Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 139-139)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا نوع رَابعٌ من قضَايَاهُم الفَاسِدَة . قال ابن عبَّاس ، وقتادة والشعبي : أراد أجنَّة البَحَائِر والسَّوَائِب ، فما وُلِد منها حَيًّا ، فهو خَالِصٌ للرِّجَال دون النِّسَاء ، وما وُلِد منها مَيِّتاً ، أكله الرِّجَال والنِّسَاء جميعاً . والجمهور على " خَالِصَة " بالتَّأنيث مَرْفُوعاً على أنه خَبَرَ " مَا " الموصُولة ، والتَّأنيث : إمَّا حَمْلاً على المَعْنَى ؛ لأن الذي في بُطُونِ الأنْعَام أنْعَامٌ ، ثم حمل على لَفْظِها في قوله : " ومُحَرَّمٌ " وإمَّا لأنَّ التَّأنِيث للمُبالغة كهو في " عَلاَّمَة " و " نسَّابَة و " رَاوِيَة " و " الخاصَّة " و " العامَّة " وإما لأنَّ " خَالِصَة " مصْدَر على وَزْنَ " فَاعِلة " كالعَاقِبة والعَافِية ؛ وقال - تبارك وتعالى - : { بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } [ ص : 46 ] وهذا القَوْل قول الفرَّاء والأوَّل لَهُ ولأبِي إسْحاق الزَّجَّاج ، والثاني للكسَائِي ، وإذا قيل : إنها مَصْدرٌ كان ذلِك على حَذْف مُضَافٍ ، أي : ذُو خُلُوصٍ ، أو على المُبَالَغَة ، أو على وقُوعِ المصدر مَوْقِع اسْمِ الفاعِل ؛ كَنَظَائِره كقول الشاعر : @ 2355 - وَكُنْتِ أمنِيَّتِي وَكُنْتِ خَالِصَتِي وَلَيْسَ كلُّ امْرِىءٍ بِمُؤتَمَنِ @@ قال الكسائي : خَالِص وخَالِصَة واحد ، مثل وَعْظ ومَوْعِظَة . وهو مستفيض في لسانهم : فلان خَالِصَتي ، أي : ذُو خُلُوصي . و " لِذُكرونا " مُتعلِّق به ، ويجوز أن يتعلَّق بمحذُوف على أنَّه وَصْف لـ " خَالِصَة " ، وليس بالقَوِيّ . وقرأ عبد الله وابن جُبَيْر ، وأبُو العالية والضَّحَّاك ، وابن أبي عَبْلَة : " خَالِصٌ " مَرْفُوعاً على ما تقدَّم من غير هَاءِ ، و " لِذُكُورِنَا " متعلِّق به ، أو بمَحْذُوف كما تقدَّم ، وقرأ ابن جُبَيْر ، نقله عنه ابن جنِّي : " خَالِصاً " نصباً من غير تَاءِ ، ونصبه على الحَالِ وفي صاحبه وجهان : أظهرهما : أنه الضَّمَير المستتر في الصِّلة . الثاني : أنه الضَّمِير المسْتَتِر في " لِذُكُورِنَا " فإن " لِذُكُورنَا " على هذه القراءة خَبَر المُبْتَدأ ، وهذا إنَّما يَجُوز على مَذْهَب أبِي الحَسَن ؛ لأنه يُجِيزُ تَقْدِيم الحال على عَامِلهِا المَعْنَوِيّ ، نحو : " زيْدٌ مستَقِرٌّ في الدَّارِ " والجمهور يَمْنَعُونَه ، وقد تقدَّم تحقيقُهُ . وقرأ ابن عباس أيْضَاً والأعرج ، وقتادة : " خَالِصَةً " نصباً بالتَّأنيث ، والكلام في نصْبِه وتأنِيثِه كما تقدَّم في نَظِيره ، وخرَّجه الزمخشري على أنه مَصْدَر مُؤكِّد كالعَاقِبَة . وقرأ ابن عبَّاس أيضاً ، وأبُو رَزِين ، وعِكْرمة ، وأبو حَيْوة : " خَالِصة " برَفْع " خالص " مُضَافَاً إلى ضَمِير " مَا " , ورفعُه على أحد وجهين : إما على البدل من الموصُول ، بدل بَعْضَ من كُلِّ ، و " لِذُكُورِنَا " خبر المَوْصُول . وإما على أنَّه مُبْتَدأ ، و " لذكُورِنَا " خبره ، والجُمْلة خبر الموصُول ، وقد عَرَفْتَ ممَّا تقدَّم أنه حَيْثَ قُلْنَا : إن " خَالِصَةً " مصدر أو هي للمُبَالغَة ، فليس في الكلام حَمْل على مَعْنَى ثم على لَفْظ ، وإن قلنا : إن التَّأنيث فيها لأجْل تَأنيثِ ما فِي البُطُونِ ، كان في الكلام الحَمْلُ على المَعْنَى أوَّلاً [ ثم على اللَّفْظ في قوله : " مُحَرَّمٌ " ثانياً ، وليس لِذَلك في القُرْآنَ نَظِير ، أعني : الحَمْل على المَعْنَى أوّلاً ] ثم على اللَّفْظِ ثانياً ، إلاَّ أن مَكِّياً زعم في غَيْر إعْراب القُرْآن الكَرِيم ، له : أنَّ لِهَذِه الآيَةِ نظائِر فذكرها وأما في إعرابه : فلم يَذْكُر أنَّ غيرها في القُرْآن شَارَكها في ذلك ؛ فقال في إعرابه : " وإنَّما أنَّثَ الخَبَر ؛ لأن مَا فِي بُطُون الأنْعَام أنْعَام ؛ فحمل التأنيث على المَعْنَى ، ثم قال : " ومُحَرَّم " فذكَّر حَمْلاً على لَفْظِ " مَا " وهذا نَادِر لا نَظِير له ، وإنَّما يَأتِي في " مَنْ " و " مَا " حَمْل الكلام أوَّلاً على اللَّفْظِ ثم على المَعْنَى بعد ذلك ، فاعرفه فإنه قَلِيلٌ " . وقال في غير " الإعْرَاب " : " هذه الآيةُ في قراءة الجماعة أتَتْ على خلاف نظائِرِهَا في القُرْآنِ ؛ لأن كل ما يُحْمَل على اللفظِ مرة وعلى المَعْنَى مرَّة ، إنما يبتَدِىء أولاً بالحَمْل على اللَّفْظِ ثم يليه الحَمْل على المَعْنَى ، نحو : { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ } [ البقرة : 62 ] [ ثم قال ] : " فَلَهُم أجرُهم " هكذا يأتي في القُرْآن وكلام العرب ، وهذه الآيةُ تقدَّم فيها الحملُ على المَعْنَى ، فقال : " خَالِصَة " ثم حَمَل على اللَّفظِ ، فقال : " وحُرِّمَ " ومثله { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ } [ الإسراء : 38 ] في قراءة نافع ومن تابعه ، فأنَّث على معنى " كُلّ " لأنها اسْم لجَمِيع ما تقدَّم ممَّا نهى عنه من الخَطَايَا ، ثم قال : { عِندَ ربِّك مَكْرُوهاً } [ الإسراء : 38 ] فذكر على لَفْظِ " كُلّ " وكذلك { مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } [ الرخرف : 12 ، 13 ] جَمَعَ الظُّهُور حملاً على مَعْنَى " ما " [ ووحَّد الهاء حَمْلاً على لَفْظ " مَا " ، وحُكي عن العرب : " هذا الجَرَادُ قد ذَهَب فأراحَنَا مِنْ أنْفُسِهِ جمع الأنْفُس ] ووحد الهَاء وذكَّرها " . قال شهاب الدين : أما قوله : " هكذا أتى في القُرْآنِ " فصحيح ، وأمَّا قوله : " وكلام العرب " فليس ذلك بِمُسَلَّم ؛ إذ في كلام العرب البداية بالحَمْل على المَعْنَى ثم على اللَّفْظِ ، وإن كان عَكْسُه هوالكَثِير ، وأمَّا ما جعله نَظِير هذه الآيةِ في الحَمْل على المَعْنَى أوَّلاَ ثم على اللَّفْظ ثانياً ، فليس بمُسَلَّم أيضاً ، وكذلك لا نُسَلِّم أن هذه الآية مما حُمِل فيها على المَعْنَى أولاً ثم على اللفظِ ثانياً . وبيان ذلك : أن لقَائِل أن يَقُول : صِلَة " مَا " جارّ ومجرور وهُو مُتعلِّق بمحْذُوف ، فتقدره مُسْنَداً لضمير مذكر ، أي : ما استقرَّ في بُطُون هذه الأنْعَام ، ويبعد تَقْديرهُ باسْتَقَرَّت ، إذا عرف هذا ، فيكُون قد حُمِل أوَّلاً على اللَّفْظ في الصِّلة المقدَّرة ثم على المَعْنَى ثانياً ، وأما { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ } [ الإسراء : 38 ] فَبَدأ فيه أيضاً بالحَمْل على اللَّفْظِ في قوله : " كَانَ " فإنه ذكر ضَميرَهُ المسْتَتِر في " كَانَ " ، ثم حمل على المعنى في قوله : " سَيِّئهُ " فأنَّث ، وكذلك { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } [ الزخرف : 13 ] فإن قبله " مَا تَرْكَبُون " والتقدير : ما تركَبُونه ، فحمل العِائِد المحذُوف على اللَّفْظ أوَّلاً ثم حُمِل على المَعْنَى ثانياً ، وكذلك في قولهم : " هذا الجَرادُ قَدْ ذَهَب " حَمَل على اللَّفْظ فأفْرَد الضمير في " ذَهَبَ " ثم حمل على المعْنَى ثَانِياً ، فجمع في قوله : " أنْفُسِهِ " وفي هذه المواضع يكون قد حَمَل فيها أوَّلاً على اللَّفْظ ، ثم على المَعْنَى ثم على اللَّفْظ ، وكُنْتُ قد قدَّمْتُ أن في القُرْآن من ذلك أيْضاً ثلاثة مواضع : آية المَائِدة : { وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ } [ المائدة : 60 ] ، ولقمان : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } [ لقمان : 6 ] ، و الطلاق : { مَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ } [ الطلاق : 11 ] . قوله " : " وإن يكن مَيْتَةً " قرأ ابن كَثِير : " يَكُنْ " بياء الغَيبة " مَيْتَةٌ " رفعاً ، وابن عامر : " تكُنْ " بتاء التَّأنيث ، " مَيْتَةٌ " رفعاً ، وعاصم في رواية أبي بكر " تَكُنْ " بتاء التَّأنيث ، " مَيْتَةً " نصباً ، والباقون " تكن " كابن كَثِير " مَيْتَةً " كأبي بكر والتَّذكير والتَّأنيث واضحان ؛ لأن المَيْتَة تأنيث مَجَازِيّ ؛ لأنها تقع على الذَّكَر والأنثى من الحيوان فَمَنْ انَّث فبِاعْتِبَار اللَّفْظِ ، ومن ذَكَّر فباعْتِبار المَعْنَى ، هذا عند من يرفع " مَيْتَةٌ " بـ " تَكُنْ " أمَّا " من يَنْصِبُها ، فإنه يسند الفِعْل حينئذٍ إلى ضَمير فيذكر باعْتِبار لَفْظ " مَا " في قوله : " مَا فِي بُطُون " ويؤنِّث باعتِبَار مَعْنَاها ، ومن نصب " مَيْتَةً " فعلى خبر " كان " النَّاقِصة ، ومن رفع فَيُحْتَمل وجهين : أحدهما : أن تكون التَّامَّة ، وهذا هو الظَّاهِر ، أي : وإن وُجِدَ مَيْتَةٌ أو حَدَثَتْ ، وأن تكون الناقصة وحينئذٍ يكون خَبَرُوها مَحْذُوفاً ، أي : وإن تكُن هُناكَ أو فِي البُطُون مَيْتَة وهذا رأي الأخْفَش ، فيكون تَقْدير قراءة ابن كَثِير : وإن يَحْدُثْ حيوانٌ مَيْتَةٌ ، أو وإن يَكُن في البُطُون مَيْتَةٌ على حَسَب التقديرين تماماً ونقصاناً ، وتقدير قراءة ابن عَامِر كتقدير قراءته ، إلا أنه أنَّث الفِعْل باعْتِبَار لفظ مَرْفُوعه ، وتقدير قِراءة أبِي بكر : وإن تكُن الأنْعَام أو الأجنَّة مَيْتَة ، فأنَّث حَمْلاً على المَعْنَى ، وقراءة البَاقِين كتقدير قراءته ، إلا أنَّهُم ذكروا باعتبار اللَّفْظِ . قال أبو عمرو بن العلاء : ويُقَوِّي هذه القراءة - يعني قراءة التَّذْكِير والنَّصْب - قوله : " فَهْمْ فِيهِ " ولم يَقُل : " فِيها " ورُدَّ هذا على أبي عَمْرو : بأن المَيْتَة لكل مَيِّتٍ ذكراً كان أوْ أنْثَى ، فكأنه قيل : وإن يَكُن مَيِّتَاً فهم فيه ، يعني : فَلَمْ يَصِر له في تَذْكِير الضَّمير في " فِيهِ " حُجَّةٌ . ونقل الزَّمَخْشَرِي قراءة ابن عَامِرِ عن أهْل مكَّة ، فقال : " قرأ أهْل مكَّة " وإن تكنْ مَيْتَةٌ " بالتأنيث والرَّفْع " فإن عنى بأهل مَكَّة ابن كَثير - ولا أظنه عَنَاهُ - فليس كذلِك ، وإن عنى غيره ، فَيَجُوز على أنه يُجَوِزُ أن يكُون ابن كَثِير قرأ بالتَّأنيث أيضاً لكن لم يَشْتَهِر عنه اشْتِهَار التَّذْكِير . وقرأ يزيد " مَيِّتَة " بالتَّشْدِيد , وقرأ عبد الله : " فَهُمْ فيه سَوَاء " قال شهاب الدِّين : وأظنُّها تفسير لا قراءة ، لمخالفتها السَّواد ، وقوله : " وهُمْ فِيهِ " أي : أن الرِّجَال والنساء فيه شُرَكَاء . قوله : { سَيْجزِيهم وَصْفهُم } أي : بوصفهم أو على وَصْفِهِم بالكذبِ على اللَّهِ سبحانه وتعالى : إنه حَكِيم عَلِيم .