Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 59, Ayat: 17-24)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ } . العامة على نصب " عَاقِبتَهُمَا " والاسم " أن " وما في حيزها ، لأن الاسم أعرف من { عاقبتهما أنهما في النار } . وقد تقدم تحرير هذا في " آل عمران " و " الأنعام " . وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وابن أرقم : برفعها ، على جعلها اسماً ، و " أن " وما في حيزها خبر كقراءة : { ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [ الأنعام : 23 ] . قوله : { خَالِدِينَ فِيهَا } . العامة على نصبه ، حالاً من الضمير المستكن في الجار لوقوعه خبراً . والتثنية ظاهرة فيمن جعل الآية مخصوصة في الراهب والشيطان ، ومن جعلها في الجنس فالمعنى فكان عاقبة الفريقين أو الصنفين . قال مقاتل : يعني المنافقين واليهود . ونصب " عَاقِبتَهُمَا " على أنه خبر " كان " والاسم { أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ } . وقرأ عبد الله ، وزيد بن علي ، والأعمش ، وابن أبي عبلة : برفعه خبراً ، والظرف ملغى ، فيتعلق بالخبر ، وعلى هذا فيكون تأكيداً لفظيًّا للحرف ، وأعيد معه ضمير ما دخل عليه كقوله : { فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا } [ هود : 108 ] . وهذا على مذهب سيبويه ، فإنه يجيز إلغاء الظرف وإن أكد . والكوفيون يمنعونه ، وهذا حجة عليهم ، وقد يجيبون بأنا لا نسلم أن الظرف في هذه القراءة ملغى بل نجعله خبراً لـ " أن " و " خالدان " خبر ثان ، وهو محتمل لما قالوا إلا أن الظاهر خلافه . قال القرطبي : وهذه القراءة خلاف المرسوم . وقوله : { وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } أي : المشركين ، كقوله : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] . قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في أوامره ونواهيه ، وأداء فرائضه واجتناب معاصيه . { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } يعني يوم القيامة ، والعرب تكني عن المستقبل بالغد . وقيل : ذكر الغد تنبيهاً على أن الساعة قريبة ؛ كقوله : [ الطويل ] @ 4754 - وإنَّ غَداً للنَّاظرينَ قريبُ @@ وقال الحسن وقتادة : قرب الساعة حتى جعلت كغد ؛ لأن كل آت قريب ، والموت لا محالة آت . ومعنى " ما قدَّمتْ " أي : من خير أو شرّ . ونكر النفس لاستقلال النفس التي تنظر فيما قدمت للآخرة ، كأنه قال : فلتنظر نفس واحدة في ذلك ، ونكر الغد ، لتعظيمه وإبهام أمره ، كأنه قيل : الغد لا يعرف كنهه لعظمه . وقرأ العامة بسكون لام الأمر في قوله : " ولتنظر " . وأبو حيوة ويحيى بن الحارث بكسرها على الأصل . والحسن : بكسرها ونصب الفعل ، جعلها لام " كي " ، ويكون المعلل مقدّراً ، أي : ولتنظر نفس حذركم وأعمالكم . قوله تعالى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } تأكيد . وقيل : كرر لتغاير متعلق التقويين فمتعلق الأولى : أداء الفرائض لاقترانه بالعمل ، والثانية : ترك المعاصي لاقترانه بالتهديد والوعيد ، قال معناه الزمخشري . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . قال سعيد بن جبير : { بِمَا تَعْمَلُونَ } أي : بما يكون منكم . قوله تعالى : { وَلاَ تَكُونُواْ } . العامة : على الخطاب ، وأبو حيوة : على الغيبة ، على الالتفات . { نَسُواْ ٱللَّهَ } أي : تركوه { فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } أن يعملوا لها خيراً . قاله المقاتلان . وقيل : نسوا حق الله ، فأنساهم حق أنفسهم . قاله سفيان . وقيل : " نسُوا اللَّه " بترك ذكره وتعظيمه " فأنساهم أنفسَهُمْ " بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضاً . حكاه ابن عيسى . وقيل : قال سهل بن عبد الله : " نَسُوا اللَّهَ " عند الذنوب " فَأنسَاهُم أنفُسهُمْ " عند التوبة . وقيل : " أنْسَاهُمْ أنفسَهُمْ " أي : أراهم يوم القيامة من الأحوال ما نسوا فيه أنفسهم ، كقوله تعالى : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } [ إبراهيم : 43 ] ، { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } [ الحج : 2 ] . ونسب تعالى الفعل إلى نفسه في " أنسَاهُمْ " إذ كان ذلك بسبب أمره ونهيه ، كقولك : أحمدت الرجل إذا وجدته محموداً . وقيل : " نَسُوا اللَّهَ " في الرخاء " فأنَساهُمْ أنفُسُهمْ " في الشدائد . { أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } . قال ابن جبير : العاصون . وقال ابن زيد : الكاذبون ، وأصل الفِسْق الخروج ، أي : الذين خرجوا عن طاعة الله . قوله تعالى : { لاَ يَسْتَوِيۤ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } أي : في الفضل والرتبة ، لما أرشد المؤمنين إلى ما هو مصلحتهم يوم القيامة ، بقوله : { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } وهدّد الكافرين بقوله : { كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } بين بهذه الآية الفرق بين الفريقين . واعلم أن الفرق بينهما معلوم بالضرورة ، وإنما ذكر الفرق في هذا الموضع للتنبيه على عظم ذلك الفرق ، ثم [ قال : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } . وهذا كالتفسير لنفي تساويهما . و " هم " يجوز أن يكون فصلاً ، وأن يكون مبتدأ ، فعلى الأول : الإخبار بمفرد ، وعلى الثاني : بجملة . ومعنى " الفَائِزُونَ " المقربون المكرمون . وقيل : الناجون من النار ، ونظير هذه الآية قوله : { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } [ المائدة : 100 ] ، وقوله : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } [ السجدة : 18 ] ، وقوله : { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ ] } [ ص : 28 ] . فصل احتجّت المعتزلة بهذه الآية على أن صاحب الكبيرة لا يدخل الجنة بهذه الآية ، قالوا : لأن الآية دلت على أن أصحاب النار وأصحاب الجنة لا يستويان ، [ فلو دخل صاحب الكبيرة الجنة لكان أصحاب الجنة وأصحاب النار يستويان ] ، وهو غير جائز وجوابه معلوم . فصل في أن المسلم لا يقتل بالذمي دلت هذه الآية على أن المسلم لا يقتلُ بالذمي كما هو مذكور في كتب الفقه . قوله تعالى : { لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } . وهذا حثّ على تأمل مواعظ القرآن ، وبيّن أنه لا عذر في ترك التدبر ، فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبالُ مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه ، ورأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعة متصدعة ، أي : متشققة من خشية الله . والخاشع : الذَّليل . والمتصدّع : المتشقق . وقيل : " خاشعاً " لله بما كلفه من طاعته ، " متصدعاً " من خشية الله أن يعصيه فيعاقبه . وقيل : هو على وجه المثل للكفار . قوله تعالى : { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } . أي : أنه لو أنزل القرآن على الجبل لخشع لوعده ، وتصدع لوعيده ، وأنتم أيها المقهورون بإعجازه لا ترغبون في وعده ، ولا ترهبون من وعيده . والغرض من هذا الكلام التنبيه على فساد قلوب هؤلاء الكفار وغلظ طباعهم ، ونظيره قوله : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } [ البقرة : 74 ] . وقيل : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي : لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت وتصدع من نزوله عليه ، وقد أنزلناه عليك وثبتناك له ، فيكون ذلك امتناناً عليه أن ثبته لما لم يثبت عليه الجبال . وقيل : إنه خطاب للأمة ، وأن الله - تعالى - لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدّعت من خشية الله ، والإنسان أقل قوة وأكثر ثباتاً ، فهو يقوم بحقه إن أطاع ، ويقدر على ردّه إن