Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 164-164)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما أمَرَهُ - عليه الصَّلاة والسَّلام - بالتَّوْحِيد المَحْضِ ، أمَره أن يَذْكر ما يَجْرِي مُجْرى الدَّليل على صِحَّة هذا التَّوحِيد ، وتقريره من وجهين : الأول : أنَّ أصناف المُشْرِكين أربعة ؛ لأنَّ عبدة الأصنام أشْرَكُوا باللَّه ، وعبدة الكواكِب أشْرَكُوا باللَّه ، والقَائِلون بيزدان وأهرمن أشركوا ، والقَائِلُون بأنَّ المسيح ابنُ اللَّه والملائكة بنات الله أشْرَكُوا ، فهولاء هم فِرَقُ المُشْرِكين ، وكلُّهم يَعْتَرفُون بأن اللَّه - سبحانه وتعالى - هو الخَالِق لِلكُلِّ ؛ لأن عبدة الأصنام معترِفُون بان اللَّه - تعالى - خالقُ السَّمواتِ والأرْضِ وكلِّ ما في العالم من الموْجُوداتِ وهُو الخالقُ للأصْنامِ والأكوان بأسْرِها . وأما القَائِلُون بيزدان وأهرمن فهُم أيضاً معترِفُون بأنَّ الشَّيْطَان مُحْدَث ، وأنَّ مُحْدِثَهُ هو اللَّه - تبارك وتعالى - . وأمَّا القَائِلُون بالمسيح والملائكة ، فهُم أيضاً معتَرِفُون بأنَّ اللَّه - سبحانه وتعالى - خَلَق الكُلَّ ؛ فثبت أنَّ طوائِف المُشْرِكين أطْبَقُوا على أنَّ الله - تبارك وتعالى - خلق هؤلاء الشُّرَكَاء . وإذا عُرِف هذا ، فاللَّه - سبحانه وتعالى - قال لرسُوله صلى الله عليه وسلم : قل يا مُحَمَّد أغير اللَّه أبْغِي ربّاً ، مع أنَّ هؤلاء الذين اتِّخَذُوا رَبَّاً غير اللَّه ، أقَرُّوا بأن اللَّه تبارك وتعالى خالق تلك الأشْيَاء . وهل يَدْخُل في العَقْل جعل المرْبُوب شَريكاً للرَّبِّ ، وجعل العَبْد شَرِيكاً للمَوْلَى ، وجَعْل المَخْلُوق شَريكاً للخَالِق ؟ ولمَّا كان الأمْر كذلك ، ثبت أنَّ إتَّخَاذّهُم رَباً غيْر اللَّه [ قول ] فاسدٌ ودينٌ بَاطِلٌ . الثاني : أن الموجود إمَّا واجبٌ لِذَاته وإمَّا ممكن لِذَاته ، وثبت أن واجِبَ الوُجُود واحدٌ ، وثبت أنَّ ما سِوَاه مُمْكِنٌ لذاته ، وثَبَت أن المُمْكِن لذاته لا يُوجد إلاَّ بإيجَادِ الواجبِ لذَاتِهِ ، وإن كان الأمْر كذلك ، كان اللَّه - تعالى - ربّاً بِكُلِّ شَيْء . وإذا ثبت هذا ، فَنقُول : صَرِيحُ العَقْل يَشْهَدُ بأنَّه لا يَجُوز جَعْلُ المرْبُوب شَريكاً للرَّبِّ ، وجَعْل المَخْلُوق شريكاً للخَالِق , وهذا هو المُرَاد من قوله - تعالى - : { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } . قال ابن عبَّاس - رضي الله عنه - معنى ربّاً : أي سيِّداً وهُو رب كُلِّ شيء ، وذلك أنَّ الكُفَّار كانوا يقُولون للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ارْجع إلى ديننا . قال ابن عبَّاسٍ ، قال الوليدُ بن المُغيرَة : اتبعُوا سبيلي ، أحْمِل عَنْكُم أوْزَاركم ، فقال اللَّه - تبارك وتعالى - : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } ومعناه : أنَّ إثْمَ الجانِي عليه ، لا على غيره " ولا تَزِرُ وَازرةٌ وزْرَ أخرَى " أي : لا يُؤاخَذُ أحدٌ بذَنْب غيره . قال القُرْطُبيُّ - رحمه الله - : وأصْل الوِزْر : الثِّقَل ، ومنه قوله - تعالى - : { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ } [ الشرح : 2 ، 3 ] وهو هنا : الذنب ؛ كما قال - تعالى - : { يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } [ الأنعام : 31 ] وقد تقدَّم قول الأخْفَش : يُقَال : وَزِر يَوْزَر ، وَوَزَرَ يزر ، وَوُزِرَ يُوزَر وِزْراً . قيل : نَزلَتْ رداً على العرب في الجاهليَّة من مُؤاخَذَة الرَّجُل بِأبيه ، وابْنِه ، وابْنِه ، وبجريرة حَلِيفِهِ . قال القُرْطُبِي : يحتمل أنْ يكُون المُراد بِهَذَه الآية في الآخرة ، وكذلك الَّتِي قَبْلَها ، فأمَّا في الدنيا : فقد يُؤاخَذُ بعضُهم بِجُرْم بعضٍ ، ولا سيَّما إذا لم يَنْه الطَّائِع العَاصِيَ ، كما تقدّم في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [ المائدة : 105 ] وقال - تعالى - : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } [ الأنفال : 25 ] { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ الرعد : 11 ] . وقالت زَيْنَب بِنْت جَحْش : " يا رسُول الله ، أنَهْلَكُ وفينا الصَّالِحُون ؟ قال : نعم ، إذا كَثُر الخَبَث " . قال العلماء : معناه : أوْلاد الزِّنَا ، والخبيث بفتح البَاء : اسمٌ للزِّنَا ، وأوْجَب اللَّه - تعالى - على لسان رسُوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - ديَة الخطأ على العَاقِلة ، حتى لا يُطل دمُ المُسْلِمِ وذلك بالإجْمَاع ؛ فَدَلَّ ذلك على ما قُلْنَاه . ثم بيَّن - تعالى - أنَّ رُجُوع هؤلاء المشركين إلى مَوْضِع لا حَاكِم ولا آمِر إلا اللَّه ، وهو قوله - تعالى - : { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } .