Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 160-160)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إنما ذكّر العدد والمَعْدُود مذكَّر ، لأوجه : منها : أن الإضافة لها تَأثِير كما تقدَّم غيْر مرَّة ؛ فاكتسب المُذَكَّر من المؤنَّث التَّأنيث ، فأعْطِي حُكْم المؤنَّث من سُقُوط التَّاء من عَدَدِه ؛ ولذلك يُؤنَّث فعله حالة إضافته لِمُؤنَّثٍ نحو : { تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } [ يوسف : 10 ] . وقوله : [ الطويل ] @ 2395 - … كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنْ الدَّمِ @@ وقوله : [ الطويل ] @ 2396 - … تَسَفًّهَتْ أعَالِيهَا مَرُّ الرِّبيعِ النَّواسِمِ @@ إلى غير ذلك مما تقدَّم تَحْقِيقه . ومنها : أنَّ المذكر عِبَارة عن مُؤنَّثٍ ، فرُوعِي المُرَاد دُونَ اللَّفْظ ، وعليه قوله : [ الطويل ] @ 2397 - وإنَّ كِلاَباً هذه عَشْرُ أبْطُنٍ وأنْتَ بَرِيءٌ مِنْ قِبَائِلِهَا العَشْرِ @@ لم يُلْحِق التَّاء في عدد أبطن ، وهي مُذَكَّرة ؛ لأنَّها عِبَارة عن مُؤنَّث ، وهي القبائل ، فكأنَّه قيل : وإن كِلاَباً هذه عَشْر قَبَائِل ؛ ومثله قول عُمَر بن أبي ربيعة : [ الطويل ] @ 2398 - وَكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أتَّقِي ثلاثُ شُخُوصٍ كاعِبَانِ ومُعْصِرُ @@ لم تَلْحَق التاءُ في عدد " شخوص " وهي مُذَكَّرة ؛ لمَّا كانت عِبَارة عن النِّسْوَة ، وهذا أحْسَن ممَّا قَبْلَه ؛ للتَّصْريح بالمُؤنَثِ في قوله : " كاعبانِ " و " مُعْصِرُ " ، وهذا كما أنَّه إذا أُرِيد بلَفْظٍ مؤنَّثٍ معنًى مُذَكَّر ؛ فإنَّهم يَنْظُرُون إلى المُراد دُونه اللَّفْظ ، فَيُلْحِقُون التَّاء في عددِ المُؤنَّث ، ومنه قوله الشاعر : [ الوافر ] @ 2399 - ثَلاَثَةُ أنْفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ لَقَدْ جَارَ الزَّمَانُ على عِيَاليِ @@ فألحَق التَّاء في عدد " أنْفُس " وهي مُؤنَّثةٌ ؛ لأنَّها يراد بها ذُكُور ، ومثله : { ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً } [ الأعراف : 160 ] في أحد الوَجْهَين ، وسيأتي إن شاء الله في موضعه . ومنها : أنَّه راعى الموصُوف المَحْذُوف ، والتقدير : فله عَشْر حسنات أمْثَالها ، ثم حذف الموصُوف : وأقَامَ صِفَتَهُ مُقامه تاركاً العدد على حاله ، ومثله : " مَرَرْت بِثَلاثة نَسَّاباتٍ " ألْحِقَت التَّاء في عدد المؤنَّث مُرَاعاةً للموصوف المَحْذُوف ، إذ الأصْل : بثلاثة رجالٍ نسَّاباتٍ ، ويؤيِّد هذا : قراءة يَعْقُوب ، والحسن ، وسعيد بن جُبَيْر ، والأعْمش ، وعيسى بن عُمَر : " عَشْرٌ " بالتَّنوين " أمثَالُها " بالرَّفْع صفة لـ " عَشْر " أي : فله عشر حسناتٍ أمْثَالِ تِلْك الحسنة ، وهذه القراءة سَالِمَةٌ من تلك التَّآويل المَذْكُورة في القِرَاءة المَشْهُورة . وقال أبو عليَّ : اجْتَمَع هاهُنَا أمْرَان ، كلٌّ مِنْها يُوجِب التَّأنيث ، فلما اجْتَمَعا ، قوي التَّأنيث : أحدهما : أن الأمْثَال في المعنى : " حَسَنات " فجاز التأنيث كقوله : [ الطويل ] @ 2400 - … ثلاثُ شُخُوصٍ كاعِبَانِ ومُعْصِرُ @@ أراد بالشُّخُوص : النِّسَاء . والآخر : أنَّ المُضاف إلى المؤنَّثِ قد يُؤنَّث وإن كان مُذَكَّراً ؛ كقول من قال : " قَطَعْت بَعْضَ أصابِعه " ، { تَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } [ يوسف : 10 ] . فصل في هل المراد في العدد التحديد قال بعضهم : التقدير بالعَشْرَة ليس المراد منه : التَّحْديدُ ، بل المُرَادُ منه : الإضْعَاف مُطْلقاً ؛ كقول القائل : " إذا أسديت إليَّ معروفاً لأكافِئَنَّكَ بعشر أمْثَالِهِ " وفي الوَعِيد : " لئن كَلَّمْتَنِي [ كلمة ] واحِدَة ، لأكَلِّمنَّك عَشْراً " ولا يريدُ التَّحْديد ، فكذلك هُنا ، ويدُلُّ على أنَّه ليس المراد التَّحْديد ، قوله - سبحانه وتعالى - : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } [ البقرة : 261 ] . وقال ابن عُمَر - رضي الله عنه - : " الآية في غير الصِّدَقَات " . قوله : { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا } أي : إلاّ جَزَاء يُسَاويِها . روى أبو ذرٍّ - رضي الله تعالى عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرَّم وبجّل ومَجّد وعظَّم قال : قال الله - تبارك وتعالى - : " الحسنة عشرة أو أزيد ، والسيئة واحدة ، أو عفو ، فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره " . وقال - عليه أفضل الصلاة والسلام - وأتم حكاية عن الله - تبارك وتعالى سبحانه - : " إذا هَمّ عَبْدِي بِحسنَةٍ ، فاكتُبُوهَا وإنْ لَم يَعْمَلْها ، فإن عَمِلها ، فعَشرْ أمْثَالها , وإن هَمّ بسَيِّئَة ، فلا تَكْتُبُوها ، فإن عَمِلَها ، فَسَيِّئَة وَاحِدة " " . وروى أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أحْسَن أحدُكُم إسلامه ، فكُلُّ حَسَنَة يَعْمَلُها تُكْتَبُ بعْشر أمْثَالها إلى سبعمائة ، وكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُها ، تكْتَبُ بِمثْلِها ، حتَّى يَلْقى اللَّه - عزَّ وجلَّ - " . ثم قال - تبارك وتعالى - : { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } . أي : لا يَنْتَقِصُ من ثواب طاعتهم ، ولا يُزَاد على عِقاب سيِّئاتهم ، وهاهُنا سؤالان : السؤال الأول : كُفْر ساعة كَيْف يُوجِبُ عقاب الأبد على نهاية التَّغْلِيظ فما وجه المُمَاثَلَة ؟ فالجواب : أن الكافر كان على عَزْم أنَّه لو عاش أبداً لبقي على ذلك الاعْتِقَاد فلما كان ذلك العَزْم مؤبَّداً عُوقِب بعقابِ الأبد ؛ بخلاف المُسْلِم المُذْنِب ؛ فإنَّه يكُون على عَزْمِ الإقْلاع من ذلك الذَّنْب ، فلا جَرَم كانت عُقُوبتُه مُنْقطعة . السؤال الثَّاني : اعتاق الرَّقبة الواحدة تارةً جعلها بدلاً عن صِيَام سِتِّين يَوْماً في كفَّارة الظِّهَار ، والجِمَاع في نهارِ رمضان ، وتارة جعلها بدلاً من صيام ثلاثة أيَّام ، فدلَّ على أنَّ المُساوَاة غير مُعْتَبَرة ؟ . وجوابُه : أنَّ المُساوَاة إنَّما تَحْصُل بوَضع الشِّرْع وحُكْمه . السؤال الثالث : إذا أوْضَح الإنْسان مُوَضِّحَتَيْن ، وجب فيهما أرشان فإن رُفِعَ الحاجزُ بينهُمَا ، صار الواجب أرْشَ مُوضِّحة واحدة ؛ فههُنا ازْدَادَت الجِنايَة وقل العقاب ، فالمُسَاوَاة غير مُعْتَبَرة . وجوابُه أنَّ ذلك من قَصْد الشَّرْع وتحكُّمَاتِه . السؤال الرابع : أنه يَجِب في مُقابَلة تفويت أكثر كُلِّ واحدٍ من الأعضاء دية كاملة ثم إذا قتله وفوّت كل الأعضاء وجب دِيَة واحِدَة ، وذلك يَمْنع القول من رِعَايَة المُمَاثلة . وجوابُه : أن ذلك من باب تحكُّمَاتِ الشَّريعة .