Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 143-144)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج } في نصبه ستة أوجه : أحسنها : أن يكُون بدلاً من " حمولة وفَرْشاً " لولا ما نَقَله الزَّجَّاج من الإجماع المُتقدِّم ، ولكن ليس فيه أنَّ ذلك مَحْصُور في الإبل ، والقَوْل بالبدلِ هو قَوْل الزَّجَّاج والفرَّاء . والثاني : أنه مَنْصُوب بـ " كُلُوا " الذي قَبْلَه أي : كُلُوا ثمانية أزْوَاج ، ويكون قوله - تعالى - : { وَلاَ تَتَّبِعُوا } إلى آخره كالمُعَتَرِض بين الفِعْل ومَنْصُوبه ، وهو قول عَلِيّ بن سُلَيْمَان وقدَّرَه : كُلُوا لَحْم ثَمَانِية . وقال أبو البَقَاء - رحمه الله - : هو مَنْصُوب بـ " كُلُوا " تقديره : كلوا مِمَّا رزقَكُم اللَّه ثمانية أزْوَاج ، " ولا تسرفوا " مُعْتَرِض بَيْنَهُما . قال شهاب الدَّين : صوابه أن يقول : " ولا تَتَّبعُوا " بدل " ولا تُسْرفُوا " ؛ لأن " كُلُوا " - الذي يَلِيه " ولا تُسْرِفوا " - ليس مُنْصَبًّا على هذا ؛ لأنه بعيد منه ، ولأن بَعْده ما هو أوْلَى منه بالعمل ، ويحتمل أن يَكُون الناسخ غَلَط عَلَيْه ، وإنما قال هو : " ولا تَتَّبِعُوا " ؛ ويدل على ذلك أنه قال : " تقديره : كُلُوا ممَّا رَزَقكُم اللَّه " و " كُلُوا " الأوَّل ليس بَعْدَه " ممَّا رَزقكُم " ، إنما هو بَعْد الثَّاني . الثالث : أنه عَطْف على " جَنَّاتٍ " أي : أنْشَأ جنات وأنْشَأ ثَمَانِية أزْوَاج ، ثم حُذِفَ الفِعْل وحَرْف العَطْفِ ؛ وهو مذهب الكسَائِيّ . قال أبو البقاء : " وهو ضعيف " . قال شهاب الدين : الأمْر كذلك وقد سُمِع ذلك في كلامهم نَثْراً ونَظْماً : ففي النثر قوله : " أكلتُ لَحْماً سمَكاً تَمْراً " وفي نَظْمِهِم قول الشاعر : [ الخفيف ] @ 2362 - كَيْفَ أصْبحْتَ كَيْف أمْسَيْتَ مِمَّا يَزْرَعُ الوُدَّ في فُؤادِ الكَرِيمِ @@ أي : أكلت لَحْماً وسمكاً وتمراً ، وكيف أصْبَحْت وكيف أمْسَيْت ، وهذا على أحَدِ القولين في ذلك . والقول الثاني : أنه بدل بداء ؛ ومنه الحديث : " إنَّ الرَّجُلَ لَيصَلِّي الصَّلاة ، وما كُتِبَ له نِصْفُهَا ثلثُهَا رُبْعُها " إلى أنْ وَصَلَ إلى العُشْرِ . الرابع : أنه مَنْصُوبٌ بفعل مَحْذُوفٍ مدلول عليه بما في اللَّفْظِ ، تقديره : كُلُوا ثمانية أزْوَاج ؛ وهذا أضْعَفُ مما قبله . الخامس : أنه مَنْصُوب على الحالِ ، تقديره : مُخْتَلفة أو متعدِّدَة ، وصاحب الحال : " الأنْعَام " فالعَامِل في الحال ما تعلَّق به الجَارُّ وهو " مِنْ " السادس : أنه مَنْصُوب على البدل من محلِّ " مِمَّا رَزَقَكُم اللَّه " . فصل في بيان كلمة " زَوْج " الوَاحِد إذا كان وْحده فهو فَرْد ، وإذا كان مَعَهُ غيره من جِنْسِه