Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 11-11)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } كما صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية الأولى ، حَذَّرَ القوم في هذه الآية ، وقال لرسوله : قل لهم : لا تغتروا بما وَصَلْتُمْ إليه من الدنيا ولذَّاتها ، بل سيروا في الأرض لتعرفُوا صحة ما أخبركم الرسولُ عنه من نزول العذاب بمن كذب الرسل من الأمم السَّالفة قبلكم . يحذر كفار " مكّة " ، ويحتمل هذا السير أنْ يكون بالعقول والفِكَرِ ، ويحتمل السَّيْرَ في الأرضِ . قوله : " ثُمَّ انْظُرُوا " : عطف على " سِيرُوا " ولم يجئ في القرآن العطف في مثل هذا الموضوع إلاَّ بالفاء ، وهنا جاء بـ " ثم " فيحتاج إلى فَرْقٍ . فذكر الزمخشري الفرق وهو : أنْ جَعَل النَّظَرَ مُسَبَّباً عن السَّيْرِ في قوله : " فانْظُرُوا " كأنه قيل : سِيُروا لأجْلِ النظرِ ، ولا تسيروا سَيْرَ الغافلين . وهنا معناه إبَاحَةُ السَيَّرِ في الأرض للتجارة وغيرها من المَنَافِع ، وإيجاب النظر في آثار الهالكين ، ونبَّه على ذلك بـ " ثمَّ " لِتَبَاعُدِ ما بين الواجب والمباح . قال أبو حيَّان - رضي الله عنه - : وما ذكر أوَّلاً مُتَنَاقض ؛ لأنه جعل النظر مُتَسَبِّباً عن السَّيْرِ ، فكان السَّيْرُ سبباً للنَّظَرِ ، ثم قال : فكأنه قيل : سيروا لأجْلِ النَّظَرِ ، فجعل السَّيْرَ مَعْلُولاً بالنَّظَرِ ، والنَّظَرِ ، سَبَبٌ له فَتَنَاقَضَا ، ودعوى أن " الفاء " سببيةٌ دعوى لا دَلِيلَ عليها وإنَّما مَعْنَاها التَّعْقِيبُ فقط ، وأمَّا " زَنَى ماعِز فَرُجم " فَفَهْمُ السببية من قَرِينَةٍ غيرها . قال : " وعلى تقدير [ تَسْلِيم ] إفادتها السَّبَبَ ، فَلِمَ كان السيرُ هنا سَيْرَ إباحةٍ ، وفي غيره سَيْرَ إيجاب ؟ " . وهذا اعتراض صحيح إلاَّ قوله : " إنَّ " الفاء " لا تفيد السَّبَبِيَّةَ " فإنه غيرُ مُرْضٍ ، [ ودليله في غير هذا الموضع ] ومثلُ هذا المكان في كون الزَّمَخْشَرِيّ جعل شيئاً عِلَّةً ، ثم جعله مَعْلولاً ، كما سيأتي إن شاء الله - تعالى - في أوَّلِ " الفتح " ويأتي هناك جوابه . قوله : " كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ " كَيْفَ " خبرٌ مقدَّمٌ ، و " عاقبة " اسمها ، ولم يُؤنَّثْ فعلْها ؛ لأنَّ تأنيثها غير حقيقي ؛ ولأنها بتأويل المآلِ والمُنْتَهَى ، فإنَّ العاقبة مَصْدَرٌ على وزن " فاعلة " وهو محفوظ في ألْفَاظ تقدَّمَ ذِكْرُها وهي منتهى الشيء وما يَصيرُ إليه . والعاقبةُ إذا أطْلِقَتْ اختصت بالثواب قال تعالى : { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعراف : 128 ] وبالإضافة قد تستعمل في العُقُوبةِ كقوله تبارك وتعالى : { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤءَى } [ الروم : 10 ] ، { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا } [ الحشر : 17 ] فَصَحَّ أن تكون اسْتِعَارةً من ضدِّهِ كقوله تعالى : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] . و " كَيْفَ " مُعَلِّقة للنظر ، فهي في مَحَلِّ نصبٍ على إسْقَاط الخافض لأنَّ معناه هنا التَّفَكُّرُ والتدبُّرُ . والله أعلم .