Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 47-48)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } قيل : في ضلال بعد عن الحق . قال الضحاك : وسعر أي نار تسعّر عليهم . وقيل : ضلال ذهب عن طريق الجنة في الآخرة . وسُعُر جمع سَعِير : نار مستعرة . وقال الحسين بن الفضل : إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونارٍ في الآخرة . قال قتادة : في عناء وعذاب . ثم بين عذابهم فقال : { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } ويقال لهم : { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } . فصل أكثر المفسرين على أن هذه الآية في القَدَرِيَّة . وفي الحديث : أَنَها نزلت في القَدَرِيَّة . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " مَجُوسُ هَذِه الأُمَّةِ القَدَرِيَّةُ فَهُمُ المُجُرِمُونَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى في قوله : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } " . واعلم أن الجَبْريَّ من يقول : القدريُّ من يقول الطاعة والمعصية بفعلِي فهم ينكرون القَدَر . والفريقان متّفقان على أن السُّنِّيَّ القائلَ بأن الأفعال خلق الله وبسببٍ من العبد ليس بقَدَرٍ . قال ابن الخطيب : والحقُّ أن القَدَرِيَّ هو الذي يُنْكِرُ القَدَرَ ، ويَنْسِبُ الحوادث لاتصال الكواكب لما رُوِيَ أنَّ قريشاً خَاصَمُوا في القَدَر ومذهبهم أن الله مكَّن العبد مِن الطاعة والمعصية ، وهو قادر على خلق ذلك في العبد ، وقادر على أن يُطْعِمَ الفَقِيرَ ، ولهذا قالوا : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } [ يس : 47 ] منكرين لقدرته تعالى على الإِطعام . وأما قوله - عليه الصلاة والسلام - : " القَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الأمة " فإِن أريد بالأمة المرسل إليهم مطلقاً كالقَوْم ، فالقدرية في زمانه هم المشركون المنكرون قدرته على الحوادث ، فلا يدخل فيهم المعتزلة . وإن كان المراد بالأمة من آمن به - عليه الصلاة والسلام - فمعناه أن نسبة القدرية إليهم كنسبة المَجُوس إلى الأمة المتقدمة ، فإن المجوس أضعفُ الكَفَرَة المتقدمين شبهةً وأشدّهم مخالفةً للعقل ، وكذا القدرية في هذه الأمة وكونهم كذلك لا يقتضي الجَزْم بكونهم في النار . فالحق أن القدريَّ هو الذي يُنْكِر قدرةَ الله تَعَالَى . فصل روى مُسْلِمٌ عن أبي هريرة ، قال : جاءَ مشركو قريش يخاصمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القدر ، فنزلت هذه الآية : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } إلى قوله : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } [ القمر : 49 ] . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلاَئِقِ كُلَّهَا مِنْ قَبْلِ أن يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ قال : وَعَرْشُهُ عَلَى الماء " وعن طاوس اليماني قال : أدركت ما شاء الله من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون : كُلّ شيء بقدر الله . وسمعت من عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كُلُّ شَيْءٍ بقَدَرٍ حَتَى العَجْزُ والكَيْسُ أو الكَيْسُ والعَجْزُ " . وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : " قال رسول الله : لا يؤمن بالله عبدٌ حتى يؤمن بأربع : يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللَّه ، وأَنِّي رسولُ الله بَعَثَنِي بالحقِّ ويؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقَدَر . وزاد عُبَيْدُ الله : خَيْرِهِ وشَرِّهِ " وهذه الأدلة تبطل مذاهب القدرية . قوله : " ذُوقُوا " فيه إضمار القول . وقرأ أبو عمرو - في رواية محبوب عنه - مَسَّقَرَ . وخطَّأَهُ ابنُ مجاهد ، وهو معذُورٌ ؛ لأن السِّين الأخيرة من " مَسَّ " مدغم فيها فلا تدغم في غيرها لأنه متى أدغم فيها لزم تحريكها ومتى أدغمت هي لزم سكونها فتَنَافَى الجمعُ بينهما . قال أبو حيان : والظَّنُّ بأبي عمرو أنه لم يُدْغِمْ حتى حذفَ أحد الحرفين لاجتماع الأمثال ثم أدغم . قال شهاب الدين : كلام ابن مجاهد إنما هو فيما قالوه أنه أدغم أما إِذا حَذَف وأدغم فلا إِشكال . و ( سَقَرُ ) علم لجهنّم أعَاذَنَا الله منها ، مشتقة من سَقَرَتْهُ الشَّمْسُ والنارُ أي لَوَّحَتْهُ . ويقال : صَقَرَ بالصاد ، وهي مبدلة من السين لأجلِ القاف . قال ذو الرمة : @ 4612 - إِذَا ذَابَت الشَّمْسُ اتَّقَى صَقراتِهَا بِأَفْنَانِ مَرْبُوع الصَّرِيمَةِ مُعْبِل @@ و " سَقَرُ " متحتِّم المنع من الصرف ؛ لأن حركة الوسط تنزلت منزلة الحرف الرابع ، كعَقْرَبَ وزَيْنَبَ . قال القرطبي : و " سقر " اسم من أسماء جهنم مؤنث لا ينصرف ، لأنه اسم مؤنث معرفة وكذلك " لظى وجهنم " . وقال عطاء : " سقر " الطابق السادس من النار . وقال قطرب : ويَوْمٌ مُسْمَقِرٌّ ومُصْمَقِرٌّ : شديد الحر . ومسها ما يوجد من الألم عند الوقوع فيها . فصل العامل في ( يَوْمَ يُسْحَبُونَ ) يحتمل أن يكون منصوباً بعامل مفهوم غير مذكور . وهذا العالم يحتمل أن يكون سابقاً وهو قوله : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ } . والعامل في الحقيقة على هذا الوجه أيضاً مفهوم من ( فِي ) كأنه فيه بمعنى كائن غير أن ذلك صار نَسْياً مَنْسيًّا . ويحتمل أن يكون متأخراً وهو قوله : " ذُوقُوا " تقديره : " ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ يَوْمَ يُسْحَبُ المُجْرمُونَ " . والخطاب حينئذ مع من خوطب بقوله : { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم } [ القمر : 43 ] . ويحتمل أن يكون منصوباً بالقول المقدر أي يُقَالُ لهم يَوْمَ يُسْحَبُونَ ذُوقوا . وهو المشهور . والذوق استعارة للمبالغة لقوة الإدراك في الذَّوْقِ ؛ فإن الإنسان يشارك غيره في اللَّمْس ، ويُخْتَصُّ بإدراك المطعوم فيحصل الألم العظيم ، والمعنى ذوقوا أيها المُكَذِّبُونَ بمحمد صلى الله عليه وسلم - مَسَّ سَقَر يَوْم يُسحب المجرمون المتقدمون في النار .