Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 123-123)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قيل " كذلك " نَسَقٌ على " كَذَلِكَ " قبلها ففيها ما فيها . وقدَّرَهُ الزَّمْخَشَرِيُّ بأنّ معناه : " وكما جعلنا في مكَّةَ المشرفةِ صَنَاديدَهَا لِيَمْكُرُوا فيها , كذلك جعلْنَا في كل قريةٍ أكابرَ مجْرِميها " واللامُ في " لِيَمْكُرُوا " يجوزُ أن تكون للعاقبة ؛ وأنْ تكونَ للعلَّة مَجَازاً ، و " جَعَلَ " تَصْييريَّة ، فتتعدَّى لاثنَيْنِ ، واختُلِف في تقديرهما : والصحيحُ أنْ تكُونَ { فِي كُلِّ قَرْيةٍ } مَفْعُولاً ثايناً قُدِّم على الأوَّل ، والأولُ " أكابِر " مُضَافاً لمجرميها . الثاني : أنَّ { فِي كُلَّ قَرْيَةٍ } مفعولٌ - أيضاً - مقدَّمٌ ، و " أكَابِر " هو الأول ، و " مُجْرِمِيهَا " بدلٌ من " أكَابِر " ؛ ذكر ذلك أبُو البقاء . الثالث : أن يكُون " أكَابِر " مفعولاً ثانياً قُدِّم ، و " مُجْرِميها " مَفْعُولٌ أول أخِّر ، والتقديرُ : جَعَلْنا في كُلِّ قريةٍ مجرميها أكَابِرَ ، فيتعلق الجارُّ بنفسِ الفِعْلِ قبله ؛ ذكر ذلك ابنُ عَطِيَّة . قال أبُو حيَّان : " وما أجَازَاهُ - يعني : أبَا البَقَاءِ ، وابنُ عَطيَّةَ - خطأٌ وذهولٌ عن قاعدةٍ نَحْويَّةٍ ، وهي أنَّ أفْعَلَ التفضيلِ إذا كانت بـ " مِنْ " مَلْفُوظاً بها ، أو مقدرةً ، أو مُضَافة إلى نِكَرَة كانت مُفردةً على كُل حالٍ ، سواءٌ كانت لمذكر ، أم مؤنث ، مُفْرَدٍ أم مُثَنى أمْ مَجْمُوعٍ ، وإذا ثُنِّيَتْ أو جُمِعَتْ أو أنِّثَتْ وطابَقَتْ ما هي له ، لَزِمَها أحَدُ أمْرَيْنِ : إمَّا الألف واللام ، وإمَّا الإضافة لمعرفة . وإذا تقرَّرَ ذلك ، فالقولُ بكوْنِ " مُجْرِميهَا " بدلاً ، أو بكونه مفعولاً أول ، و " أكابر " مَفعولٌ ثانٍ - خَطَأٌ ؛ لاسْتلْزام أنْ يبقى " أكَابِرَ " مَجْمُوعاً وليست في ألِفٌ ولامٌ ، ولا هِيَ مُضَافة لمعرفةٍ " . قال : " وقد تنبِّه الكرمَانِيُّ إلى هذه القاعدة فقال : أضَاف " أكَابِر " إلى " مُجْرِميها " لأن أفْعَلَ لا يُجْمَعُ إلاَّ مع الألفِ واللامِ ، أو مع الإضافة " . قال أبُو حيَّان : " وكان يَنْبَغِي أنْ يُقَيَّد بالإضافة إلى معرفةٍ " . قال شهابُ الدِّين : أما هذه القاعدةُ فمسلمة ، ولكن قد ذكر مكِّي مِثْلَ ما ذُكِر عن ابْن عَطيَّة سواء ، وما أظُنّه أخذ إلاَّ منه ، وكذلك الواحديُّ أيضاً ، ومنع أنْ تُجوَّز إضافةُ " أكَابر " إلى مجرميها " ؛ قال رحمه الله : " والآيةُ على التَّقْديمِ ، والتأخير تقديرُه : " جَعَلْنَاه مُجْرِميها أكَابر " ولا يجوز أن تكون الأكَابِر مضافةً ؛ لأنه لا يتمُّ المعنى ، ويحتاجُ إلى إضْمار المفعول الثاني للجعل ؛ لأنك إذا قلت : " جعلتُ زَيْداً " وسكتَّ لم يُفِد الكلامُ حتى تقول : رَئِيساً أو دَلِيلاً ، أو ما أشبه ذلك ، ولأنَّك إذا أضَفْتَ الأكَابِر ، فقد أضَفْتَ النعتَ إلى المنعوت ؛ وذلك لا يجوزُ عند البَصْريِّين " . قال شهابُ الدِّين : هذان الوجْهَانِ اللذان ردَّ بهما الواحديُّ لَيْسَا بِشَيْءٍ . أمَّا الأولُ فلا نسلم أنا نُضْمِرُ المفعول الثاني ، وأنه يَصِيرُ الكلامُ غيرَ مُفِيد ، وأمَّا ما أوْرَده من الأمْثِلَةِ ، فليس مُطَابِقاً ؛ لأنَّا نقولُ : إنَّ المفعول الثَّانِي - هنا - مذكورٌ مصرّحٌ به ، وهو الجارُّ والمجرورُ السابقُ . وأما الثاني : فلا نُسَلِّم أنه مِنْ بابِ إضافة الصِّفة لموصُوفِها ؛ لأن المجْرِمينَ أكابرُ وأصَاغِرُ , فأضاف للبيانِ لا لِقَصْدِ الوَصْفِ . الرابع : أنَّ المفعول الثَّانِي محذوفٌ ، قالوا : وتقديرُه : " جعلنا في كُلِّ قرية أكَابر مُجْرميها فُسَّاقاً لِيَمْكُرُوا " وهذا لَيْس بِشَيءٍ ؛ لأنه لا يحذفُ شيء إلاَّ لدليلٍ ، والدليلُ على ما ذكروه غيرُ واضحٍ . وقال ابنُ عطيَّة : " ويقالُ أكابرة كما يقالُ أحْمر وأحَامِرةَ " ؛ قال الشاعر : [ الكامل ] @ 2303 - إنَّ الأحَامِرَة الثَّلاثةَ أتْلَفَتْ مَالِي وَكُنْتُ بِهِنَّ قِدْماً مُوْلَعَا @@ قال ابو حيان : " ولا أعْلَمُ أحَداً أجاز في جَمْع أفْضَل أفَاضِلَة ، بل نَصَّ النحويون على أن : أفْعَل التَّفْضِيل يجمعُ للمذكَّرِ على الأفضَلِين ، أو على الأفاضل " . قال شهابُ الدين : وهذه التاءُ يذكرها النحويونُ أنها تكون دَالَّةً على النسب في مِثْلِ هذه البنية ، قالوا : الأزَارَقَة ، والأشاعِثَة ، وفي الأزْرَقِ ورهطه ، والأشْعَث وبنيه ، وليس بقياسٍ ، ولَيْس هذا مِنْ ذلك في شَيْءٍ . والجمهورُ على " أكَابِرَ " جَمْعاً . وقرأ ابنُ مُسْلِم : " أكبر مجرميها " بالإفْرَادِ ، وهو جائِزٌ ، وذلك أنَّ أفعل التفضيل إذا أضيفت لمعرفة وأُريد بها غيرُ الإفْرَادِ ، والتذكير ؛ جاز أنْ يُطابِق ، كالقراءةِ المشهُورةِ هنا ، وفي الحديث : " أحَاسنكم أخلاقاً " وجاز أن يُفْرَدَ ، وقد أُجْمِعَ على ذلك في قوله : { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 96 ] . فصل قال الزجاجُ : إنما جعل المجرمينَ أكَابر لأنهم لأجْل رياستهم أقْدَر على المكْرِ [ والغدْرِ ] ، وترويج الأبَاطيل على الناسِ مِنْ غيرهم ، ولأن كثرة المالِ ، والجاهِ تحمل الناسَ على المبالغةِ في حِفْظها , وذلك الحفظُ لا يتمُّ إلاَّ بجميع الأخلاقِ الذَّميمَةِ : من الغَدْرِ ، والمكْرِ ، والكَذِب ، والغَيْبةِ ، والنمِيمَةِ ، والأيْمانِ الكَاذِبَة ، ولو لم يكُنْ للمالِ والجَاهِ سِوَى أنَّ اللَّه - تبارك وتعالى - وصف بهذه الصفاتِ الذَّميمةِ مَنْ كان له مالٌ وجاه لكفى ذلك دَلِيلاً على خَسَاسَةِ المال والجاه . قوله : { وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } . والمرادُ ما ذكره الله تعالى في قوله : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] . واعلَمْ أنَّ سُنّة الله [ - تبارك و ] تعالى - أنه يجعلُ في كُلِّ قريةٍ اتباعَ الرسل ضعافهم لقوله في قصة نُوح - عليه الصلاة والسلام - : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [ الشعراء : 111 ] وجعل فساقهم أكابرهم ليمْكُروا فيها ، وذلك أنهم أجْلَسُوا في كُلِّ طَريقٍ من طُرُقِ مكَّةَ [ المشرفَة ] أرْبَعَةً نَفَرٍ لِيصْرِفُوا النَّاسَ عن الإيمانِ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم يقولُونَ لكل مَنْ يقدَمُ : إياكم وهذا الرجُلَ ، فإنه كَاهِنٌ ، ساحِرٌ ، كذََّابٌ . وقولُه : { وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ } [ لأنَّ وبال مَكْرِهمْ عليهم وهم ما يشعرون أنه كذلك . قال المعتزلة : { وما يَمْكُرونَ إلاَّ بِأنْفُسِهمْ } ] مذكورٌ في مَعْرض التهديد ، والزَّجْرِ ، فلو كان ما قبل هذه الآيةِ الكريمةِ ، يدلُّ على أنه تعالى أرادَ مِنْهم أنْ يمكرُوا بالناسِِ - فكَيْفَ يلِيقُ بالرَّحيم الحَكِيم أنْ يُريد منهم المَكْرَ ، ويخلقه فيهم ، ثُمَّ يُهَدِّدُهُمْ عليه ، ويعاقِبُهُمْ أشَدَّ العِقابِ ، ومعارضتُهم تقدَّمَتْ مِرَاراً .