Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 71-74)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } . أي : أخبروني عن النَّارِ التي تظهرونها بالقَدْحِ من الشجر الرطب . و " تُوُرون " : من أوريت الزند ، أي : قدحته فاستخرجت ناره ، وورى الزند يري أي : خرجت ناره ، وأصل " تُورُون " توريون . والشَّجرة التي يكون منها الزناد هي المَرْخُ والعفار . ومنه قولهم : " فِي كُلِّ شجرٍ نارٌ ، واستَمْجدَ المَرْخُ والعَفَارُ " . أي : استكثروا منها ، كأنهما أخذا من النَّار ما حسبهما . وقيل : إنهما يسرعان الوَرْي . قوله تعالى : { أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } . أي : المخترعون الخالقون ، أي : فإذا عرفتم قُدرتي ، فاشكروني ولا تنكروا قدرتي على البعث . قوله : { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } . يعني : نار الدنيا موعظة للنار الكبرى . قاله قتادة . وقال مجاهد : تبصرة للناس من الظَّلام . قال عليه الصلاة والسلام : " " إنَّ نَاركُمْ هذه الَّتي توقدونها يا بني آدَمَ جزءٌ من سَبْعينَ جُزْءاً من نَارِ جهنَّم " ، فقالوا : يا رسول الله إن كانت لكافية ، قال : " فإنَّهَا فُضِّلتْ عليْها بِتسْعَةٍ وسِتينَ جُزْءاً ، كُلُّهن مثلُ حرِّها " " . قوله : { وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } . يقال : أقوى الرَّجل إذا حلَّ في الأرض القواء ، وهي القفر ، كـ " أصحر " : دخل في الصحراء ، وأقوت الدَّار : خلت من ذلك ؛ لأنها تصير قَفْراً . قال النابغة : [ البسيط ] @ 4703 - يَا دَارَ مَيَّةَ بالعَلْيَاءِ فالسَّندِ أقْوَتْ ، فطال عليْهَا سالفُ الأمَدِ @@ قال الضحاك : " متاعاً للمقوين " أي منفعة للمسافرين ، سموا بذلك لنزولهم القوى ، وهي القفر التي لا شيء فيها ، وكذلك القوى والقواء - بالمد والقصر - . ومنزل قواء : لا أنيس به ، يقال : أقوت الدار ، وقويت أيضاً ، أي خلت من سكانها . قال : [ الكامل ] @ 4704 - حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تقَادمَ عَهْدُهُ أقْوَى وأقْفَرَ بَعْدَ أمِّ الهَيْثَمِ @@ وقال مجاهد : " للمقوين " أي المنتفعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء والاستضاءة ، ويتذكر بها نار جهنم فيستجار بالله منها . وقال ابن زيد : للجائعين في إصلاح طعامهم . يقال : أقويت منذ كذا وكذا ، أي ما أكلت شيئاً ، وبات فلان القواء وبات القَفْرَ ، إذا بات جائعاً على غير طعم . قال الشاعر : [ الطويل ] @ 4705 - وإنِّي لأخْتَارُ القَوَى ، طاويَ الحَشَا مُحافَظَةً مِنْ أن يُقالَ : لَئِيمُ @@ وقال قطرب : المقوي من الأضداد ، يكون بمعنى الفقير ، ويكون بمعنى الغني . يقال : أقوى الرجل إذا لم يكن معه زادٌ ، ويقال للفقير : مُقْوٍ إذا لم [ يكن ] معه مالٌ . وتقول العربُ : أقويت منذ كذا ، أي : ما أكلت شيئاً ، وأقوى : إذا قويت دوابه ، وكثر ماله ليقويه على ما يريد . وقال المهدوي : والآية تصلح للجميع ؛ لأن النَّار يحتاج إليها المسافر والمقيم والغني والفقير . وقال القشيري : وخصّ المسافر بالانتفاع بها ؛ لأنَّ انتفاعه أكثر من انتفاع المقيم ؛ لأنَّ أهل البادية لا بُدَّ لهم من النَّار يوقدونها ليلاً لتهرب منهم السِّباع ، وفي كثير من حوائجهم . قوله : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } . أي : فنزه الله عما أضافه إليه المشركون من الأنداد والعجز عن البعث . قال ابن الخطيب : والمشهور أن الاسم مقحم ، والأحسن أنه من باب الأولى ، وأنَّ تعظيم المسمى آكد ، وقد تقدم أن تعلُّق الفعل إن كان ظاهراً استغنى عن الحرف كـ " ضرب " ، وإن كان خفيًّا قوي بالحرف كـ " ذهب " ، وإن كان بينهما جاز الوجهان كـ " شَكَر ونَصَحَ " . و " سَبِّحْ " متعد بنفسه إلاَّ أنه لما دخل على الاسم - والمراد الذَّات - خفي التعليق من هذا الوجه ، فأتي بالحرف . وأما قوله { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ } [ من سورة الأعلى : 1 ] . فيحتمل أن ذلك لأنهم كانوا يعترفون بالله ، ويقولون : " نحن لا نشرك " في المعنى ، وإنما سمي الأصنام آلهة باللفظ ، فقيل لهم : نزّهوا الاسم كما نزهتم الحقيقة ، وعلى هذا فالخطاب ليس للنبي صلى الله عليه وسلم بل هو كقول الواعظ : يا مسكين ، أفنيت عمرك وما أصلحت عملك ، ويريد السَّامع . والمعنى مع الباء : فسبّح مبتدئاً باسم ربك ، فلا تكون " الباء " زائدة . ومعنى العظيم : القريب من الكل ، فإن الصَّغير إذا قرب من شيء بعد عن غيره .