عصى ؛ لأنه موعود بالثواب ، ومزجُور بالعقاب . قوله : " خاشعاً " حال ؛ لأن الرؤية بصرية . وقرأ طلحة : " مصّدعاً " بإدغام التاء في الصاد . قوله تعالى : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } . لما وصف القرآن بالعظم ، ومعلوم أن عظم الصفة تابع لعظم الموصوف ، أتبع ذلك بشرح عظمة الله تعالى ، فقال : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } . قال ابن عباس رضي الله عنهما : معناه : عالم السر والعلانية . وقيل : ما كان وما يكون . وقال سهل : عالم بالآخرة والدنيا . وقيل : " الغيب " ما لم يعلمه العباد ولا عاينوه ، و " الشَّهَادة " ما علموا وشهدوا . وقوله : { ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } . تقدم مثله . قوله تعالى : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ } . قرأ أبو دينار وأبو السمال : " القَدُّوس " بفتح القاف . [ قال الحسن : هو الذي كثرت بركاته ] . والعامة : بضمها ، وهو المنزّه عن كل نقص ، والطَّاهر عن كل عيبٍ . والقدَس - بالتحريك - السّطل بلغة أهل الحجاز ، لأنه يتطهر منه . ومنه " القادوس " لواحد الأواني الذي يستخرج به الماء من البئر بالسانية . وكان سيبويه يقول : " قَدُّوس ، وسبُّوح " بفتح أولهما . وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه سمع عند الكسائي أعرابياً فصيحاً يكنى أبا الدينار يقرأ : " القَدُّوس " بفتح القاف . قال ثعلب : كل اسم على " فَعُّول " فهو مفتوح الأول ، مثل : سَفُّود ، وكَلُّوب ، وتَنُّور ، وسَمُّور ، وشَبُّوط ، إلا السُّبُّوح والقُدُّوس ، فإنَّ الضم فيهما أكثر ، وقد يفتحان ، وكذلك : الذروح بالضم . قوله : " السَّلامُ " . أي : ذو السلامة من النقائص . قال ابن العربي : اتفق العلماء على أنّ قوله : " السَّلامُ " النسبة ، تقديره : ذو السلامة ، ثم اختلفوا في ترجمة النسبة . فقيل : معناه الذي سَلِمَ من كل عيب ، وبَرِىءَ من كل نقص . وقيل : المسلم على عباده في الجنّة ، كما قال : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] . وقيل : معناه الذي سلم الخلق من ظلمه . وهذا قول الخطابي . قال القرطبي : وعلى هذا والذي قبله يكون صفة فعل ، وعلى الأول يكون صفة ذات . وقيل : معناه : المسلم لعباده . قوله : " المُؤمِنُ " . أي : الذي أمن أولياؤه عذابهُ ، يقال : أمنه يؤمنه فهو مؤمن . وقيل : المصدق لرسله بإظهار معجزاته عليهم ، ومصدق المؤمنين ما وعدهم به من الثواب ، ومصدق الكافرين ما أوعدهم من العقاب . وقال مجاهد : المؤمن الذي وحَّد نفسه بقوله : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 18 ] . وقرأ العامة : " المُؤمِن - بكسر الميم - اسم فاعل من آمن بمعنى أمن " . وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ، وقيل ابن القعقاع : بفتحها . فقال الزمخشري : بمعنى المؤمن به ، على حذف حرف الجر ، كقوله : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] المختارون . وقال أبو حاتم : لا يجوز ذلك ، أي : هذه القراءة ؛ لأنه لو كان كذلك لكان المؤمن به ، وكان جائزاً ، لكن المؤمن المطلق بلا حرف جر يكون من كان خائفاً فأمن ، فقد ردّ ما قاله الزَّمخشري . فصل قال ابن عباس : إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار ، وأول من يخرج من وافقه اسمه اسم نبي حتى إذا لم يبقَ فيها من يوافق اسمه اسم نبي ، قال الله تعالى لباقيهم : أنتم المسلمون وأنا السلام ، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن ، فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين . قوله : { ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ } . قيل : معنى المهيمن " الشاهد " الذي لا يغيب عنه شيء . وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي ومقاتل . قال الخليل وأبو