Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 138-138)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا نوع ثَالِثٌ من أحْكَامِهم الفَاسِدَةِ ، و هو أنَّهُم قسموا أنْعَامهم اقْسَاماً : فأولها : قولهم : هذه أنْعَام وحرْثٌ حِجْر " لا يَطْعَمُها " . قرأ الجمهور " أنْعَام " بصِيغَة الجَمْعِ وأبان بن عثمان " نَعَمٌ " بالإفْرَاد ، وهو قَرِيبٌ لأن اسْم الجِنْسِ يقُوم مقام الجَمْعِ ، وقرأ الجمهور : " حِجْر " بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم . وقرأ الحسن وقتادة والأعْرَج : بضم الحَاءِ وسُكُون الجيم . ونقل عن الحسن وقتادة أيضاً : فتح الحَاءِ وسكون الجيمِ ، ونقل عن أبان بن عُثْمَان : ضمُّ الحاء الجيم معاً . وقال هَارُون : كان الحسن يَضُمَّ الحاء من " حِجْر " حيث وقع في القُرْآن إلاَّ موضعاً واحداً [ وهو ] : { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } [ الفرقان : 53 ] والحاصل : أن هذه المادَّة تدل على المَنْع والحَصْر ؛ ومنه : فلان في حِجْر القَاضِي أي : في مَنْعِه ، وفي حِجْري ، أي : ما يَمْنَع من الثُّوْب أن ينْفَلِت منه شَيْءٌ ، وقد تقدم تَحْقِيق ذلك في النِّسَاء . فقوله : " وحَرْث حِجْر " أي : مَمْنُوع فـ " فِعْل " بمعنى مَفْعُول ؛ كالذَّبْح والنَّطْح بمعنى مَذْبُوح ومَنْطُوح . فإن قيل : قد تقدَّم شيئان : وهما أنْعَام وحَرْث ، وجيء بالصِّفَة مفردة . فالجواب : أنه في الأصْلِ مصْدّرٌ , والمصدر يُذكَّر ويُوحَّد مطلقاً . قال الزَّمَخْشَري : " ويستوي في الوَصْف به المذكَّر والمؤنَّث والواحد والجمع ؛ لأن حكمه حكم الأسْمَاء غير الصِّفاتِ " يعني بكونه حُكْمُه حكم الأسْمَاء : أنه في الأصْل مصْدَر لا صِفَة ، فالاسم هنا يُرَادُ به المَصْدَر ، وهومُقَابِلُ الصِّفة . وأما بقية القراءات : فقال أبُو البقاء : " إنها لُغَاتٌ في الكَلِمَةِ " وفسر معناها بالممْنُوع . قال شهاب الدين : ويجوز أن يكُون المَضْمُوم الحاء والجيم مَصْدراً ، وقد جاء من المصادر للثُّلاثي ما هُو عل وَزْن " فُعُل " بضمِّ الفاء والعَيْن ، نحو حُلُم ، ويجُوز أن يكون جَمْع " حَجْر " بفتح الحاءِ وسكون الجيم ، و " فُعُل " قد جاء قَلِيلاً جمعاً " لفَعْل " نحو : سَقْف وسُقُف ، ورَهْن ورُهُن ، وأن يكون جَمْعاً لـ " فِعْل " بكسر الفاء ، و " فُعُل " أيضاً قد جَاء جمعاً " لفِعْل " بكسر الفاءِ وسُكُون العين ، حو : حِدْج وحُدُج ، وأما حُجْر بضمِّ الحاء وسُكُون الجيم : فهو مخَفَّفٌ من المضمُومة ، فيجوز أن يكُون مصدراً وأن يكون جَمْعاً لحَجْر أو حِجْر . وقرأ أبَيّ بن كَعْب ، وعبد الله بن العبَّاس ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد اللَّه بن الزُّبَيْر ، وعِكْرِمَة ، وعمرو بن دِينَار ، والأعمش : حِرج بكسْر الحاَء وراء سَاكِنَة مقدَّمة على الجيم ، وفيها تأويلان : أحدهما : أنَّهَا من مادة الحَرَج وهُو التَّضْييق . قال