Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 17-17)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا دليل آخر في بَيَانِ أنه لا يجوز للعاقلِ أنْ يتّخذ ولياً غير الله . و " الباء " في قوله : " بِضُرٍّ " للتعدية ، وكذلك في " بخير " ، والمعنى : وإن يمسك اللَّهُ الضُّرَ ، أي : يجعلك ماسَّاً له ، وإذا مسست الضر فقد مَسَّك ، إلاَّ أن التَّعديَةَ بالباء في الفعل المُتَعَدِّي قليلةٌ جداً ، ومنه قولهم : " صَكَكْتُ أحَدَ الحجرين بالآخر " . وقال أبو حيان : ومنها قوله تعالى { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } [ البقرة : 251 ] . وقال الواحديُّ : - رحمه الله - : " إن قيل : إن المَسَّ من صِفَةِ الأجَسْامِ فكيف قال : وإن يَمْسَسْكَ اللَّهُ ؟ فالجواب " الباء " للتعدية ، والباء والألف يتعاقَبَانِ في التَّعديَةِ ، والمعنى : إن أمَسَّك اللَّهُ ضُرّاً ، أي : جعله مَاسَّك ، فالفعلُ للضُّرِّ ، وإن كان في الظاهر قد أسند إلى اسمِ اللَّهِ تعالى ، كقولك : " ذهبَ زيدٌ بعمرو " ، وكان الذَّهابُ فِعْلاً لعمرو ، غير أن زيداً هو المُسَبِّبُ له والحاملُ عليه ، كذلك هنا المسُّ للضُرِّ ، والله - تعالى - جعله مَاسّاً " . قوله : " فلا كاشف له " : " له " : خبر " لا " ، وثمَّ مَحْذُوفٌ تقديره : فلا كاشف له عنك ، وهذا المحذوف لي متعلِّقاً بـ " كاشف " ، إذ كان يلزمُ تنوينه وإعرابه ، بل يتعلَّق بمحذوف ، أي : أغني عنه . و " إلاَّ هو " فيه وجهان : أحدهما : أنه بدلٌ من مَحَلّ " لا كاشف " فإن مَحَلَّه الرفع على الابتداء . والثاني : أنه بَدَلٌ من الضمير المُسْتَكِنِّ في الخبرِ ، ولا يجوز أن يرتفع باسم الفاعل ، وهو " كاشف " ؛ لأنه مطوَّلاً [ ومتى كان مطوَّلاً ] أعْرِبَ نَصْباً ، وكذلك لا يجوز أن يكون بَدَلاً من الضمير المُسْتَكِنّ في " كاشف " للعلَّةِ المتقدّمة ؛ إذ البدلُ يحلُّ مَحَلُّ المبدل منه فإن قيل : المقابل للخير هو الشَّر ، فكيف عدل عن لَفْظِ الشَّرِّ ؟ والجواب أنه أراد تَغْلِيبَ الرحمة على ضِدِّهَا ، فأتى في جانب الشَّرِّ بأخَصَّ منه وهو الضُّرُّ ، وفي جانب الرَّحْمَةِ بالعام الذي هو الخَيْرُ تغليباً لهذا الجانب . قال ابن عطية : نابَ الضُّرُ مَنَابَ الشَّرِّ ، وإن كان الشَّرُّ أعَمَّ منه ، فقابل الخير . وهذا من الفصاحةِ عُدُولٌ عن قانون التكليف والصيغة ، فإن باب التكليف وترصيع الكلام أن يكون الشيء مُقْترناً [ بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص موافقة أو مُضاهاة فمن ذلك ] { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } [ طه : 118 - 119 ] فجاء بالجوع مع العُرْي ، وبابه أن يكون مع الظَّمَأ . ومنه قوله امرئ القيس : [ الطويل ] @ 2119 - كَأنِّيَ لَمْ أرْكَبْ جَواداً لِلَذَّةٍ وَلَمْ أتَبَطَّنْ كَاعِباً ذَاتَ خَلْخَالِ وَلَمْ أسْبإ الزِّقَّ الرَّوِيَّ وَلَمْ أقُلْ لِخَيْلِيَ كُرِّي كرَّةً بَعْدَ إجْفَالِ @@ ولم يوضّح ابن عطيَّة ذلك ، وإيضاحه في آية " طه " اشْتَرَاكُ الجوع والعُرْيِ في شيء خاص وهو الخلُوُّ ، فالجوع خُلُوُّ وفراغٌ من الباطن ، والعُرْيُ خُلُوٌّ وفراغٌ من الظَّاهرِ واشتراك الظَّمَأ والضَّحَي في الاحتراق ، فالظَّمَأُ احتراق في الباطن ، ولذلك تقول : " بَرَّدَّ الماءُ حَرارةَ كبدي وأوام عطشي " . والضَّحَى : احْتِرَاقُ الظَّاهر . وأمَّا البيتان ، فالجامعُ بين الرُّكوب لِلذَّةِ وهو الصيد وتبطُّن الكَاعِب اشتراكهما في لَذَّةِ الاسْتِعْلاءِ ، والقهر والاقْتِنَاصِ والظّفر بمثل هذا المركوب ، ألا ترى إلى تسميتهم هَنَ المرأة " رَكَباً " ، بفتح الراء والكاف ، وهو فَعَل بمعنى مَفْعُول كقوله : [ الرجز ] @ 2120 - إنَّ لَهَا لَرَكَباً إرْزَبَّا كَأنَّهُ جَبْهَةُ ذَرَّي حَبَّا @@ وأمَّا البيت الثاني فالجامعُ بين سَبَأ الخمر ، والرُّجوع بعد الهزيمة اشتراكهما في البذْل ، فشراءُ الخَمْرِ بَذْلُ المال ، والرجوع بعد الانهزام بَذْلُ الروح . وقدَّم تبارك وتعالى مَسَّ الضُّرِّ على مَسِّ الخير لمناسبة اتِّصالِ مسِّ الضُّرِّ بما قبله من التَّرْهيبِ المدلول عليه بقوله تعالى : " إنِّي أخَافُ " ، وجاء جواب الشَّرْط الأوَّل بالحَصْر إشارةً إلى اسْتِقلالِهِ بكشف الضُّرِّ دون غيره ، وجاء الثاني بقوله تعالى { فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } إشارةً إلى قدرته الباهرة ، فيندرج فيها المَسُّ بخير وغيره ، على أنَّه لو قيل : إنَّ جواب الثاني مَحْذُوفٌ لكان وَجْهاً أي : وإن يمسسك بخيرٍ فلا رَادَّ لِفَضْلِهِ ، للتصريح بمثله في موضع آخر . فصل روى ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال : " أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَغْلَةٌ أهْدَاهَا لَهُ كِسْرَى ، فَرَكِبَهَا بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ ، ثُمَّ أرْدَفَنِي خَلْفَهُ ، ثُمَّ صَارَ بي مَلِيَّاً ، ثُمَّ الْتَفَتَ إليَّ وقال : يا غُلامُ فَقُلتُ : لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ الله فقال احْفَظِ اللَّهَ يَحْفظْكَ ، احَفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أمَامَكَ ، تَعَرَّفْ إلى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ ، وإذا سَألْتَ فَأسْألِ اللَّهَ ، وإن اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ ، فقَدْ مَضَى القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ ، فَلَوْ جَهِدَ الخلائِقُ علَى أنَّ يَنْفَعُوك بشيء لم يقضِهِ اللهُ سبحانه لَكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ، ولوْ جَهِدُوا أنْ يَضُرُّوكَ عَمَّا لَمْ يَكْتُب اللهُ عَلَيْكَ ما قَدَرُوا عَلَيْهِ ، فإن اسْتَطَعْتَ أنْ تَعْمَلَ بالصَّبْرِ مَعَ اليَقيْنِ فافْعَلْ ، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ ، فإنَّ في الصَّبْرِ على ما تَكْرَهُ خَيْرَاً كَثِيراً ، واعْلَمْ أنَّ النَّصْر مَعَ الصَّبْرِ ، وأنَّ مَعَ الكَرْبِ الفَرَجَ ، وأنَّ مَعَ العُسْر يسْراً " .