Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 127-127)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - تعالى - { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ } يحتمل أن تكُون هذه الجُمْلَة مُسْتَأنفة ، فلا مَحَلَّ لها ؛ كأن سَائِلاً سَأل عمّا أعدَّ اللَّه لهم , فَقِيل له ذلِك ، ويُحْتَمَل أن يَكُون حالاً من فَاعِل " يذَّكَّرُون " ، ويُحْتَمل أن يَكُون وَصْفاً لِقَوْم ، وعلى هَذَيْن الوَجْهَيْن فَيَجُوز أن تكُون الحَالُ أو الوصْفُ الجَارُّ والمجْرُور فَقَط ، ويَرْتَفِعُ " دَار السَّلام " بالفَاعِليَّة ، وهذا عِنْدَهُم أوْلى ؛ لأنه أقْرَبُ إلى المُفْرَد من الجُمْلَة ، والأصْل في الوَصْفِ والحَالِ والخَبَر الإفْرَاد ، فما قَرُبَ إليه فهو أوْلَى . و " عِنْد ربِّهِمْ " حال من " دارُ " ويجُوز أن يَنْتَصِب " عِنْدَ " بنَفْس " السَّلام " ؛ لأنه مَصْدَرٌ ، أي : يُسَلَّم عليهم عِنْدَ ربِّهِم ، أي : في جَنَّتهِ ، ويجُوز أن يَنْتَصِب بالاسْتِقْرَار في " لَهُمْ " . وقوله : " وهُوَ وَلِيُّهم " يحتمل أيضاً الاسْتِئْنَاف ، وأن يكون حالاً ، أي : لهُمْ دارُ السلام ، والحال أن اللَّه وَلِيُّهم ونَاصِرُهم . " وبما كانوا " الباء سَبَبِيَّة ، و " مَا " بمعْنَى الِّذِي ، أو نَكِرة أو مَصدريَّة . فصل في معنى السلام قيل : السَّلام اسم من أسْمَاء الله - تعالى - والمعنى : دار الله كما قِيلَ : الكَعْبَة بَيْتُ اللَّهِ ، والخَلِيفَةُ عبدُ اللَّهِ . وقيل : السَّلام صفة الدَّار بمعْنَى : دَارِ السَّلامةِ ، والعرب تُلْحِقُ هذه الهَاءَ في كثير من المَصَادِر وتحذفُها ، يقولون : ضَلالَ وضَلاَلة ، وسَفَاه وسَفَاهَة ، ورَضَاع ورَضَاعة ، ولَذاذ ولَذَاذَة . وقيل : السَّلام جمع السَّلامةِ ، وإنَّما سُمّيت الجَنَّة بهذا الاسْمِ ؛ لأن أنواع السَّلامة بأسْرِها حَاصِلَة فِيهَا , وفي المُرَاد بهذه العِنْدِيَّة وجوه : أحدها : أنَّها مُعَدَّة عنده كما تَكُون الحُقُوقُ مُعَدَّة مهيأة حَاضِرَة ؛ كقوله : { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } [ البينة : 8 ] . ثانيها : ان هذه العِنْديَّة تُشْعِر بأن هذا الأمْر المؤخَّر موصُوف بالقُربِ من اللَّهِ - تبارك وتعالى - وهذا لَيْس قُرْبٌ بالمكانِ والجهة ، فوجب كَوْنُه بالشَّرَفِ والرُّتْبَة ، وذلك يَدُلُّ على أن ذَلِك الشَّيْء بَلَغ في الكمالِ والرِّفْعَة إلى حَيْثُ لا يُعْرَفُ كنْهُهُ ، إلاَّ أنه كقوله : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة : 17 ] . وثالثها : هي كقوله في صِفة الملائكة : { وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [ الأنبياء : 19 ] ، وقوله : " أنَا عِنْد المنْكَسِرَة قُلُوبُهُم " ، و " أنا عِنْد ظَنِّ عَبْدِي بِي " ، وقال - تعالى - : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } [ القمر : 55 ] وقال : { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } [ البينة : 8 ] وكل ذلك يَدُلُّ على أنَّ حُصُول كمال صِفَة العِنْديَّة بواسِطَة صِفَة العُبُوديَّة . وقوله : { وهُوَ وَلِيُّهُم } يدل على قُرْبِهم من اللَّه ؛ لأن الوليَّ معناه القَريبُ ، لا وَلِيّ لهم إلاَّ هُو ، ثم قال : { بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ؛ وإنما ذكر ذلِك لِئَلاً يَنْقَطِع العَبْدُ عن العَمَلِ .