Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 20-20)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنَّ الكُفَّار لمَّا سألوا اليهود والنَّصَارى عن صَفَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، فأنكروا دلالة التَّوْرَاةِ والإنجيل على نُبُوًّتِهِ بَيَّنَ اللَّهُ - تعالى - في الآية الأولى أنَّ شهادةَ اللَّه على صِحًّةِ نُبُوَّتِهِ كافيةٌ في ثبوتها ، ثُمَّ بَيّن في هذه الآية أنهم كذبوا في قولهم : لا نعرف محمداً ، لأنهم يعرفونه بالنُّبُوًّةِ والرسالة ، كما يعرفون أبناءهم . روي أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم " المدينة " قال عمر لعبد الله بن سلام : أنزل اللَّهُ على نبيِّه هذه الآية ، فكيف هذه المعرفة ؟ فقال : يا عمرُ لقد عرفته فيكم حين رَأيْتُهُ ، كما أعرف ابني ، ولأنا أشَدُّ معرفةً بمحمد منِّي بابني ؛ لأني لا أدري ما صنعَ النساء وأشهدُ أنه حَقّ من الله تعالى . قوله : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } الموصول مبتدأ ، و " يَعْرِفُونه " خبره ، والضميرُ المَنْصُوبُ يجوز عَوْدُهُ على الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام ، وعلى القرآن لتقدُّمهِ في قوله : " وأوحِيَ إليَّ هذا القُرآنُ لأنذركُمْ بِهِ " أو على التوحيد لدلالة قوله : { إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ الأنعام : 19 ] أو على كتابهم ، أو على كتابهم ، أو على جميع ذلك ، وأفرد الضمير باعتبار المَعْنَى ، كأنَّهُ قيل : يعرفون ما ذكرنا وقَصَصْنَا . وقد تقدَّم إعْرَابُ هذه الجملة في " البقرة " . قوله : " الَّذينَ خَسِرُوا " في مَحَلّه أربعة أوجه : أظهرها : أنه مبتدأ ، وخبره الجملة من قوله : { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، ودخلت " الفاء " لما تقدَّم من شبه الموْصُولِ بالشرط . الثاني : أنه نَعْت للذين آتيناهم الكتاب . قاله الزَّجَّاج . الثالث : أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم الذين خسروا . الرابع : أنه منصوبٌ على الذَّمِّ ، وهذان الوجهان فَرْعَانِ على النعت ؛ لأنهما مقطوعان عنه ، وعلى الأقوال الثلاثة الأخيرة يكون { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } من باب عطف جملة اسمية على مِثْلِهَا ، ويجوز أن يكون عَطْفاً على " خَسِرُوا " وفيه نَظَرٌ من حيث إنه يؤدِّي إلى ترتُّب عدم الإيمان على خسرانهم ، والظاهر أنَّ الخُسْرَانَ هو المترتب على عدم الإيمان وعلى الوجه الأول يكون " الذين خسروا " أعمُّ من أهل الكتاب الجاحدين والمشركين ، وعلى غيره يكون خَاصّاً بأهل الكتاب ، والتقدير : الذين خسروا أنفسهم منهم ، أي : من أهْلِ الكتاب . واسْتُشْكِلَ على كونه نَعْتاً الاستشهادُ بهم على كُفَّار قريش وغيرهم من العرب ، يعني كيف يُسْتَشْهَدُ بهم ، ويُذَمُّون في آيةٍ واحدة ؟ فقيل : إنَّ هذا سيق للذَّمِّ لا للاستشهاد . وقيل : بل سِيقَ للاستشهاد ، وإن كان في بعض الكلام ذَمٌّ لهم ، لأنَّ ذلك بوجهين واعتبارين . قال ابن عطية : فصَحَّ ذلك لاختلاف ما استشهد بهم فيه ، وما ذُمُّوا فيه ، وأنَّ الذَّمَّ والاستشهاد ليسا من جِهِةٍ واحدةٍ . فصل في بيان المراد من ظاهر الآية ظَاهِرُ هذه الآية الكريمة يقتضي أن يكون علمهم بنُبُوَّةِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم علمهم بأبنائهم ، وهنا سُؤالٌ - وهو أن يُقَالَ : المكتوب في التَّوْرَاةِ والإنجيل مُجَرَّدُ أنه سيخرج نَبِيٌّ في آخر الزمان يدعو الخَلْقَ إلى الحَقِّ ، أو المكتوب فيه هذا االمعنى مع تعيين الزَّمَانِ والمكان والنَّسَبِ والصِّفَةِ والحِلْيَةِ والشَّكْلِ ، فإن كان الأول ، فذلك القدر لا يَدُلُّ على أنَّ ذلك الشَّخْصَ هو مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فكيف يَصِحُّ أن يقال : علمهم بنبوته مثل علمهم ببنوَّةِ أبنائهم وإن كان الثاني وجب أن يكون [ جميع ] اليَهُودِ والنَّصَارَى عالمين بالضرورة بأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم نَبِيُّ من عِنْدِ الله ، والكَذِبُ على الجَمْعِ العظيم لا يجوز ، ولأنَّا نَعْلَمُ بالضرورة أن التوراة والإنجيل ما كانا مُشْتَمِلَيْنِ على هذه التفاصيل التَّامَّةِ الكاملة ؛ لأن هذا التفصيل إمَّا أن يُقَالَ : إنه كان بَاقِياً في التَّوْرَاةِ والإنجيل ، أو كان مَعْدُوماً في وَقْتِ ظهوره ، لأجل أن التَّحْرِيف قد تَطَرَّقَ إليهما قبل ذلك ، والأول باطلٌ ؛ لأنَّ إخْفاءَ مِثْلِ هذه التفاصيل التامة في كتابٍ وصل إلى أهل الشرق والغرب مُمْتَنِعٌ . والثاني : أيضاً باطل ؛ لأن على هذا التقدير لم يكن يَهُودُ أهل ذلك الزمان ، ونصارى ذلك الزَّمان عالمين بنبُوَّة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم علمهم بنبوَّةِ أنبيائهم ، وحينئدٍ يَسْقُطُ هذا الكلام . والجوابُ ان يقال : المراد بـ " الذين آتيناهم الكتاب " اليهود والنَّصارى ، وهم كانوا أهْلاً للنَّظَرِ والاستدلال ، وكانوا قد شاهدوا ظهور المعجزات على الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ، فعرفوا بواسطة تلك المعجزات كونه رسولاً من عند اللَّهِ تعالى ، والمقصود بمعرفتهم هي المعرفةُ من طريق النَّظرِ ، والاستدلال من طريق النَّقْلِ . فصل في المراد بالخسران قال المفسرون : معنى هذا الخُسْران أنَّ الله - تبارك وتعالى - جعل لكلِّ آدمي مَنْزِلاً في الجنَّةِ ومَنْزِلاً في النَّار ، فإذا كان يوم القيامة جعل اللَّه تبارك وتعالى للمؤمنين مَنَازِلَ أهل النار في الجنة ولأهل النار منازل أهل الجنَّة في النَّار وذلك هو الخسران .