Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 159-159)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقرأ الأخوان : " فَارَقُوا " من المُفَارَقة . قال القرطبي - رحمة الله عليه - : " وهي قِرَاءة عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - من المُفَارقة والفِرَاق ، على مَعْنَى : أنَّهُم تركوا دينَهُم وخَرَجُوا عنه ، وكان عَلِيٌّ - كرم الله وجهه - يقول : والله ما فَرَّقُوه ، ولكن فَارَقُوه " . وقال شهاب الدِّين : فيها وجهان : أحدهما : أن " فَاعَل " بمعنى : فعَّل ، نحو ضاعَفْتُ الحساب ، وضعَّفته . وقيل : هي من المُفَارَقَة ، وهي التَّرْك ، والتَّخْلِية ، ومن فرَّق دينَهُ ؛ فآمن بِبَعْض وكفر ببعض ، فقد فَارَقَ الدِّين القيم . وقرأ الباقون : " فرَّقوا " بالتَّشْديد ، وقرأ الأعمش ، وأبو صالح ، وإبراهيم ، : " فرَقُوا " مخفف الراء . قال أبو البقاء : " وهو بمعنى المُشَدَّد ، ويجُوز أن يكُون بمعنى : فَصَلُوه عن الدِّين الحقِّ " وقد تقدَّم معنى الشِّيع ، أي : صَارُوا فِرقاً مختلفة . قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : يريد : المُشْركين ، بعضهُم يَعْبُدون الملائكة ، ويَزْعُمون أنَّهم بنات اللَّه ، وبعضُهم يَعْبدون الأصْنَام ، ويقولون : " هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ الله " و " كانوا شِيَعاً " أي : فِرَقاً وأحزاباً في الضَّلالة . وقال مُجاهدٌ ، وقتادة : هم اليَهُود والنَّصَارى ؛ لأن النَّصَارى تفرَّقوا فِرَقاً ، ويُكَفِّر بعضهم بعضاً ، واليهُود أخَذُوا ببعض الكتاب ، وتركوا بعضه . وقيل : هم أهْل البِدَع والشُّبُهَات من هذه الأمَّة وروى عُمَر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة - رضي الله عنها - : " يا عائشةُ ! إنَّ الذينَ فَرَّقُوا دينَهُم وكانُوا شِيعَاً هُمْ أصْحَابُ البدعِ وأصْحَابُ الأهْوَاءِ من هذه الأمَّةِ " . وروى عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " إنَّ بَنِي إسْرائِيلَ تفرَّقَتْ على اثْنَيْنِ وسَبْعِين ملَّة ، وتفرَّفَت أُمَّتِي على ثلاثٍ وسبْعين ملَّة كُلُّها في النَّارِ إلاَّ واحِدة " ، قال : من هِيَ يا رسُول الله ؟ قال : " ما أنا عَلَيه وأصْحَابي " " . قوله : { لَسْتَ مِنْهُم فِي شَيْءٍ } . " لَسْت " : في محلِّ رفع خبراً لـ " إنّ " ، و " مِنْهُم " : هو خبر " لَيْسَ " إذ بِه تتم الفَائِدة ؛ كقول النابغة : [ الوافر ] @ 2394 - إذا حَاوَلْتَ فِي أسَدٍ فُجُوراً فإنِّي لَسْتُ مِنْكَ ولَسْتَ مِنِّي @@ ونظيرُه [ في الإثْبَات ] : " { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } [ إبراهيم : 36 ] . وعلى هذا ، فيكُون " فِي شَيْءٍ " متعلِّقاً بالاسْتِقْرَار الذي تعلَّق به مِنْهُم ، أي : لست مُسْتَقِرّاً منهم في شيء ، أي مِنْ تَفْرِيقهم . [ ويجُوز أن يَكُون " فِي شيءٍ " : الخبر ، " ومِنْهُم " : حال مُقدِّمة عليه ، وذلك على حَذْفِ مُضافٍ ، أي : لَسْت في شيءٍ كَائِن من تَفْرِيقهم ] ، فلمَّا قُدِّمت الصِّفَة نصبت حالاً . فصل في المراد بالآية في المَعْنَى قولان : الأول : إذا أُريد أهل الأهْوَاء ، فالمَعْنَى : أنت بَرِيءٌ منهم ، وهم مِنْكَ بَرَاءُ ، أي : إنَّك بعيد عن أهْوَائِهِم ومَذاهِبِهم ، والعِقَابُ اللاَّزم على تِلْك الأبَاطيل مَقْصُور عَلَيْهم لا يتعدَّاهم . وإن أُريد اليَهُود والنَّصَارى . قال السُّدِّيُّ : " معناه : يقولون يُؤمَر بِقتَالِهم ؛ فلما أمر بِقِتَالِهِم نُسِخ " وهذا بعيد ؛ لأن المعنى : لَسْت من قِتَالِهِم في هذا الوَقْتِ في شَيْءٍ ؛ فوُرُود الأمْر بالقِتَال في وَقْتٍ آخَر ، لا يُوجِب النَّسْخ . ثم قال : { إنَّما أمْرُهُم إلى اللَّه } يعني : في الجَزَاء ، والمُكَافأة ، والإمْهَال ، { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } والمراد : الوعيد .