Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 1-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . أي : مجّد الله ونزّهه عن السوء . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : صلى لله ما في السموات من خلق من الملائكة والأرض من شيء فيه روح ، أو لا روح فيه . وقيل : هو تسبيح الدلالة . وأنكر الزجَّاج هذا وقال : لو كان هذا تسبيح الدلالة ، وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة ، فلم قال : { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] . وإنما التسبيح مقال ، واستدل بقوله تعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ } [ الأنبياء : 79 ] ، ولو كان هذا التسبيح تسبيح دلالة ، فأي تخصيص لداود ؟ . وقال القرطبي : هذا هو الصحيح . فصل في الكلام على الفعل سبح هذا الفعل عدي باللام تارة كهذه السورة ، وأخرى بنفسه كقوله تعالى : { وَسَبِّحُوهُ } [ الأحزاب : 42 ] ، وأصله التعدي بنفسه ، لأن معنى " سبحته " : بعدته عن السوء ، فاللام إما أن تكون مزيدة كهي في نصحت لزيد ، ونصحته ، وشكرته ، وشكرت له ؛ إذ يقال : سبحت الله تعالى ، قال : { وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } [ الأعراف : 206 ] . وإما أن تكون للتعليل ، أي : أحدث التسبيح لأجل الله تعالى . وجاء في بعض الفواتح " سبَّح " بلفظ الماضي ، وفي [ بعضها ] بلفظ المضارع ، وذلك إشارة إلى أن هذه الأشياء مسبحة في كل الأوقات ، لا يختص بوقت دون وقت ، بل هي مسبحة أبداً في الماضي ، وستكون مسبحة أبداً في المستقبل . قوله : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } . " العزيز " : الغالب القادر الذي لا ينازعه شيء ، وذلك إشارة إلى كمال القدرة . " الحكيم " : الذي يفعل أفعاله على وفق الحكمة والصواب . قوله تعالى : { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب . وحقيقة " المُلْك " عبارة عن نفوذ الأمر ، فهو سبحانه وتعالى المالك القادر القاهر . وقيل : أراد خزائن المطر والنبات والرِّزق . قوله : { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } . يجوز في هذه الجملة ثلاثة أوجه : أحدها : أنها لا محل [ لها ] كالتي قبلها . والثاني : أنها خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو له ملك . الثالث : أنه الحال من الضمير في " له " فالعامل فيها الاستقرار . ولم يذكر مفعول الإحياء والإماتة ؛ إذ الغرض ذكر الفعلين [ فقط ، والمعنى ليميت ] الأحياء في الدنيا ، ويحيي الأموات للبعث . وقيل : هو يحيي النُّطف ، وهي أموات ، ويميت الأحياء . قال ابن الخطيب : " وعندي فيه وجه ثالث ، وهو أنه ليس المراد منه تخصيص الإحياء والإماتة بزمان معين ، وبأشخاص معينين ، بل معناه : أنَّه القادر على خلق الحياة والموت ، كقوله تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } [ الملك : 2 ] ، [ والمقصود منه ] كونه - تعالى - هو المنفرد بإيجاد هاتين الماهيتين على الإطلاق لا يمنعه عنهما مانع . قوله : { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } لا يعجزه شيء . قوله تعالى : { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ } الآية . قال الزمخشري : فإن قلت : [ فما معنى " الواو " ؟ ] . قلت : " الواو " الأولى معناها الدلالة على [ أنه الجامع بين الصفتين الأولية ] ، والآخرية . والثالثة على الجامع بين الظُّهور والخفاء . وأما الوسطى فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين ، ومجموع الصفتين الأخريين . فصل في تفسير الآية قال القرطبي رحمه الله : اختلف في معاني هذه الأسماء وقد شرحها رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحاً يغني عن قول كل قائل . روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ أنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبلكَ شيءٌ ، وأنْتَ الآخرُ فليْسَ بعدكَ شيءٌ ، وأنْتَ الظَّاهرُ فليس فوقكَ شيءٌ ، وأنْتَ الباطنُ فليْسَ دُونَك شيءٌ ، اقْضِ عنَّا الدَّينَ ، وأغْنِنَا من الفَقْرِ " ، عنى بالظاهر الغالب ، وبالباطن العالم ، والله أعلم . قوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } . مما