أبو البقاء : وأصلُه " حَرِج " بفتح الحاء وكسر الراء ، ولكنه خُفِّف ونُقِل ؛ مثل فَخْذ في فَخِذ . قال شهاب الدِّين : ولا حَاجَة إلى ادِّعَاء ذلك ، بل هذا جَاءَ بطَريق الأصَالة على وَزْن فِعْل . والثاني : أنه مَقْلُوب من حجر ، قُدِّمَتْ لامُ الكَلِمَة على عَيْنها ، ووزنه " فِلْع " ؛ كقولهم : نَاءَ في نَأى ، ومعيق في عَمِيق ، والقَلْب قليل في لسانِهم ، وقد قدَّمْتُ منه جُمْلَة في المائدة عند قوله - تبارك وتعالى - : { أَشْيَآءَ } [ المائدة : 101 ] . قوله : { لاَّ يَطْعَهُما إِلاَّ مَنْ نَّشَاءُ } هذه الجُمْلَة في محلِّ رفْع نَعْتًا لـ " أنعام " وصفٌوه بوَصْفَيْن : أحدهما : أنه حِجْرٌ . والثاني : أنه لا يَأكُلُه إلا من شَاءُوا , وهم الرِّجال دُون النِّساء ، أو سَدَنه الأصْنَام . قال مُجَاهد - رضي الله عنه - : يعني بالأنْعَام : البَحِيرة والسَّائِبَة والوصِيلَة والحَامِي ، لا يَطْعَمُهَا ولا يأكُلها إلا الرِّجَال دُون النِّساء . وقال غيره : الأنْعام ما جَعَلُوها للَّه ولآلهتهم على ما تقدم [ " ومَنْ نَشَاءُ " فاعل بـ " يَطْعَمُهَا " وهو استِثْنَاء مفرَّغ ، و " بزعمهم " : حالٌ كما تقدَّم ] في نظيره . قوله : { وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا } وهي البَحَائِر والسَّوائِب والحَوَامِي ، وهذا هو القِسْم الثَّانِي وقد تقدَّم في المَائِدةَ ، والقسم الثالث : أنعام لا يَذْكُرُون اسْم اللَّه عليها بالذَّبْح ، وإنما يَذْكُرُون عليها اسْمَاء الأصْنَام . وقيل : لا يَحُجُّون عليها ، ولا يُلَبُّون على ظُهُورهِا ، ولا يَرْكَبُونها لفعل الخَيْرِ ؛ لأنه لما جرت العادة بِذِكْر اسْم اللَّه على فِعْل الخَيْر . قوله : " افْتِرَاءً " فيه أربعة أوجه : أحدها - وهو مذهب سيبويه - : أنه مَفْعُول من أجْلِه ، أي : قالوا ما تقدَّم لأجْل الافْتِرَاء على البَاري - تبارك وتعالى - أي : يزْعُمُون أن الله أمَرهُم به افْتِرَاء عليه . الثاني : مَصْدر على غير الصَّدْر ؛ لأن قَوْلَهُم المحْكِي عنهم افْتِرَاء , فهو نَظير " قَعَد القُرْفُصَاء " وهو قول الزَّجَّاج . الثالث : أنه مصدر عامله من لَفْظِه مُقَدَّر ، أي : افْتَروا ذلك افْتِرَاء . الرابع : أنه مَصْدَر في موضع الحالِ ، أي : قالوا ذلك حَال افْتِرَائهم ، وهي تُشْبِه الحال المؤكِّدة ؛ لأن هذا القَوْل المَخْصُوص لا يَكُون قَائِلُه إلا مُفْتَرِياً . وقوله : " عَلَى اللَّه " يجوز تعلُّقه بـ " افْتِرَاءً " على القول الأوَّل والرَّابع ، وعلى الثاني والثَّالث بـ " قالوا " لا بـ " افْتِرَاءً " ؛ لأن المصدر المؤكد لا يَعْمَل ، ويجُوز ان يتعلَّق بمحذُوف صِفَة لـ " افْتِراءً " وهذا جَائِزٌ على كل الأقوالِ . قوله : { سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } والمقصود منه الوعيد ، و " الباء " في قوله : " بِمَا " سببيّة ، و " مَا " مَصْدَريَّة ، أو موصُوفة ، أو بمَعْنَى الَّذِي .