سُمِّي زَوْجاً وهما زَوْجَانح قال - تعالى - : { خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ النجم : 45 ] وقال : " ثمانِيَة أزْوَاج " ثم فَسَّرها بقوله : " من الضَّأنِ اثْنَيْنِ ومِن المَعْزِ اثْنَيْنِ ومِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ " . قال القرطبي : والزَّوْج : خلاف الفَرْد ؛ يقال : زَوْج أو فَرْد كما يقال خَساً أو ذَكاً ، شفع ، أو وتر , فقوله : " ثَمَانِيَة أزْواجِ " يعني ثمانية أفراد وكُلُّ فرد عند العرب يحتاج إلى آخر يُسَمَّى زوجاً ، يقال للذكر : زوج وللأنثى زَوْجٌ ، ويقع لَفْظُ الزَّوْج للواحد والاثْنَيْن ، يقال : هما زَوْجَان وهما : زوْجٌ ؛ كما يقال : هما سِيَّان وهما سَوَاء ، وتقول : اشْتَرْيت زَوْجِيْ حَمَام وأنت تعني : ذكراً وأنْثَى . قوله : " مِنَ الضَّأنِ اثْنَيْن " في نصب " اثْنَيْنِ " وجهان : أحدهما : أنه بَدَلٌ من " ثَمَانِيَة أزْوَاج " وهو ظَاهِر قول الزَّمَخْشَري ؛ فإنه قال : والدَّلِيلُ عليه " ثَمَانِيَة أزْوَاجٍ " ثم فسَّرها بقوله : " مِنَ الضَّأنِ اثْنَيْنِ " الآية ؛ وبه صرح أبُو البقاءِ فقال : " واثْنيْنِ بدل من الثَّمانية وقد عُطِف عَلَيْه بقيَّة الثمانِية " . والثاني : أنه مَنْصُوب بـ " أنْشَا " مقدَّراً ؛ وهو قول الفَارِسِيِّ و " مِنْ " تتعلَّق بما نَصَب " اثْنَيْنِ " . والجُمْهُور على تسْكِين همزة " الضَّأن " وهو جَمْع ضَائِن وضائنه ؛ كتاجِرٍ وتاجرة وتَجْر ، وصَاحِبٍ وصَاحِبَة وصَحْب ، وراكب ورَاكِبَة ورَكْب . وقرأ الحسن وطلحة بن مُصَرِّف وعيسى بن عمر : " الضَّأن " بفتحها ؛ وهو إمَّا جمع تكْسِير لضَائِنٍ ؛ كما يقال : خَادِم وخَدَم , وحَارِس وحَرَس ، وطالِب وطَلَب ، وإما اسْمُ جمعٍ ، ويجمع الضَّأنُ على ضَئِين ؛ كما يقال : كَلْب وكَلِيبٌ ؛ قال القائل : [ الطويل ] @ 2363 - … فَبَذَّتْ تَبْلَهُمْ وكَلِيبُ @@ وقيل : الضَّئِينُ والكَلِيبُ اسْمَا جمع , ويقال : ضِئين بكسر الضَّادِ , وكأنها إتباع لكَسْر الهَمْزة ؛ نحو : بِعِير وشِعِير بكسر البَاءِ والشِّين لكَسْر العَيْن , و " الضَّأن " معرُوفٌ وهو ذو الصُّوف من الغَنَمِ , و " المَعْز " : ذو الشَّعْر مِنْهَا . فصل فيما يقال في الجمع من النَّعم ونحوه قال الجَوْهَرِي : يقال : صِرمَةٌ من الإبل , وقَطِيع من الغَنَم , وكوْكَبَةٌ من الفُرْسَان , وكَبْكَبَة من الرِّجَال , وخرقة من الغِلْمَان , ولمَّةٌ من النِّسَاء , ورَعِيلٌ من الخَيْل , وسِرْبٌ من الظِّباء , وعَرْجَلَة من السِّبَاع , وعِصَابة من الطَّيْر , ورَجْلٌ من الجراد وحَشْرَمٌ من النَّحْل . وقال غيره : يقال أيضاً : سِرْب من القَطَا . قال الشَّاعِر في ذلك : [ الطويل ] @ 2364 - أسِرْبَ القَطَا هَلْ مَنْ يُعِيرُ جَنَاحَهُ لَعَلَّي إلى أرْضِ الحَبيبِ أطِير @@ وقرا أبان بن عُثْمَان : اثنان بالرَّفْع على الابتداء ، والخَبَر الجَارُّ قَبْلَه ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابنُ عامر : " المَعَز " بفتح العين والباقون بسُكُونِها ، وهما لُغَتَان في جَمْع مَاعِز ، وقد تقدَّم أن فَاعِلاً يجمع على فَعْلٍ تارة ، وعلى فَعَل أخرى ؛ كتَاجِر وتَجْر وخَادِم وخَدْم ، وتقدَّم تحقيقه ، ويُجْمَع أيضاً على مِعْزَى وبها قرأ أبَيٌّ ، قال امْرُؤ القيس : [ الوافر ] @ 2365 - ألا إنْ لا تَكُنْ إبلٌ فَمِعْزَى كَأنَّ قُرُونَ جِلَّتِهَا العصِيُّ @@ وقال أبو زَيْد : إنه يَجْمَع على أمْعُوزٍ ؛ وأنشد : [ الكامل ] @ 2366 - … كالتِّيْسِ فِي أمْعُوزِهِ المُتَرَبِّل @@ ويُجْمَع أيضاً على مَعْيز ؛ وأنْشَدُوا لامرىء القيس : [ الوافر ] @ 2367 - ويَمْنَحُهَا بَنُو شَمَجَى بْنِ جَرْمٍ مَعِيزَهُم حَنَانَكَ ذَا الحَنَانِ @@ قال القُرْطُبِيُّ : والمعْزُ من الغَنَمِ خلاف الضَّأنِ ، وهي ذَوَات الأشْعَار والأذْنَاب القِصَار ، وهو اسم جِنْسٍ ، وكذلك المَعَزَ والمعيزُ والأمْعُوز والمِعْزَى ، وواحد المَعْز : ماعز ؛ مثل صَاحِب وصَحْبٍ ، والأنْثى ماعِزَة وهي العنز والجَمَع مَوَاعِز ، وأمْعز القَوْمُ : كثرت مَعْزَاهُم ، والمعّاز : صَاحِبُ المِعْزَى والمَعَز : الصَّلابة من الأرْضِ ، والأمْعَز : المكان الصُّلب الكَثِير الحَصَى ، والمعزاء أيضاً ، واستمعز الرَّجُل في أمْر : جَدَّ ، والأبل : اسمُ جَمْع لا وَاحِد له من لَفْظِه بل وَاحِده جَمَلٌ ونَاقَةٌ وبَعِير ، ولم يَجِيءْ اسْم على " فِعِل " عند سيبويه غيره ، وزاد غير سيبويه بِكِراً وإطِلاً ووِتِداً ومِشِطاً ، وسيأتي لِهَذا مَزيد بيان في [ سورة ] الغَاشِيَةِ - إن شاء الله تعالى - والنِّسَبة إليه إبَليّ بِفَتْح البَاءِ لئلاَّ يَتَوالى كَسْرَتَانِ مع ياءَيْن . قوله : " آلذَّكرين حَرَّمَ " آلذّكريْن : منصوب بما بَعْدَه ؛ وسبب إيلائه الهمزة ما تقدَّم في قوله : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } [ المائدة : 116 ] و " أم " عاطفة للأنْثَيْين على الذَّكَرَيْن ؛ وكذلك " أمْ " الثانية عَاطِفة " مَا " الموْصُولة على ما قَبْلَها ، فمحلُّها نصب ، تقديرُه : أم الَّذِي اشْتَمَلت عليه أرْحَام ، فلما التقت الميم سَاكِنَةً مع ما بَعْدَها ، وجب الإدْغَام . قال القُرْطُبي : ووردَت المدَة مع أل الوصْل ؛ لتفرق بين الاسْتِفْهَام والخبر ، ويجوز حَذْف الهَمْزِة ؛ لأن " أم " تَدُلُّ على الاسْتِفْهَام ؛ كقوله : [ المتقارب ] @ 2368 - تَرُوحُ مِنَ الحَيِّ أمْ تَبْتَكِرْ ومَاذَا يَضيرُكَ لَوْ تَنْتَظِرْ @@ و " أمْ " في قوله - تعالى - : { أمْ كُنْتُم شُهَداءَ } مُنْقَطِعة ليست عَاطِفَة ؛ لأن ما بَعْدَها جُمْلة مستقِلَّةٌ بنفسها فتُقَدَّر بـ " بَلْ " والهمزة ، والتَّقْدِير : بل أكُنْتُم شُهَدَاء ، و " إذا " : مَنْصُوب بـ " شُهَدَاء " أنكر عَلَيْهم ما ادَّعُوه ، وتهَكَّم بهم في نِسْبتهم إلى الحُضُور في وَقْتِ الإيصَاءِ بذلك ، و " بهذا " : إشارة إلى جَمِيع ما تقدَّم ذكره من المُحَرَّمات عندهم . فصل فيما كان عليه أهل الجاهلية قال المفسِّرُون : إن أهْل الجاهليَّة كانوا يُقُولون : هَذِه الأنْعَام حرث حجر ، وقالوا مَا فِي بُطُون هَذِهِ الأنْعام خَالِصةٌ لذُكُورنا ، ومحرَّمٌ على أزْوَاجِنَا وحرّموا البَحِيرة والسَّائِبَة والوَصِيلَة والحَام ، وكانوا يُحَرِّمُون بَعْضَها على الرِّجال والنِّساء ، وبعضها على النِّساء دون الرِّجَال ، فلمَّا قام الإسْلام [ وبُيِّنَت ] الأحْكَام جادلوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وكان خَطِيبُهم مَالِك بن عَوف أخُو الأحوص الخيثمي ؛ فقالوا : يا مُحَمَّد ، بلغنا أنَّك تُحَرِّم أشياء ممَّا كان آبَاؤُنا يفعلونه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّكم حَرَّمْتُم أصنافاً من النَّعَم على غير أصْل ، وإنما خلق اللَّه هذه الأزْواجَ الثمانية للأكل والانْتِفَاع بها ، فمن أين جاء هذا التَّحْرِيم : من قِبَل الذكر ، أم من قِبَل الأنْثَى " ؟ قال : فسَكَتَ مالكُ بن عَوْف ، وتحيَّرَ فلم يَتَكَلَّم ، فلو قال : جَاءَ التَّحْريمُ بسبب الذكورة ؛ وجب أن يُحَرَّم جَمِيع الذُّكُورِ ، وإن كان بسبب الأنُوثَةِ ، وجب أن يُحَرَّم جميع الإناثِ ، وإن كان باشْتِمَال الرَّحم عليه ، فينْبَغِي أن يُحَرَّم الكُلُّ ؛ لأن الرَّحِم لا تَشْتَمِل إلا على ذَكَرٍ أو أنْثَى ، أمّا تَخْصِيص الرَّحِمِ بالولدِ الخَامِس أو السَّابع ، أو بالبعض دون البَعْضِ ، فمن أين ؟ قال ابن الخطيب - رحمه الله - : وهذا عِنْدي بعيد جداً ؛ لأن لِقَائِل أن يقول : هَبْ أن هذه الأنواع - أعني الضَّأن ، والمَعْز ، والإبل ، والبقر مَحْصُورةٌ في الذَّكَر والإناث ، إلاّ أنه لا يَجِبُ أن يكون عِلَّة تَحْرِيم ما حَكُوا بتحريمه محصُورة في الذَّكُورَة والأنُوثَة ؛ بل علة تَحْرِيمها لكونها بحيرةً أو سَائِبَةً أو وَصِيلَةً أو حَاماً أو سائر الاعِتبَارات ؛ كما أنّا إذا قُلْنَا : إنه - تعالى - حَرَّم ذَبْح بَعْضِ الحيوان لأجل الأكْل . فإذا قيل : إنَّ ذلك الحيوان إن كان قد حُرِّم لكونِهِ ذكراً , وجب أن يُحَرَّم كل حيوانٍ ذَكَر ، وإن كان قد حُرِّم لكَوْنِه أنْثَى ، وجب أن يُحَرَّم كل حيوانٍ أنْثَى ، ولما