عبيدة : هَيْمَنَ يُهَيْمِنُ فهو مُهَيْمِنٌ ، وقد تقدم الكلام عليه عند قوله : { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } [ المائدة : 48 ] . وقال ابن الأنباري : " المُهَيْمِنُ " : القائم على خَلْقِه بقدرته . وأنشد : [ الطويل ] @ 4755 - ألاَ إنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّهِ مُهَيْمِنُهُ التَّاليهِ في العُرْفِ والنُّكْرِ @@ وقيل هو في الأصل : مُؤيمن فقلبت الهمزة هاء ، كقوله : " أرَقْت وهرقت " ومعناه : المؤمن . نقله البغوي . وتقدم الكلام على " العَزِيز " . قوله : " الجبَّارُ " . استدل به من يقول : إن أمثلة المبالغة تأتي من المزيد على الثلاثة ، فإنه من " أجبره على كذا " ، أي قهره . قال الفرَّاء : ولم أسمع " فعّالاً " من " أفعل " إلا في " جبَّار ودرَّاك " من أدرك انتهى واستدرك عليه : أسأر ، فهو سَئّار . وقيل : هو من الجبر ، وهو الإصلاح . وقيل : هو من قولهم : نخلة جبَّارة إذا لم ينلْها الجُناة . قال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ 4756 - سَوَامِقَ جَبَّارٍ أثيثٍ فُرُوعُهُ وعَالَيْنَ قِنْوَاناً من البُسْرِ أحْمَرا @@ يعني النَّخْل التي فاتت اليد . قال ابن الخطيب : فيه وجوه : أحدها : أنه " فعّال " من جبر ، إذا أغنى الفقير وأصلح الكسير . قال الأزهري : " هو لعمري جابرٌ لكل كسيرٍ وفقير ، وهو جابر دينه الذي ارتضاه " . قال العجاج - رحمه الله - : [ الرجز ] @ 4757 - قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الإلَهُ فَجَبَرْ @@ الثاني : أن يكون من جبره إذا أكرهه على ما أراده . قال السديُّ : إنه هو الذي يقهر الناس ، ويجبرهم على ما أراده . قال الأزهري : " هي لغة " تميم " ، وكثير من الحجازيين يقولونها " . وكان الشافعي - رحمه الله - يقول : جبره السلطان على كذا ، بغير ألف . الثالث : قال ابن عباس رضي الله عنهما : الجبَّار هو الملك العظيم . وقيل : الجبار الذي لا تُطاق سطوته . قال الواحدي : هذا الذي ذكرنا من معاني الجبار في صفة الله تعالى ، وأما معاني الجبار في صفة الخلق فلها معان : أحدها : المُسَلَّط ، كقوله : { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ } [ ق : 45 ] . الثاني : العظيم الجسم ، كقوله تعالى : { إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } [ المائدة : 22 ] . والثالث : المتمرّد عن عبادة الله كقوله : { وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً } [ مريم : 32 ] . الرابع : القتال كقوله : { بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } [ الشعراء : 130 ] وقوله : { إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ } [ القصص : 19 ] . قوله : { ٱلْمُتَكَبِّرُ } . قال ابن عباس : الذي تكبر بربوبيته فلا شيء مثله . وقيل : المتكبر عن كل سوء ، المتعظم عما لا يليق به من صفات الحدوث والذم . وأصل الكبر والكبرياء الامتناع وقلّة الانقياد . قال حميد بن ثور : [ الطويل ] @ 4758 - عَفَتْ مِثْلَ مَا يَعْفُو الفَصِيلُ فأصْبَحَتْ بِهَا كِبْرِيَاءُ الصَّعْبِ وهي ذَلُولُ @@ قال الزجَّاج : وهو الذي تعظَّم عن ظلم عباده . وقال ابن الأنباري : " المتكبر " ذو الكبرياء . والكبرياء عند العرب الملك ، قال تعالى : { وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 78 ] واعلم أن المتكبر في صفات الله مدح ، وفي صفات المخلوقين ذم . قال - عليه الصلاة والسلام - يرويه عن ربه - تبارك وتعالى - أنه قال : " الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما قصمته ثم قذفته في النار " . وقيل : المتكبر معناه العالي . وقيل : الكبير ، لأنه أجل من أن يتكلف كبراً . وقد يقال : تظلّم بمعنى ظلم ، وتشتّم بمعنى شتم ، واستقر بمعنى قرّ ، كذلك المتكبر بمعنى الكبير ، وليس كما يوصف به