Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 1-2)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } الآية . " قَدْ " هنا للتوقع . قال الزمخشري : " لأنه - عليه الصلاة والسلام - والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع اللَّه مجادلتهما وشكواها ، وينزل في ذلك ما يفرج عنهما " . وإظهار الدال عند السين قراءة الجماعة إلا أبا عمرو والأخوين . ونقل عن الكسائي أنه قال : من بيَّن الدال عند السين فلسانه أعجمي ، وليس بعربي . وهذا غير معرج عليه . و " في زوجها " في شأنه من ظهاره إياها . فصل فيمن جادلت الرسول صلى الله عليه وسلم التي اشتكت هي خولة بنت ثعلبة . وقيل : بنت حكيمٍ . وقيل : بنت خُويلد . قال الماوردي : وليس هذا بمختلف ؛ لأن أحدهما : أبوها ، والآخر : جدها ، فنسبت إلى كل منهما . قيل : كانت أمة . وقيل : هي ابنة صامت . وقيل : أمة لعبد الله بن أبي . وهي التي أنزل الله فيها : { وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [ النور : 33 ] أي لا يكرهها على الزنا . وقيل : هي ابنة حكيم . قال النحاس : وهذا ليس بمُتناقض ، يجوز مرَّة أن تنسب إلى أبيها ، ومرَّة إلى أمها ، ومرَّة إلى جدِّها ، ويجوز أن تكون أمةً كانت لعبد الله بن أبي ، فقيل لها : أنصارية بالولاء ؛ لأنه كان في عداد الأنصاريين وأنه كان من المنافقين . نقله القرطبي . وقيل : اسمها جميلة ، وخولة أصح ، وزوجها أوسُ بن الصَّامت أخو عبادة بن الصَّامت . وروي أن عمر بن الخطاب مرَّ بها في خلافته ، وهو على حمارٍ والناس معه ، فاستوقفته طويلاً ووعظته ، وقالت : يا عمرُ ، قد كنت تدعى عُمَيراً ثم قيل لك : عمر ، ثم قيل : أمير المؤمنين ، فاتَّقِ الله يا عمر ، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب ، وهو واقف يسمع كلامها ، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقفُ لهذه العجوز هذا الوقوف . فقال : والله لو حَبَسَتْنِي من أول النهار إلى آخره لا زلت إلاَّ للصَّلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هذه خولة بنت ثعلبة ، سمع الله قولها من فوق سبع سموات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ ! . وقالت عائشة : تبارك الذي وسِعَ سمعهُ كُلَّ شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه ، وهي تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول : يا رسول الله أكَلَ شَبَابي ، ونَثرْتُ له بطني حتَّى إذا كبرت سنّي ، وانقطع ولدي ظاهر منِّي ، اللهم إني أشكو إليك فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } الآية . " روي أنها كانت حسنة الجِسْمِ ، فرآها زوجها ساجدةً فنظر عجيزتها ، فأعجبه أمرها ، فلما انصرفت أرادها فأبَتْ فغضب عليها ، قال عروة : وكان امرأ به لممٌ فأصابه بعض لممهِ ، فقال لها : أنْتِ عليَّ كظهْرِ أمِّي وكان الإيْلاء والظِّهار من الطلاق في الجاهلية ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : " حَرُمْتِ عليْهِ " ، فقالت : والله ما ذكر طلاقاً ، وإنه أبو ولدي وأحبّ الناس إليَّ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حَرُمْتِ عَليْهِ " ، فقالت : أشكو إلى الله فَاقتِي ووحْدتِي ، فقد طالت له صُحْبتي ونفَضَتْ له بَطْني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا أرَاك إلاَّ قَدْ حَرُمْتِ عليْهِ ولَمْ أومر فِي شأنِك بِشيءٍ " ، فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا قال لها رسول الله : " حَرُمْتِ عليْهِ " هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتِي وشدة حالي ، وإن لي صبيةً صغاراً إن ضَممتُهُمْ إليَّ جاعُوا ، وإن ضَممتُهُمْ إليه ضاعُوا ، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهُم إني أشكو إليك فأنزل على لسان نبيك ، وكان هذا أول ظهارٍ في الإسلام فأنزل الله تعالى : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } الآية . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجها ، وقال : " مَا حَمَلَكَ عَلى ما صَنَعْتَ " ؟ فقال : الشيطان ، فهل من رُخْصَة ؟ فقال : " نَعَمْ " ، وقرأ عليه الأربع آيات ، فقال : " هَلْ تَسْتطِيْعُ الصَّوْمَ " ؟ فقال : لا والله ، فقال : " هَلْ تَسْتطيعُ العِتْقَ " ؟ فقال : لا والله ، إني أن أخطأ في أن آكل في اليوم مرة أو مرتين لكلَّ بصري وظننت أني أموت ، قال : " فأطْعِمْ ستِّيْنَ مِسْكيناً " ، فقال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعونٍ وصلةٍ ، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسةَ عشر صاعاً ، وأخرج أوس من عنده مثله ، فتصدق به على ستين مسكيناً " . فصل في اللمم الذي كان بأوس بن الصامت قال أبو سليمان الخطَّابي : ليس المراد من قوله في هذا الخبر : وكان بن لَمَم الخبل والجنون ، إذ لو كان به ثُمَّ ظاهر في تلك الحال لم يكن يلزمه شيء ، بل معنى اللَّمَم هاهنا : الإلمام بالنساء وشدة الحِرْصِ والتَّوقَانِ إليهن . فصل في الظهار اعلم أن الظِّهار كان من أشدّ طلاق الجاهلية ؛ لأنه في التحريم أوكدُ ما يمكن ، فإن كان الحكم صار مقرّراً في الشرع كانت الآية ناسخة له ، وإلا لم يفد نسخاً ؛ لأن النسخ إنما يدخل في الشَّرائع لا في عادة الجاهلية ، لكن الذي روي أنه - عليه الصلاة والسلام - قال لها : " حَرُمْتِ " أوْ " مَا أَرَاكَ إلاَّ قَدْ حَرُمْتِ " كالدلالة على أنه كان شرعاً . فأما ما روي أنه توقف في الحكم فلا يدل على ذلك . وفي الآية دليل على أن من انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يَبْقَ له في مهمه أحد سوى الخالق كفاه الله ذلك المُهِمّ . فصل فيما حكاه الله عن هذه المرأة اعلم أنَّ الله - تعالى - حكى عن هذه المرأة أمرين : أحدهما : المجادلة وهو قوله تعالى : { تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } أي : في شأن زوجها ، وتلك المجادلة هي أنه - عليه الصلاة والسلام - كلما قال لها : " حَرُمَتْ عَليْهِ " ، قالت : والله ما ذكر طلاقاً . والثاني : شكواها إلى الله فَاقتَهَا ووحْدتهَا ، وقولها : إن لي صبية صغاراً . فصل في سمع الله تعالى قال القرطبي : الأصل في السماع إدراك المسمُوعات وهو اختيار أبي الحسن ، وقال ابن فورك : الصحيح أنه إدراك المسمُوع . وقال الحاكم أبو عبد الله : " السميع " هو المدرك للأصوات التي يدركها المخلوقون بآذانهم من غير أن يكون له أذن ، وذلك راجع إلى أن الأصوات لا تخفى عليه ، وإن كان غير موصوف بالحس المركب في الأذُن كالأصَم من النَّاس لما لم يكن له هذه الحاسة لم يكن أهلاً لإدراك الصوت ، والسمع والبصر صفتان كالعلم والقدرة ، والحياة والإرادة ، فهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه متّصفاً بهما . وقرىء : " تُحَاوِرُكَ " أي : تراجعك الكلام . قوله : { وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } يجوز فيه وجهان : أظهرهما : أنه عطف على " تجادلك " فهي صلة أيضاً . والثاني : أنها في موضع نصب على الحال ، أي : تجادلك شاكيةً حالها إلى الله . وكذا الجملة من قوله : { وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ } والحالية فيها أبعد . و " شكا " و " اشتكى " بمعنى واحد . و " المُحَاورة " : المراجعة في الكلام ، حار الشيء يحُور حَوْراً ، أي : رجع يرجع رجوعاً . ومنه : " نعوذ بالله من الحور بعد الكورِ " ، وكلمته فما