : وليس مثل بعضِ بَطْنِكُمْ ؛ لأن الإفراد هنا له محسّن ، ولا محسن لإِفراد بَطْنِكُمْ . قال ابن الخطيب : وأفْردَ " الدُّبُرُ " هنا وجُمع في غيره ؛ لأن الجمع هو الأصل ، لأن الضمير ينوب مناب تَكْرار العاطف فكأنه قيل : تولى هذا وهذا . وأفرد لمناسبة المقاطع . وفيه إشارة إلى أن جميعهم يكونون في الانهزام كشخص واحد ، وأما قوله : { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } [ الأنفال : 15 ] فجمع لأن كل واحد برأسه منهيّ عن رأسه ، وأما قوله : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } [ الأحزاب : 15 ] أي كل واحد قال : أنا أثبت ولا أوَلِّي دُبُرِي . فصل قال مقاتل : ضرب أبو جهل فرسه يوم بدر فتقدم من الصف وقال : نحن نَقْتَصُّ اليومَ من مُحَمَّد وأصحابِهِ فأنزل الله تعالى : { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } . وقال سعيد بن المسيب : " سمعت عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يقول : لما نزل : سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّون الدُّبُرَ كنت لا أدري أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثب في درعه ويقول : { سَيُهْزَمُ الجَمْع وَيُوَلُّون الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } أعظم نائبةً وأشدّ مرارةً من الأسر والقتل يوم بدر " ، وفي رواية " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَثِبُ في دِرْعِهِ ويقول : " اللَّهُمَّ إنَّ قُرَيْشاً حَادَّتْكَ وتُحَادّ رَسُولَكَ بفَخْرِهَا بخَيْلِهَا فَأَخْنِهِمُ العَدَاوَةَ " ، ثم قال : { سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } " وقال عمر - ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) - : فَعَرَفْتُ تَأْويلهَا . وهذا من معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبعُ سِنينَ ، فالآية على هذا مكية . وفي البخاري عن عائشةَ أمِّ المؤمنين - ( رضي الله عنهما ) - قالت : لقد أنْزِلَ على مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، وإني لجارية ألعبُ : { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } . " وعن ابن عباس ( - رضي الله عنهما - ) أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال وهو في قُبَّةٍ له يوم بدر : " أَنْشُدُكَ عَهْدَك ووَعْدَكَ ، اللَّهمَّ إنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ اليَوْم أبداً " . فأخذ أبو بكر بيده وقال : حَسْبُك يا رسول الله قد أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّك وهو في الدِّرع فخرج وهو يقول : سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيولُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ " . { بل الساعة موعدهم } يريد يوم القيامة { والساعة أدهى وأمر } مما لَحِقَهُمْ . فصل " أدْهَى " من الداهية وهي الأمر العظيم يقال : أَدْهَاهُ أَمْرُ كَذَا أي أصابه دَهْواً ودَهْياً . وقال ابن السِّكِّيت : دَهَتْهُ دَاهِيَةٌ دَهْوَاءُ ودَهْيَاءُ ، وهي توكيد لها .