Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 114-114)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لمّا حَكَى عن الكُفَّار أنَّهم أقْسَمُوا باللَّه جَهْد أيْمانهم ، لَئِن جَاءَتْهُم آية ، ليُؤمِنُنَّ بها ، وأجاب عَنْه : بأنه لا فَائِدة في إظْهَار تلك الآيَات ؛ لأنَّه - تعالى - لو أظْهَرَهَا ، لبقوا مُصِرِّين على كُفْرِهم ، بيَّن في هذه الآيَة أنَّ الدَّلِيل الدَّالَ على نُبُوته ، قد حَصَل فكلُّ ما طَلَبُوه من الزِّيادة ، لا يَجب الالْتِفَات إليه . قوله : " أفَغَيْرَ " يجوز نَصْب " غَيْرَ " من وَجْهَين : أحدهما : أنَّه مَفْعُول لـ " أبْتَغي " مقدَّماً عليه ، ووَلِيَ الهَمْزَة لما تقدَّم في قوله : { أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } [ الأنعام : 14 ] ويكُون " حَكَماً " حينئذٍ : إمَّا حالاً ، وإمَّا تَمْيِيزاً لـ " غَيْر " ذكره الحُوفِيُّ : وأبُو البَقَاء ، وابْنُ عَطِيَّة ؛ كقولهم : " إنَّ لَنَا غَيْرَها إبلاً " . الثاني : أن يَنْتَصِب " غَيْرَ " على الحَالِ مِنْ " حَكَماً : لأنَّه في الأصْل يَجُوز أن يَكُون وَصْفاً له ، و " حَكَماً " هذا المَفْعُول به ؛ فتحصَّل في نَصْب " غَيْر " وجهان ، وفي نصب " حَكَماً " ثلاثة أوجه : كونه حالاً ، أو مَفْعُولاً ، أو تَمْيِيزاً . والحَكَمُ أبلغ من الحَاكِم . قيل : لأنَّ الحَكَمَ لا يَحْكُم إلا بالعَدْل ، والحاكم قد يَجُوز ، ومَعْنى الآية الكريمة : قُلْ لَهُم يا محمَّد : أفَغَير اللَّه أطْلب قَاضياً بَيْنِي وبَيْنَكُم , وذلك أنَّهم كَانُوا يَقُولُون للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : اجعل بَيْنَنا وبَيْنَك حَكَماً ، فأجابَهُم به . قوله : { وهُو ٱلَّذِي أنْزَلَ } هذه الجُمْلة في مَحَلِّ نَصْب على الحَالِ من فاعِل : " أبْتَغِي " ، و " مُفَصَّلاً " : حَالٌ من " الكِتَاب " أي مُبيَّناً فيه أمْرُه ونهيه ، والمراد بالكِتَاب : القُرآن العَظِيم ، وقيل " مُفَصَّلاً " أي : خَمْساً خَمْساً ، وعَشْراً عَشْراً ، كما قال : { لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [ الفرقان : 32 ] . وقوله : { وَٱلَّذِينَ آتيْنَاهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } : مُبْتَدأ ، و " يعْلَمُونَ " : خَبَره ، والجُمْلَة مُسْتَأنَفَة ، والمراد بِهِم : عُلَماء اليَهُود والنَّصارى الذين آتيْناهم التَّوْراة والإنْجِيل . وقيل : هم مُؤمِنوا أهل الكِتَاب ، وقال عطاء : رُؤسَاء أصْحَاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بالكِتَاب : القُرْآن العَظِيم ، يَعْلَمون أنه مَنَزَّلٌ . قرأ ابنُ عامر ، وحَفْص عن عاصم : " مُنَزَّل " بتشْدِيد الزَّاي ، والباقُون بِتَخْفِيِفِها ، وقد تقدَّم : أنَّ أنزل ونزَّل لُغَتَان ، أو بَيْنَهُما فَرْق ، و " من ربِّك " لابْتِداء الغَايةِ مَجازاً ، و " بالحقِّ " حال من الضَّمِير المُسْتكنِّ في " مُنَزَّل " أي : مُلْتَبِساً بالحَقِّ ، فالباء للمُصَاحَبَة . قوله : { فَلاَ تكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } أي : من الشَّاكين أنَّهم يَعْلَمُون ذلك . وقيل : هذا من بابِ التَّهْييج والإلْهَاب ؛ كقوله - تعالى - : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] . وقيل : هذا خِطَاب لِكُلِّ أحد ، والمعنى : لما ظهرت الدَّلائِل ، فلا يَنْبَغِي أنْ يَمْتِرِي فيه أحَد . وقيل : هذا الخِطَاب وإن كان في الظَّاهِر للرَّسُول ، إلاَّ أن المراد أمته .