المخلوق إذا وصف بـ " تفعل " إذا نسب إلى ما لم يكن منه ، ثم نزّه نفسه فقال : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . كأنه قال : إن المخلوقين قد يتكبرون ، ويدّعون مشاركة الله في هذا الوصف ، لكنه سبحانه منزَّهٌ عن التكبر الذي هو حاصل للخلق ؛ لأنهم ناقصون بحسب ذواتهم ، فادعاؤهم الكبر يكون ضم نقصان الكذب إلى النقصان الذاتي ، وأما الله - سبحانه وتعالى - فله العلو والعزّ ، فإذا أظهره كان ذلك ضمَّ كمال إلى كمال ، فسبُحانَ اللَّهِ عمَّا يشركُون في إثبات صفة المتكبريَّة للخلق . قوله : { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ } . " الخَالقُ " هنا المقدر ، و " البَارِىءُ " المنشىء المخترع ، وقدم ذكر الخالق على البارىء ؛ لأن الإرادة مقدمة على تأثير القدرة . قوله : " المُصَوِّرُ " . العامة : على كسر الواو ورفع الراء ، إما صفة وإما خبر . وقرأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والحسن بن السميفع ، وحاطب بن أبي بلتعة : بفتح الواو ونصب الراء . وتخريجها على أن يكون منصوباً بـ " البَارِىءُ " . و " المصوَّر " هو الإنسان إما آدم ، وإما هو وبنوه . وعلى هذه القراءة يحرم الوقفُ على المصور ، بل يجب الوصل ليظهر النَّصب في الراء ، وإلا فقد يتوهم منه في الوقف ما لا يجوز . وروي عن أمير المؤمنين أيضاً : فتح الواو وجرّ الراء ، وهي كالأولى في المعنى إلا أنه أضاف اسم الفاعل لمعموله مخففاً نحو : " الضارب الرجل " . والوقف على " المصوّر " في هذه القراءة أيضاً حرام ، وقد نبَّه عليه بعضهم . وقال مكي : " ويجوز نصبه في الكلام ، ولا بد من فتح الواو فتنصبه بـ " البارىء " ، أي : هو الله الخالق المصور ، يعني : آدم - عليه الصلاة والسلام - وبنيه " . انتهى . وكأنه لم يطلع على هذه القراءة . وقال أيضاً : " ولا يجوز نصبه مع كسر الواو ، ويروى عن علي رضي الله عنه " . يعني أنه إذا كسرت الواو ، وكان من صفات الله تعالى ، وحينئذ لا يستقيم نصبه عنده ؛ لأن نصبه باسم الفاعل قبله . وقوله : " ويروى " أي : كسر الواو ونصب الراء ، وإذا صح هذا عن أمير المؤمنين ، فيتخرج على أنه من القطع ، كأنه قال : أمدح المصور ، كقولهم : " الحَمْدُ للَّه أهل الحمد " بنصب أهل ؛ وقراءة من قرأ : { اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ } بنصب " رب " . قال مكي : و " المصور " مُفَعِّل " من " صَوّر يُصَوّر " ، ولا يحسن أن يكون من " صار يصير " ، لأنه يلزم منه أن يقال : المصير ، بالياء " . وقيل : هذا من الواضحات ولا يقبله المعنى أيضاً . وقدم " البارىء " على " المصور " لأن إيجاد الذوات مقدّم على إيجاد الصفات ، فالتصوير مرتب على الخلق والبراية وتابع لهما ، ومعنى التصوير : التخطيط والتشكيل ، وخلق الله الإنسان في بطن أمه ثلاثَ خلق ، جعله علقة ثم مضغة ثم جعله صورة ، وهو التشكيل الذي يكون به ذا صورة يعرف بها ويتميز عن غيره ، فتبارك الله أحسنُ الخالقين . قوله : { لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } تقدم نظيره . روى أبو هريرة - رضي الله عنه - : قال : " سألت خليلي أبا القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اسم الله الأعظم ، فقال : " عليْكَ بأواخر سُورةِ الحَشْرِ ، فأكثر قراءتهَا " فأعَدْتُ عليْهِ فأعَادَ عليَّ " . وقال جابر بن زيدٍ : إنَّ اسم الله الأعظم هو الله لمكان هذه الآية . وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَنَ قَرَأ سُورَة الحَشْرِ غُفِرَ الله لَهُ ما تقدَّمَ من ذَنبه ومَا تأخَّر " . وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنَ قَرَأ خَواتِيمَ سُورة الحَشْرِ في لَيلٍ أو نهارٍ ، فقبضهُ اللَّهُ في تلْكَ اللَّيلةِ أو ذلِكَ اليَوْمِ فَقَدْ أوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الجنَّة " .