لم يَكُن هذا الكَلاَم لاَزماً علينا ، فكذا هذا الوَجْه الَّذِي ذكَرَهُ المُفَسِّرُون في هذه الآيَةِ الكريمة , ويجب على العَاقِل أن يَذْكُر في تَفْسِير كلام اللَّه وجهاً صَحِيحاً ، فأمّا تَفْسِيرُه بالوَجْه الفَاسِد فلا يَجُوز , والأقْرَب عِنْدي وجهان : أحدهما : أن يقال : إن هذا الكلام ما ورد على سَبيل الاسْتِدْلال على بُطْلان قولهم ، بل هو اسْتِفَهامٌ على سَبِيل الإنْكَار ، يعني : إنكم لا تُقِرُّون بِنُبُوَّة نبيٍّ , ولا تعرفُون شريعَة شَارع ، فكَيْف تَحْكُمُون بأن هذا يَحِلُّ ، وأن ذلك يحَرَّمُ . وثانيها : حُكُمُهم بالبَحِيرة والسَّائبة الوَصِيلَة والحَام مَخْصُوص بالإبل ، فاللَّه - تبارك وتعالى - بيَّن أن النَّعَم عِبَارة عن هذه الأنواع الأرْبعة فلَما لم يَحْكُمُوا بهذه الأحْكَام في الأقْسام الثلاثة ، وهي : الضَّأن والمَعْز ، والبَقَر ، فكيف خَصصْتُم الإبلَ بهذا الحُكْم دون الغَيْر ، فهذا ما عِنْدِي في هذه الآية . ثم قال : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّاكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا } أي : هل شَاهَدْتُم اللَّه حرم هذا ، إن كنتم لا تُؤمِنُون برسُولٍ ، وحاصل الكلام من هذه الآية : أنَّكُم لا تُقِرُّونَ بنبوَّةِ أحد من الأنْبِيَاء ، وكيف تُثْبِتُون هذه الأحكامَ المُخْتَلِفَةَ . ولما بيَّن ذلك قال : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } . قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : يريد عَمْرو بن لُحَيّ ؛ لأنه هو الَّذِي غير شريعة إسْماعيل - عليه الصَّلاة والسلام - . قال ابن الخطيب : " والأقْرَب أن يكُون هذا مَحْمُولاً على كُلِّ من فعل ذلك ، لأنَّ اللَّفْظ عامٌّ ، والعِلَّة الموجبة لهذا الحُكْمِ عَامَّةٌ ، فالتخصيص تَحَكُّمٌ مَحْض " . فصل في دحض شبهة للمعتزلة قال القاضي : دلَّت الآية على أنَّ الإضْلال عن الدِّين مَذْمُوم ، وذلك لا يَلِيقُ بالله - أن تبارك وتعالى - ؛ لأنه إذا ذمّ الإضْلال الَّذِي ليس فيه إلاَّ تَحْرِيم المُبَاحِ ، فالَّذِي هو أعْظَم منه أوْلَى بالذم . وأجيب : بأنه ليس كل ما كان مذموماً منا كان مذموماً من اللَّه - تعالى - ؛ ألا ترى أن الجَمْع بين العَبيدِ والإمَاءِ ، وتَسْلِيط الشَّهْوةِ عَلَيْهم ، وتمكينهم من أسْبَاب الفُجُور مَذْمُوم مِنَّا ، وليس مَذْمُوماً من اللَّه فكذا هَهُنَا . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } . قال القاضي : " لا يَهْديهم إلى ثوابه " . وقال أهل السُّنَّة : " المراد لا يَهْدِي أولئك المُشْرِكِين ، أي : لا يَنْقُلُهم من ظُلُماَات الكُفْر إلى نُور الإيمانِ " ، وتقدَّم الكلام الثانِي .