Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-3)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } . في " إذا " أوجه : أحدها : أنها ظرف محض ليس فيها معنى الشَّرط ، والعامل فيها " ليس " . الثاني : أن العامل فيها " اذْكر " مقدراً . قال الزمخشري : فإن قلت : بم انتصب " إذا " ؟ . قلت : بـ " ليس " ، كقولك : يوم الجمعة ليس لي شغل . ثم قال : أو بإضمار " اذكر " . قال أبو حيان : " ولا يقول هذا نحوي " . قال : لأن " ليس " مثل " ما " النافية فلا حدث فيها ، فكيف تعمل في الظرف من غير حدث ، وتسميتها فعلاً مجازاً ، فإن حدَّ الفعل غير منطبق عليها . ثم قال : وأمَّا المثال الذي نظر به ، فالظرف ليس معمولاً لـ " ليس " بل للخبر ، وتقدم معمول خبرها عليها ، وهي مسألة خلاف . انتهى . قال شهاب الدين : الظروف تعمل فيها روائح الأفعال ، ومعنى كلام الزمخشري أن النفي المفهوم من " ليس " هو العامل في " إذا " كأنه قيل : ينتفي كذب وقوعها إذا وقعت ، ويدل على هذا قول أبي البقاء رحمه الله . والثاني : ظرف لما دل عليه { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } ، أي : إذا وقعت لم تكذب ، فإن قيل : فليجر ذلك في " ما " النافية ؟ . فالجواب : أن الفعل أقرب إلى الدلالة على الحدث من الحرف . الثالث : أنها شرطية ، وجوابها مقدر ، أي : " إذا وقعت كان كيت وكيت " ، وهو العامل فيها . الرابع : أنها شرطية ، والعامل فيها الفعل الذي بعدها ويليها ، وهو اختيار أبي حيان ، وتبع في ذلك مكيًّا . قال مكي : " والعامل فيه " وقعت " ؛ لأنها قد يجازى بها ، فعمل فيها الفعل الذي بعدها كما يعمل في " مَا " ، و " مَنْ " اللتين للشرط في قولك : ما تَفْعَلْ أفْعَلْ ، ومن تُكْرِمْ أكْرِمْ " ، ثم ذكر كلاماً كثيراً . الخامس : أنها مبتدأ ، و " إذَا رُجَّتْ " خبرها ، وهذا على قولنا : " إنها تتصرف " وقد مضى تحريره إلا أن هذا الوجه إنما جوزه ابن مالك ، وابن جني ، وأبو الفضل الرازي على قراءة من نصب " خافِضَةً رافِعَةً " على الحال ، وحكاه بعضهم عن الأخفش . قال شهاب الدين : " ولا أدري اختصاص ذلك بوجه النَّصب " . السادس : أنه ظرف لـ " خافضة " ، أو " رافعة " . قاله أبو البقاء . أي إذا وقعت خفضت ورفعت . السابع : أن تكون ظرفاً لـ " رُجَّتْ " ، و " إذَا " الثانية على هذا إما بدل من الأولى ، أو تكرير لها . الثامن : أن العامل فيه ما دلّ عليه قوله : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [ الواقعة : 8 ] أي : إذا وقعت بانت أحوال الناس فيها . التاسع : أن جواب الشرط ، قوله : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [ الواقعة : 8 ] إلى آخره ، و " لِوقعَتِهَا " خبر مقدم ، و " كاذبة " اسم مؤخر . و " كاذبة " يجوز أن تكون اسم فاعل ، وهو الظَّاهر ، وهو صفة لمحذوف ، فقدر الزمخشري : " نفس كاذبة " . أي : أن ذلك اليوم لا يكذب على الله أحد ، ولا يكذِّب بيوم القيامة أحد . ثم قال : " و " اللام " مثلها في قوله : { قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [ الفجر : 24 ] ، أو ليس نفس تكذبها ، وتقول لها : لم تكوني كما لها اليوم نفوس كثيرة يكذبنها اليوم ، يقلن لها : لن تكوني ، أو هي من قولهم : كَذَبَتْ فُلاناً نفسُه في الخَطْبِ العظيم إذا شجعته على مباشرته ، وقالت له : إنك تطيقه وما فوقه ، فتعرض له ولا تبال به ، على معنى أنها وقعة لا تُطاق شدة وفظاعة ، وأن لا نفس حينئذ تحت صاحبها بما تحدثه به عند عظائم الأمور وتزين له احتمالها وإطاقتها ؛ لأنهم يومئذ أضعف من ذلك وأذلّ ، ألا ترى إلى قوله { كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } [ القارعة : 4 ] ، والفراش مثل في الضعف " . وقدره ابن عطية : " حال كاذبة " . قال : ويحتمل الكلام على هذا معنيين : أحدهما : كاذبة أي : مكذوبة فيما أخبر به عنها ، فسماها كاذبة لهذا ، كما تقول : هذه قصّة كاذبة ، أي : مكذوب فيها . والثاني : حال كاذبة أي : لا يمضي وقوعها ، كقولك : فلان إذا حمل لم يكذب . والثالث : " كاذبة " مصدر بمعنى التَّكذيب . نحو { خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ } [ غافر : 19 ] . قال الزمخشري : وقيل : " كاذبة " مصدر كـ " العاقبة " بمعنى التكذيب من قولك : حمل فلان على قرنه فما كذب ، أي فما جبن ولا تثبَّط ، وحقيقته فما كذب نفسه فيما حدثته به من إطاقته له وإقدامه عليه وأنشد لـ " زهير " : [ البسيط ] @ 4669 - … إذَا مَا اللَّيْثُ كَذَّبَ عَنْ أقْرانِهِ صَدَقَا @@ أي : إذا وقعت لم يكن لها رجعة ولا ارتداد انتهى . وهو كلام حسن جدًّا . ثم لك في هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنها لا محلّ لها من الإعراب ، إما لأنها ابتدائية ، ولا سيما على رأي الزمخشري ، حيث جعل الظرف متعلقاً بها . وإما لأنها اعتراضية بين الشرط وجوابه المحذوف . الثاني : أن محلّها النصب على الحال . قاله ابن عطية . ولم يبين صاحب الحال ، ماذا ؟ . وهو واضح إذ لم يكن هنا إلاَّ الواقعة ، وقد صرَّح أبو الفضل بذلك . وقرأ العامة : برفع " خَافِضَةٌ ورافِعَةٌ " على أنها خبر ابتداء مضمر ، أي : هي خافضة قوماً إلى النَّار ، ورافعة آخرين إلى الجنة ، فالمفعول محذوف لفهم المعنى . أو يكون المعنى أنها ذات خفض ورفع ، كقوله : { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } [ البقرة : 258 ] ، { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } [ البقرة : 187 ] . وقرأ زيد بن علي وعيسى والحسن ، وأبو حيوة ، وابن مقسم واليزيدي : بنصبهما على الحال . ويروى عن الكسائي أنه قال : " لولا أن اليزيدي سبقني إليه لقرأت به " انتهى . قال شهاب الدين : " ولا أظن مثل هذا يصح عن مثل هذا " . واختلف في ذي الحال : فقال أبو البقاء : من الضمير في " كاذبة " ، أو في " وقعت " . وإصلاحه أن نقول : أو فاعل " وقعت " ؛ إذ لا ضمير في " وقعتْ " . وقال ابن عطية وأبو الفضل : من " الواقعة " . ثم قرّرا مجيء الحال متعددة من ذي حال واحدة ، كما تجيء الأخبار متعددة . وقد تقدم بيانه . وقال أبو الفضل : " وإذا جعلت هذه كلها أحوالاً ، كان العامل في " إذا وقعت " محذوفاً يدل عليه الفحوى ، أي : إذا وقعت يحاسبون " . فصل في معنى الآية قال المفسرون : { إذا وقعت الواقعة } أي : إذا قامت القيامة ، والمراد : النَّفخة الأخيرة ، وسميت الواقعة لأنها تقعُ عن قرب . وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشَّدائد . قال الجرجاني : " إذا " صلة ، أي : وقعت الواقعة ، كقوله : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [ القمر : 1 ] { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] وهو كما يقال : جاء الصوم ، أي : دنا واقترب . وقال القرطبي : فيه إضمار ، أي : اذكر إذا وقعت ، وعلى هذا " إذا " للتَّوقيت ، والجواب قوله : { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [ الواقعة : 8 ] . وقال ابن الخطيب : أو يكون التقدير : إذا وقعت الزلزلة الواقعة يعترف بها كل أحد ، ولا يتمكّن أحد من إنكارها . و { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } . " الكاذبة " : مصدر بمعنى الكذب ، والعرب قد تضع الفاعل والمفعول موضع المصدر كقوله تعالى : { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } [ الغاشية : 11 ] أي : لغو ، والمعنى : ليس لها كذب . قاله الكسائي . ومنه قول العامة : عائذاً بالله ، أي : معاذ الله ، وقُمْ قائماً ، أي : قم قياماً . وقيل : الكاذبة : صفة ، والموصوف محذوف ، أي : ليس لوقعتها حال كاذبة أو نفس كاذبة ، أي كل من يخبر عن وقعتها صادق . وقال الزجاج : { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } أي : لا يردها شيء . ونحوه قول الحسن وقتادة . وقال الثوري : ليس لوقعتها أحد يكذب بها . وقيل : إن قيامها جدّ لا هزل فيه . وقوله : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } . قال عكرمة ومقاتل والسدي : خفضت الصوت فأسمعت من دنا ، ورفعت من نأى ، يعنى أسمعت القريب والبعيد . وعن السّدي : خفضت المتكبرين ورفعت المستضعفين . وقال قتادة : خفضت أقواماً في عذاب الله ، ورفعت أقواماً إلى طاعة الله . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : خفضت أعداء الله في النار ، ورفعت أولياء الله إلى الجنة . وقال ابن عطاء : خفضت أقواماً بالعدل ، ورفعت أقواماً بالفضل . والرفع والخفض يستعملان عند العرب في المكان والمكانة والعزّ والمهانة ، ونسب سبحانه وتعالى الرفع والخفض إلى القيامة توسعاً ومجازاً على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يمكن منه الفعل ، يقولون : ليلٌ قائم ، ونهار صائم . وفي التنزيل : { بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [ سبأ : 33 ] . والرافع والخافض في الحقيقة هو الله تعالى . و " اللام " في قوله " لوقعتها " إما للتعليل ، أي لا تكذب نفس في ذلك اليوم لشدة وقعتها . وإما للتعدية ، كقولك : " ليْسَ لزيد ضارب " فيكون التقدير : إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها امرؤ يوجد لها كاذب يكذب إذا أخبر عنه . قال ابن الخطيب : وعلى هذا لا يكون " ليس " عاملاً في " إذا " وهو بمعنى " ليس " لها كاذب .