أحار بكلمة ، أي : فما أجاب . { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } . أي : يسمع كلام من يناديه ، ويبصر من يتضرع إليه . قوله : { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ } تقدم الخلاف في " تُظَاهرون " في سورة " الأحزاب " ، وكذا في { ٱللاَّئِي } [ الأحزاب : 4 ] . وقرأ أبيّ هنا : " يَتَظَاهرون " . وعنه أيضاً : " يتظهرون " . وفي " الذين " وجهان : أحدهما : أنه مبتدأ ، وخبره : قوله { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } . الثاني : أنه منصوب بـ " بصير " على مذهب سيبويه في جواز إعمال " فعيل " قاله مكي . يعني : أن سيبويه يعمل " فعيلاً " من أمثلة المبالغةِ ، وهو مذهب مطعُون فيه على سيبويه ؛ لأنه استدلّ على إعماله بقول الشاعر : [ البسيط ] @ 4729 - حَتَّى شَآهَا كَلِيلٌ مَوْهِناً عَمِلٌ بَاتَتْ طِرَاباً وبَاتَ اللَّيْلَ لَمْ يَنَمِ @@ ورد عليه بأن " موهناً " ظرف زمان ، والظروف يعمل فيها روائح الأفعال ، والمعنى : يأتي " ما " قاله مكي . وقرأ العامة : " أمَّهاتِهِمْ " بالنصب على اللغة الحجازية الفصحى ، كقوله { مَا هَـٰذَا بَشَراً } [ يوسف : 31 ] . وعاصم في رواية بالرفع على اللغة التميمية ، وإن كانت هي القياس لعدم اختصاص الحرف ، وقرأ عبد الله : " بأمَّهاتهم " بزيادة الباء وهي تحتمل اللغتين . وقال الزمخشري : " وزيادة الباء في لغة من يَنْصِبُ " . قال شهاب الدين : هذا هو مذهب أبي عليّ ، يرى أن " الباء " لا تزاد إلا إذا كانت عاملة ، فلا تزاد في التميمية ، ولا في الحجازية إذا منع من عملها مانع ، نحو : " ما إن زيد بقَائمٍ " ، وهذا مردُود بقول الفرزدق وهو تميمي : [ الطويل ] @ 4730 - لَعَمْرُكَ ما مَعْنٌ بتَارِكِ حَقِّهِ ولا مُنْسِىءٌ مَعْنٌ ولا مُتَيَسِّرُ @@ وبقول الآخر : [ المتقارب ] @ 4731 - لَعَمْرُكَ مَا إنْ أبُو مالكٍ بِوَاهٍ ولا بِضَعيفٍ قُوَاه @@ فزادها مع " ما " الواقع بعدها " إن " . فصل في التعبير بلفظ الظهار ذكر الظَّهْر كناية عن معنى الركوب ، والآدمية إنما يُرْكَب بطنُها ، ولكن كنَّى عنه بالظَّهر ؛ لأن ما يركب من غير الآدميات فإنما يركب ظهره فكنَّى بالظهر على الركوب ، ويقال : نزل عن امرأته أي : طلقها كأنه نزل عن مركُوبه ، ومعنى : أنت عليَّ كظهرِ أمي ، أي : أنت عليَّ محرمة لا يحلّ لي ركوبك نقله القرطبي . ونقل ابن الخطيب عن صاحب " النظم " : أنه ليس مأخوذاً من الظَّهر الذي هو عضو من الجسد ؛ لأنه ليس الظَّهر بأولى بالذكر في هذا الوضع من سائر الأعضاء التي هي مواضع المباضعةِ والتلذُّذ ، بل الظهر هاهنا مأخوذ من العُلوّ ، ومنه قوله تعالى : { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ } [ الكهف : 97 ] أي : يعلوه وكذلك امرأة الرجل ظهره ؛ لأنه يعلوها بملك البضع وإن لم يكن ناحية الظَّهر ، فكأن امرأة الرجل مركب للرجل وظهر له . ويدلُّ على صحة هذا المعنى ما نقل عن العرب أنهم يقولون في الطلاق : نزلت عن امرأتي ، أي : طلقتها ، وفي قولهم : أنت عليّ كظهر أمي حذف وإضمار ؛ لأن تقديره : ظهرك عليّ ، أي ملكي إياك ، وعلوي عليك حرام كما عُلوي على أمي وملكها عليّ . فصل في حقيقة الظهار حقيقة الظهار : تشبيه ظهر بظهر ، والموجب للحكم منه تشبيه ظَهْر محلّل بظهر محرم ، ولهذا أجمع الفقهاء على أنَّ من قال لزوجته : أنت عليَّ كظهرِ أمي ، أنه مظاهر . وقال أكثرهم ، إذا قال لها : أنت عليّ كظهرِ ابنتي ، أو أختي ، أو من تحرم عليه على التأبيد من ذوات المحارم أنه مظاهر . فصل في ألفاظ الظهار وألفاظ الظِّهار : صريح وكناية : فالصريح : أنت علي كظهر أمي ، وأنت عندي ، وأنت منّي ، وأنت معي كظهر أمي ، وكذلك أنت عليَّ كبطن أمي ، أو كرأسها أو فرجها ونحوه ، وكذلك فرجك ، أو رأسك ، أو ظهرك ، أو بطنك ، أو رجلك عليَّ كظهر أمي ، فهو مظاهر مثل قوله : يدك ، أو رجلك ، أو رأسك ، أو فرجك طالق تطلق عليه ، ومتى شبهها بأمّه ، أو بإحدى جداته من قبل أبيه ، أو أمه فهو ظهار بلا خلاف ، وإن شبهها بغيرهن من ذوات المحارم التي لا تحلّ له بحال كالبنت ، والأخت ، والعمة ، والخالة كان مظاهراً عند أكثر الفقهاء . والكناية : أن يقول : أنت عليَّ كأمي ، أو مثل أمي ، فإنه يعتبر فيه النية ، فإن أراد الظهار كان ظهاراً ، وإن لم ينو الظهار لم يكن مظاهراً على خلاف في ذلك ، فإن شبه امرأته بأجنبيّة ، فإن ذكر الظهر كان ظهاراً ، وإن لم يذكر الظهر ، فقيل : يكون ظهاراً . وقيل : طلاقاً . وقال : أبو حنيفة والشافعي : لا يكون شيئاً . وقيل : وهذا فاسد ؛ لأنه شبّه محللاً من المرأة بمحرم ، فأشبه الظهر . نقله القرطبي . فإن قال : أنت عليَّ حرام كظهر أمي ، كان ظهاراً ولم يكن طلاقاً ؛ لأن قوله : أنت عليَّ حرام يحتمل التحريم بالطلاق ، فيكون طلقة ، ويحتمل التحريم بالظِّهار ، فلما صرح به كان تفسيراً لأحد الاحتمالين ، فقضي به فيه . فصل والظِّهار لازم في كلّ زوجة مدخول بها ، أو غير مدخُول بها من كل زوج يجوز طلاقه . وقال مالك : يجوز الظِّهار من كل من يجوز له وطؤها من إمائِهِ إذا ظاهر منهن لزمه الظِّهارُ فيهن ، وقال غيره : لا يلزم . قال ابن العربي : وهي مسألة عسيرةٌ جدًّا ؛ لأن مالكاً يقول : إذا قال لأمته : أنت عليَّ حرام لا يلزم ، فكيف يبطل فيها صريح التحريم ، وتصح كنايته . قوله : { مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } نعتان لمصدر محذوف أي قولاً منكراً وزوراً أي : كذباً وبهتاناً . قاله مكي . وفيه نظر ؛ إذ يصير التقدير : ليقولون قولاً منكراً من القولِ ، فيصير قوله : " مِنَ القَوْلِ " لا فائدة فيه ، والأولى أن يقال : نعتان لمفعول محذوف ، لفهم المعنى ، أي : ليقولن شيئاً منكراً من القول لتفيد الصفة غير ما أفاده الموصوف . والمنكر من القول : ما لا يعرف في الشَّرْع ، والزور : الكذب . { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } إذ جعل الكفارة عليهم مُخلصةً لهُمْ من هذا القَوْل المنكر . وقيل : " لعفو غفور " إما من قبل التوبة لمن يشاء ، كما قال تعالى : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 116 ] . أو بعد التوبة . فإن قيل : المظاهر إنما قال : أنْتِ عليَّ كظهرِ أمِّي ، فشبه بأمه ، ولم يقل : إنها أمه ، فما معنى أنه جعله منكراً من القوْلِ وزوراً . والزُّور : الكذب ، وهذا ليس بكذب ؟ . فالجواب : أنَّ قوله إنْ كان خبراً فهو كذب ، وإنْ كَانَ إنشاء فكذلك ؛ لأنه جعله سبباً للتَّحريم ، والشَّرْع لم يجعله سبباً لذلك . وأيضاً فإنما وصف بذلك ، لأن الأم مؤبدة التحريم ، والزَّوْجة لا يتأبّد تحريمها بالظِّهار ، وهذا ضعيف ؛ لأنَّ المشبه لا يلزم أن يساوي المشبه به من كُلِّ وجهٍ . فإن قيل : قوله : { إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ } يقتضي أن لا أم إلا الوالدة ، وهذا مشكل لقوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ } [ النساء : 23 ] . وقوله تعالى : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] . والحمل على حرمة النكاح لا يفيد ؛ إذْ لا يلزمُ مِنْ عدم كوْنِ الزَّوجة أمًّا عدمُ الحُرمةِ ، فظاهر الآية الاستدلال بعدم الأمومة على عدم الحرمة ؟ . فالجواب : أنا نقول : هذه الزَّوجة ليست بأم حتى تحصل الحرمة بسبب الأمومة ، ولم يرد الشرع بجعل هذه اللفظة سبباً للحرمةِ ، فإذن لا تحصل الحرمة هناك ألبتّة فكان وصفهم لها بالحرمة كذباً وزوراً .