Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 10-10)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة ، وعاصمٌ ، وأبو عمرو بكسر الدَّال على أصل الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ، والباقون بالضم على الإتباع ، ولم يبالِ بالساكن ؛ لأنه حَاجِزٌ غير حصين وقد تَقَرَّرَتْ هذه القاعدة بدلائلها في سورة " البقرة " عند قوله تعالى : { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } [ الآية : 173 ] و " برسلٍ " متعلّق بـ " استهزئ " و " مِنْ قبلك " صفة لـ " رسل " ، وتأويلهُ ما تقدَّم في وقوع " من قبل " صلة . والمرادُ من الآية : التَّسْلية لِقَلْبِ الرسول صلى الله عليه وسلم أي : أن هذه الأنواع الكثيرة التي يعاملونك بها كانت موجودة في سائر القرون . قوله : " فحاق بالذين سخِروا " ، فاعل " حاق " : " ما كانوا " ، و " ما " يجوز أن تكون موصُولةً اسميةً ، والعائد " الهاء " في " به " و " به " يتعلَّق بـ " يستهزئون " ، و " يستهزئون " خبر لـ " كان " ، و " منهم " متعلّق بـ " سخروا " على أنَّ الضمير يعود على الرُّسل ، قال تبارك وتعالى : { إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } [ هود : 38 ] . ويجوز أن يتعدَّى بالباء نحو : سَخِرْت به ، ويجوز أن يتعلّق " منهم " بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من فاعل " سَخِروا " والضمير في " منهم " يعود على الساخرين . وقال أبو البقاء : " على المستهزئين " . وقال : الحوفي : " على أمَمِ الرسل " . وقد رَدَّ أبو حيَّان على الحوفي بأنه يَلْزَمُ إعادته على غير مذكور . وجوابُهُ في قوة المذكور ، وردَّ على أبي البقاء بأنه يصير المعنى : فحاق بالذين سَخِرُوا كائنين من المستهزئين ، فلا حَاجَة إلى هذه الحال ؛ لأنها مفهومةٌ من قوله : " سخروا " وجوَّزوا أن تكون " ما " مصدريَّةً ، ذكره أبو حيَّانَ ولم يتعرض للضمير في " به " . والذي يظهر أنه يعود على الرسول الذي يَتَضَمَّنُهُ الجَمْعُ ، فكأنه قيل : فَحَاقَ بهم عَاقِبَةُ استهزائهم بالرسول المُنْدَرجِ في جملة الرُّسُلِ ، وأمَّا على رأى الأخْفَشِ ، وابن السراج فتعود على " ما " المصدريّة ؛ لأنها اسم عندهما . و " حاق " ألفه مُنْقَلِبَةٌ عن " ياء " بدليل " يَحِيق " ، كـ " باع " " يبيع " ، والمصدر حَيْق وحُيُوق وحَيَقان كالغَلَيان والنَّزَوان . وزعم بعضهم أنه من " الحَوْق " ، والمستدير بالشيء ، وبعضهم أنه من " الحقّ " ، فأبدلت إحدى القافين ياءً كَتَظَنَّنتُ ، وهذان لَيْسَا بشيء . أمَّا الأول فلاختلاف المَادَّةِ ، إلاَّ أن يريدوا الاشتقاق الأكبر . وأما الثاني : فلأنها دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ من غير دليلٍ ، ومعنى " حاق " أحاط . وقيل : عاد عليه وبَالُ مَكْرهِ ، قاله الفراء . وقيل : دَارَ . وقال الربيع بن أنس : نَزَلَ . وقال عطاء : حَلَّ ، والمعنى يدور على الإحاطة والشمول ، ولا تستعمل إلا في الشر . قال الشاعر : [ الطويل ] @ 2115 - فأوْطَأ جُرْدَ الخَيْلِ عُقْرَ دِيَارِهِمْ وَحَاقَ بِهِمْ مِنْ بأسِ ضَبَّةَ حَائِقُ @@ وقال الراغب : " قيل : وأصله : حَقَّ ، فقلب نحو " زَلَّ وزَالَ " وقد قرئ " فأزلهما وأزالَهُمَا " وعلى هذا ذَمَّهُ وذَامه " . وقال الأزهري : " جعل أبو إسحاق " حاق " بمعنى " أحاط " ، وكأنَّ مَأخَذَهُ من " الحَوْق " وهو ما اسْتَدَارَ بالكَمَرَة " . قال : " وجائز أن يكون الحَوْق فِعْلاً من " حاق يحيق " ، كأنه في الأصل : حُيْق ، فقلبت الياء واواً لانْضِمَامِ ما قلبها " . وهل يحتاج إلى تقدير مضاف قبل " ما كانوا " ؟ نقل الوَاحِدِيُّ عن أكثر المفسرين ذلك ، أي : عقوبة ما كانوا ، أو جَزَاء ما كانوا ، ثم قال : " وهذا إذا جعلت " ما " عبارة عن القرآن والشريعة وما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم ، وإن جعلْتَ " ما " عبارة عن العذاب الذي كان صلى الله عليه وسلم يُوعدهم به إن لم يؤمنوا استَغْنَيْتَ عن تقدير المضاف ، والمعنى : فَحَاقَ بهم العذابُ الذي يستهزئون به ، وينكرونه " . والسُّخْرِيَةُ : الاسْتِهْزَاءُ والتهَكُّمُ ؛ يقال : سِخِرَ منه وبه ، ولا يُقَالُ إلاَّ اسْتِهْزَاءً به فلا يَتَعَدَّى بـ " مِنْ " . وقال الراغب : " سَخَرْتُهُ إذا سَخَّرْتَهُ للهُزْءِ منه ، يقال : رجل سُخَرَة بفتح الخاء إذا كان يَسْخَرُ من غيره ، وسُخْرَة بِسُكُونها إذا كان يُسْخَر منه ومثله : " ضُحَكة وضُحْكَة " ، ولا ينقاس " . وقوله : { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } [ المؤمنون : 110 ] يحتمل أن يكون من التسخير ، وأن يكون من السُّخْرية . وقد قرئ سُخْرياً وسِخْرياً بضم السين وكسرها . وسيأتي له مزيدُ بيان في موضعه إن شاء اللَّهُ تعالى .