Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 116-116)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمَّا أجاب عن شُبَه الكُفَّار ، وبيَّن صحَّة نُبُوة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم بالدليل ، بيَّن بعد زوال الشُّبْهة ، وظهور الحُجَّة ، أنه لا يَنْبَغِي للعَاقِل أن يَلْتَفِت إلى كَلِمات الجُهَّال ، وهذه الآية الكريمة تَدُلُّ على أنَّ أكْثَر أهْلِ الأرْض كانوا ضُلالاً . وقيل : إنَّهم جادَلُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والمُؤمنين في أكل المَيْتَة ، فقالُوا : تأكلون ما تَقْتُلون ، ولا تأكلون ما قَتَلَه اللَّه ، فقال الله - تعالى - : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ } أي : أن تُطِعْهُم في أكل المَيْتَة ، يُضِلُّوك عن سَبيل اللَّه ، أي : عن الطَّرِيق الحقِّ ، ثم قال : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } يريد : أنَّ دينَهُم الذي هُم عليه ظَنٌّ ، وهوى لم يأخُذُوه على بَصِيرة { وَإِنْ هُمْ إلاَّ يَخْرُصُونَ } : يكْذِبُون في ادِّعاء القَطْع . فصل في رد شبهة نفاة القياس تمسَّك نُفَاة القِيَاس بهذه الآية الكريمة ؛ لأن اللَّه - تبارك وتعالى - بَالَغ في ذَمِّ الكُفَّار في كَثِير من آيَات القُرْآن العَظِيم بكونهم مُتَّبِعين للظَّن ، والشِّيء الذَّي جعله اللَّه - تبارك وتعالى - موجباً للذَّمِّ ، [ لا بد وأن يكون في أقْصَى مَراتِب الذَّمِّ ، والعمل بالقياس يُوجِب اتِّبَاع الظَّنِّ ، فوجب كَوْنه مَذْمُوماً ] محرماً لا يُقَال : لما ورد الدَّليل القَاطِع بكونه حُجَّة ، كان العمل به عملاً بِدَلِيل مَقْطُوع , لا بِدَليل مَظْنُون ؛ لأن هَذَا مَدْفُوع من وُجُوه : الأوَّل : أن ذلك الدَّلِيل القَاطِع : إمَّا أن يَكُون عَقْلِيّاً ، أو سَمْعِياً ، والأوّل بَاطِل ؛ لأنَّ العَقْل لا مَجَال له في أنَّ العمل بالقِيَاس جَائِزٌ ، أو غير جَائِز ، ولا سيَّمَا عند مَن يُنْكِر تَحْسين العَقْل وتَقْبيحه . والثاني أيضاً بَاطِل ؛ لأن الدَّلِيل السَّمْعِي إنَّما يكون قَاطِعاً لَوْ كان مُتَوَاتِراً ، وكانت الدَّلالة قَاطِعَة غير مُحْتَمَلة لوجه آخَر سوى هذا المَعْنَى الوَاحِد ، ولو حَصَل مِثُل هذا الدَّلِيل ، لعلم النَّاس بالضَّرُورَة كون القِيَاس حُجَّة ، ولارتفع الخلاف فيه ، فَحَيْث لم يُوجَد ذلك ، عَلِمْنا أن الدَّليل القَاطِع على صحَّة القياس مفقُود . الثاني : هب أنه وُجِد الدَّليلُ القاطع على أن القياس حُجَّة ، إلاَّ أنَّ ذلك لا يتم العمل بالقياس إلاَّ مع اتِّباع الظَّنِّ ؛ لأن التَّمسُّك بالقياس مَبْنِيٌّ على مَقَامَيْن . أحدهما : أن الحُكْم في محلِّ الوِفَاق معلِّلٌ بِكَذا . والثاني : أن ذلك المَعْنَى حاصل في محلِّ الخلاف ، فهذان المقامان إن كانَا مَعْلُومَيْن على سَبيل القَطْع واليَقِين ، فهذا ممَّا لا خِلاف في صِحَّته بين العُقلاء ، وإن كان مَجْمُوعُهُمَا أو كان أحدهما ظَنِّيًّا ؛ فحينئذٍ لا يتمُّ العمل بهذا القياسِ إلاَّ بِمُتَابَعة الظَّنِّ ، وحينئذٍ يدخل تحت النَّصِّ الدَّال على أنَّ متابعة الظّنِّ مَذْمُومة . والجواب : لم لا يجوز أن يُقال : إن الظَّنِّ عبارة عن الاعْتِقَاد الرَّاجِح إذا لم يُسْنَد إلى أمَارة ، [ وهو مثل اعتقاد الكُفَّار أمَّا إذا كان الاعْتِقَاد الرَّاجِحُ مستنداً إلى أمارة ] فهذا الاعتِقَاد لا يُسَمَّى ظنَّا ، وبهذا الطَّريق سَقَط الاسْتِدلال .