كان أو يكون لا يخفى عليه شيء ، وهذا معنى قول ابن عباس . قال ابن الخطيب : الظَّاهر بحسب الدلائل ، والباطن بحسب الحواس . والقول بأن الباطن هو العالم ضعيف ؛ لأنه يلزم منه التكرار في قوله : " وهو بكل شيء عليم بما كان أو يكون " . فصل في إثبات وحدانية الله قال ابن الخطيب : احتج كثير من العلماء في إثبات أنَّ الإله واحد بقوله : " هو الأول " ، قالوا : الأول هو الفرد السَّابق ، ولهذا لو قال : أول مملوك اشتريته فهو حر ، ثم اشترى عبدين لم يعتقا ؛ لأن شرط كونه أولاً حصول الفردية ، وهنا لم تحصل ، فلو اشترى بعد ذلك عبداً واحداً لم يعتق ؛ لأن شرط الأولية كونه سابقاً ، وهاهنا لم يحصل ، فثبت أن الشَّرط في كونه أولاً أن يكون فرداً ، فكانت الآية دالة على أنَّ صانع العالم فرد . قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } . تقدم [ في " الأعراف " ] ، والمقصود منه دلائل القدرة . { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ } أي : يدخل فيها من مطر وغيره . { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من نباتٍ وغيره . { وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } من رزق ومطر وملك . { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } يصعد فيها من الملائكة ، وأعمال العباد { وَهُوَ مَعَكُمْ } يعني : بقدرته وسلطانه وعلمه . { أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ينظر أعمالكم ويراها ، ولا يخفى عليه شيء منها . فصل في الكلام على الآية قال القرطبي : وقد جمع في هذه الآية بين { استوى على العرش } وبين " وهُوَ معكُم " ، والأخذ بالظَّاهر تناقض فدل على أنه لا بد من التأويل ، والإعراض عن التأويل اعتراف بالتناقض . وقد قال أبو المعالي : إن محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لم يكن بأقرب إلى الله - عز وجل - من يونس بن متَّى حين كان في بطن الحوت . وقد تقدم . فصل في تفسير المعية ذكر ابن الخطيب عن المتكلمين أنهم قالوا : هذه المعية إما بالعلم ، وإما بالحفظ والحراسة ، وعلى التقديرين فالإجماع منعقد على أنَّه - سبحانه وتعالى - ليس معنا بالمكانِ والحيز والجهةِ ، فإذن قوله : { وَهُوَ مَعَكُمْ } لا بد فيه من التأويل ، فإذا جوَّزنا التأويل في موضع وجب تأويله في سَائر المواضع . قوله تعالى : { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . هذا التكرير للتأكيد ، أي : هو المعبود على الحقيقة . { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } أي : أمور الخلائق في الآخرة . وقد تقدم في البقرة " : أن الأخوين وابن عامر يقرءون : " تَرْجِعُ " بفتح التاء وكسر الجيم مبنيًّا للفاعل ، والباقون : مبنيًّا للمفعول في جميع القرآن . وقال أبو حيان هنا : وقرأ الجمهور : " تُرْجَعُ " مبنيًّا للمفعول ، والحسن وابن أبي إسحاق والأعرج مبنيًّا للفاعل . وهذا عجيب منه وقد وقع له مثل ذلك كما تقدم . قوله : { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ } . أي : ما ينتقص من النهار فيزيد في الليل ، وما ينتقص من الليل فيزيد في النهار . { وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } . أي : لا تخفى عليه الضمائر ، ومن كان بهذه الصفة ، فلا يجوز أن يعبد سواه . قوله تعالى : { آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } . أي : صدقوا أن الله واحد ، وأن محمداً عبده ورسوله . " وأنفِقُوا " : تصدقوا وقيل : أنفقوا في سبيل الله . وقيل : المراد : الزكاة المفروضة . وقيل : غيرها من وجوه الطاعات ، وما يتقرب به . وقوله تعالى : { مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } دليل على أن أصل الملك لله سبحانه وتعالى ، وأن العبد ليس له فيه إلاَّ التصرف الذي يرضي الله تعالى ، فيثيبه على ذلك بالجنة ، فمن أنفق منها في حقوق الله ، وهان عليه الإنفاق منها كما يهون على الرجل النفقة من مال غيره ، إذا أذن له فيه ، كان له الثواب الجزيل . وقال الحسن : " مُستخْلفِين فيه " بوراثتكم إياه عمن كان قبلكم ، وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة ، وما أنتم فيها إلا بمنزلة النُّواب والوكلاء ، فاغتنموا الفوز ، فإنها بإقامة الحق قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم . { فالذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم ، وأنفقوا في سبيل الله لهم أجر كبير } وهو الجنة . فصل في الكلام على الآية قال القاضي : هذه الآية تدل على أن هذا الأجر لا يحصل بالمال وحده حتى يضاف إليه هذا الإنفاق ، فمن أخل بالواجب من زكاة وغيرها فلا أجر له . قال ابن الخطيب : وهذا استدلال ضعيف ؛ لأنه لا يلزم من نفي الأجر الكبير نفي أصل الأجر ، فلم قلتم : إنها [ تدل على أنه ] لا أجر له أصلاً ؟ . فإن قيل : قوله " آمنوا بالله " خطاب مع من عرف الله أو مع من لم يعرف الله ، فإن كان الأول كان ذلك أمراً بأن يعرف من عرفه ، وذلك أمر بتحصيل الحاصل ، وهو محال . وإن كان الثاني كذلك كان ذلك الخطاب متوجِّهاً على من لم يكن عارفاً به ، ومن لم يكن عارفاً يستحيل أن يكون عارفاً بأمره ، فيكون الأمر متوجِّهاً على من يستحيل أن يعرف كونه مأموراً بذلك الأمر ، وهو تكليف ما لا يُطاق . قال ابن الخطيب : والجواب من النَّاس من قال : معرفة وجود الصَّانع حاصلة للكل ، وإنما المقصود من هذا الأمر معرفة الصفات . قوله تعالى : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ } . مبتدأ وخبر وحال : أي : أي شيء استقر لكم غير مؤمنين . قال القرطبي : " هذا استفهام يراد به التوبيخ ، أي : أي عذر لكم في ألا تؤمنوا وقد أزيحت العلل " . { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ } . فقوله : { وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ } جملة حالية من ضمير " تؤمنون " . قال الزمخشري : " فهما حالان متداخلان " . و " لتؤمنوا " متعلق بـ " يدعو " أي : يدعوكم للإيمان ، كقولك : " دعوته لكذا " . ويجوز أن تكون " اللام " للعلة ، أي : يدعوكم إلى الجنة وغفران الله لأجل الإيمان . وفيه بعد . وهذه الآية تدل على أنه لا حكم قبل ورود الشرع . قوله : { وَقَدْ أَخَذَ } . حال أيضاً . وقرأ العامة : " أخَذ " مبنيًّا للفاعل ، وهو الله - تعالى - لتقدّم ذكره . وقرأ أبو عمرو " أُخِذَ " مبنيًّا للمفعول ، حذف الفاعل للعلم به . و " ميثاقكم " منصوب في قراءة العامة ، ومرفوع في قراءة أبي عمرو . و " إن كنتم " جوابه محذوف ، تقديره : فما يمنعكم من الإيمان . وقيل : تقديره : إن كنتم مؤمنين لموجب ما رتبه ، فهذا هو الموجب . وقدره ابن عطية : إن كنتم مؤمنين فأنتم في رتبة شريفة . فصل في المراد بهذا الميثاق قال مجاهد : المراد بالميثاق هو المأخوذ عليهم حين أخرجهم من ظهر آدم ، وقال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [ الأعراف : 172 ] . قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف ؛ لأنه - تعالى - إنما ذكر أخذ الميثاق ليكون ذلك سبباً في أنه لم يبق لهم عُذْر في ترك الإيمان بعد ذلك ، وأخذ الميثاق وقت إخراجهم من ظهر آدم غير معلوم للقوم إلاَّ بقول الرسول . فقبل معرفة تصديق الرسول لا يكون ذلك سبباً في وجوب تصديق الرسول بل المراد بأخذ الميثاق نصب الدلائل والبينات ، بأن ركب فيهم العقول ، وأقام عليهم الحُجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرَّسُول ، وهذا معلوم لكل أحد ، فيكون سبباً لوجوب الإيمان بالرسول . فصل في حصول الإيمان بالعبد . قال القاضي : قوله : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ } يدل على قدرتهم على الإيمان ، إذ لا يجوز أن يقال ذلك لمن لا يتمكن من الفعل كما لا يقال : ما لك لا تطول ولا تبيض ، فيدل هذا على أن الاستطاعة قبل الفعل ، وعلى أن القدرة صالحة للضدين ، وعلى أن الإيمان حصل بالعبد لا بخلق الله . قوله : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي : إذْ كنتم مؤمنين . وقيل : إن كنتم مؤمنين بالحجج والدليل . وقيل : إن كنتم مؤمنين بحق يوماً من الأيام ، فالآن فقد صحت براهينه . وقيل : إن كنتم مؤمنين بأن الله خلقكم كانوا يعترفون بهذا . وقيل : هذا خطاب لقوم آمنوا ، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقهم فارتدوا . وقوله : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي : كنتم تقرُّون بشرائط الإيمان .