Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 117-117)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في " أعلم " قولان : أحدهما : أنَّها ليست للتَّفْضِيل ، بل بِمَعْنَى اسم فاعل في قوته , كأنه قيل : إن ربَّك هو يَعْلَم . قال الواحدي - رحمه الله - : " ولا يجوز ذلك ؛ لأنَّه لا يطَابِق : وهو أعْلَم بالمُهتَدين " . والثاني : أنَّها على بابها من التَّفْضِيل ، ثم اختلف هؤلاء في محلِّ " مَنْ " : فقال بعض البصْريِّين : هو جَرٌّ بحرف مُقَدَّر حُذِف وبقي عمله ؛ لقوة الدَّلالة عليه بِقَوْله : { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } وهذا ليس بِشَيء ؛ لأنه لا يُحْذَف الجَارُّ ويبقى أثَرُه إلا في مواضع تقدَّم التَّنْبِيه عليها ، ما ورد بخلافها ، فضرورةٌ ؛ كقوله : [ الطويل ] @ 2299 - … أشَارَتْ كُلَيْبٍ بالأكُفِّ الأصَابِعُ @@ وقوله : [ الكامل ] @ 2300 - … حَتَّى تَبَذَّخَ فارْتَقَى الأعلامِ @@ الثاني : أنَّها في محلِّ نَصْب على إسْقاط الخَافِض ؛ كقوله : [ الوافر ] @ 2301 - تَمُرُّونَ الدِّيَارَ ولَمْ تَعوجُوا … @@ قاله أبُو الفَتْح . وهو مَردُودٌ من وجهين : الأول : أن ذلك لا يطَّرِد . الثاني : أن أفْعَل التَّفْضِيل لا تَنْصِبُ بِنَفْسِها ؛ لضَعْفها . الثالث : وهو قَوْل الكُوفيين - أنّه نصب بنفس أفْعَل ، فإنها عندهم تَعْمل عمل الفِعْل . الرابع : أنها مَنْصُوبة بِفعل مُقَدَّر يدل عليه أفْعَل ، قاله الفَارسيُّ ؛ وعليه خَرَّج قول الشاعر : [ الطويل ] @ 2302 - أكَرَّ وأحْمَى لِلْحَقيقةِ مِنْهُمُ وأضْرَبَ مِنَّا بالسُّيُوفِ القَوَانِسَا @@ فـ " القوانِس " نُصِب بإضمار فعلٍ ، أي : يَضْرِبُ القَوانِسَ ؛ لأن أفْعَل ضَعِيفة كما تقرَّر . الخامس : أنَّها مَرْفُوعة المحلِّ بالابْتِداء ، و " يَضِل " : خَبَره ، والجُمْلَة مُعَلِّقة لأفْعَل التَّفْضِيل ؛ فهي في محلِّ نَصْب بها ؛ كأنه قيل : أعلم أيُّ النَّاسِ يَضِل كقوله : { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ } [ الكهف : 12 ] ، وهذا رأي الكسائيِّ ، والزَّجَّاج ، والمُبَرِّد ، ومَكِّي ، إلا أن أبا حيَّان ردَّ هذا ؛ بان التَّعْلِيق فرع ثُبُوت العمل في المَفْعُول به ، وأفْعَل لا يَعْمل فيه ، فلا يُعَلَّق . والرَّاجِح من هذه الأقْوَال : نَصْبُها بمضمر ، وهو قول الفَارسيِّ ، وقواعد البصريين مُوافِقَةٌ لَه ، ولا يَجُوز ان تكون " مَنْ " في محلِّ جرِّ بإضافة أفْعل إليْها ؛ لئلاً يلزم مَحْذُور عَظِيم ، وذلك أنَّ أفعل التَّفْضِيل لا تُضَاف إلاَّ إلى جنْسِها ، فإذا قُلْتَ : " زَيْد أعْلَم الضَّالِّين " لَزِم أن يكون " زَيْد " بَعْض الضَّالِّين ، أي : مُتَّصِفٌ بالضَّلال ، فهذا الوَجْه مُسْتَحيل في الآية الكريمة ، وهذا عند من قرأ " يَضِلُّ " بفتح حَرْف المُضارعة ، أمَّا من قرأ بضمِّه : " يُضِلّ " - وهو الحسن ، وأحمد بن أبي سُرَيْج - ، فقال أبُو البقاءِ : " يجُوز أن تكون " مَنْ " في موضع جرٍّ بإضافة " أفعل " إليها " . قال : " إمَّا على مَعْنَى : هو أعْلَم المُضِلِّين ، أي : من يجد الضَّلال وهو من أضْلَلْتُه ، أي : وَجَدْته ضالاً ؛ مثل أحْمَدْتُه ، أي : وَجَدْته مَحْمُوداً ، أو بِمَعْنى : أنه يَضِلُّ عن الهدى " . قال شهاب الدِّين : ولا حَاجَة إلى ارْتِكَاب مِثْل هذا في مِثْل الأمَاكن الحَرِجة ، وكان قد عبَّر قَبْل ذلك بِعِبَارات اسْتَعْظَمتُ النُّطْق بها ، فَضَربْت عَنْها إلى أمْثِلةٍ من قوْلي ، والَّذِي تُحْملُ عليه هذه القراءة ، ما تقدَّم من المُخْتَار ؛ وهو النَّصْب بِمُضْمَر ، وفاعل " يُضِلّ " على هذه القراءة : ضمير يَعُود على اللَّه - تعالى - على مَعْنَى : يَجِدُه ضالاً ، أو يَخْلُق فيه الضَّلال " لا يسأل عمَّا يَفْعَل " ويجُوز أن يكُون ضمير { مَنْ } أيْ : أعْلَم مَنْ يضِلُّ النَّاس ، والمَفْعُول مَحْذُوف ، وأمَّا على القراءة الشَّهيرة ، فالفَاعِل ضمير " مَنْ " فقط ، و " مَنْ " يجُوز أن تكُن موصُولة ، وهو الظَّاهر ، وأن تكون نَكِرة مَوْصُوفة ، ذكره أبُو البقاء . فإن قيل هو { أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } يوجب وقوع التَّفَاوُت في عِلْم اللَّه ، وهو مُحَال ؟ فالجواب : أن حُصُول التَّفَاوُت في علم اللَّه مُحَال ، إلاَّ أن المَقْصُود من هذا اللَّفْظِ : العِنَاية بإظْهَار هداية المُهْتَدِين فوق الهداية بإظهار ضلال الضَّالِّين ، ونظيرُه قوله - تعالى - : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] فذكر الإحْسَان مَرَّتَيْن ، والإساءة مرَّة واحدة ، ومَعْنَى : قوله - تعالى - : { أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي : يُجَازي كُلاًّ بما يستحقُّونَ .