Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 19-19)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الكَلْبِيُّ : أتى أهْلُ " مكة " رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أرِنَا من يشهد بأنك رسول اللَّهِ ، فإنَّا لا نَرَى أحَداً يُصَدِّقك ، ولقد سالنا عنك اليهود والنصارى ، فزعموا أنه ليس لك عِنْدَهُمْ ذكرٌ ، فأنزل الله تعالى : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً } أي : أعظم شهادة ، فإن أجَابُوكَ ، وإلاَّ فقل : { ٱللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُم } على ما أقول لأني أوحي إليَّ هذا القُرْآن مُعَجزاً لأنكم أنتم البُلَغَاءُ والفصحاء ، وقد عجزتم عن مُعَارضته ، فكان مُعْجِزاً ، وإذا كان مُعْجِزاً كان إظهار الله - تعالى - له على وَفْقِ دَعْواي شهادة من اللَّهِ على كوني صادقاً في دَعْوَاي . قوله تعالى : { أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ } مبتدأ وخبرٌ ، وقد تقدَّمَ أن " أيًّا " بعض ما تضاف إليه ، فإذا كانت استفهامية اقتضى الظَّاهِرُ أن يكون مُسَمَّى باسم ما أضيف إليه . قال أبو البقاء - رحمه الله - : " وهذا يُوجِبُ أن يُسَمّى اللَّهُ تعالى " شيئاً " ، فعلى هذا تكون الجلالةُ خبرَ مبتدأ محذوف [ والتقدير : الله أكبر شَهَادَةً ، و " شهيد " على هذين القولين خَبَرُ مبتدأ محذوف ] أي : ذلك الشيء هو الله تعالى ، ويجوز أن تكون الجلالة مبتدأ خبره محذوف أي : هو شهيدٌ بيني وبينكم ، والجملةُ من قوله : " قل اللَّه " على الوَجْهَيْنِ المتقدمين جواب لـ " أي " من حَيْثُ اللفظ والمعنى ، ويجوز أن تكون الجلالةُ مبتدأ ، و " شهيد " خبرها ، والجملة على هذا جواب لـ " أيّ " من حيث المعنى ، أي : إنها دالّةٌ على الجواب ، وليست به . قوله : " شَهَادَةً " نَصْبٌ على التمييز ، وهذا هو الذي لا يَعْرِفُ النحاةُ غيره . وقال ابن عطية - رضي الله عنه - : ويَصِحُّ على المفعول بأن يُحْمَلَ " أكثر " على التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل وهذا ساقط جدّاً ؛ إذ نصَّ النحويون على أن معنى شبهها باسم الفاعل في كونها تؤنّث وتُثَنَّى ، وتُجْمَعُ ، وأفعلُ مِنْ لا تُؤنَّثُ ولا تُثَنَّى ولا تُجْمَعُ ، فلم يُشبه اسم الفاعل ، حتَّى إنَّ أبا حيَّان نَسَبَ هذا الخِبَاطَ إلى النَّاسخِ دون أبي محمد . قوله : " بيني وبينكم " متعلِّقٌ بـ " شهيد " ، وكان الأصل : قل اللَّهُ شهيدٌ بيننا ، فكُرِّرت " بين " توكيداً ، وهو نظير قوله : [ الوافر ] @ 2121 - فَأيِّي ما وأيُّكَ كَانَ شَرًّا فَسيقَ إلى المَقَامَةِ لا يَرَاهَا @@ وقوله : [ الرجز ] @ 2122 - يَا ربَّ مُوسَى أظْلَمِيَ وأظْلَمُه ْ أرسل عليه مَلِكاً لا يَرْحَمُهْ @@ وقوله : [ الكامل ] @ 2123 - فَلَئِنْ لَقيتُكَ خَالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنْ أيِّي وَأيُّك فَارِسُ الأحْزَابِ @@ والجامع بينهما : أنَّهُ لمَّا أضاف إلى " الياء " وَحْدَها احتاج إلى تكرير ذلك المضاف . ويجوزُ أبو البقاء أن يكون " بيني " متعلّقاً بمحذوف على أنَّهُ صفة لـ " شهيد " ، فيكون في مَحَلّ رفع ، والظاهر خلافُهُ . قوله : " وأوْحِيَ " الجمهور على بِنَائِهِ للمفعول ، وحُذِف الفاعل للعلم به ، وهو الله تبارك وتعالى . و " القرآن " رفع به . وقرأ أبو نهيك ، والجحدري ، وعكرمة ، وابن السَّمَيْفَع : " وأوْحَى " ببنائه للفاعل ، " القرآن " نَصْباً على المفعول به . و " لأنْذِرَكُمْ " متعلِّقٌ بـ " أوحي " . قيل : وثمَّ مَعْطُوف حُذِفَ لدلالة الكلام عليه ، أي : لأنذركم به وأبَشِّركم به ، كقوله تعالى : { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] ، وتقدم فيه نظائرُ ، وقيل : لا حاجة إليه ، لأن المقام مَقَامُ تخويف . فصل في بيان معنى الآية والمعنى : اللَّهُ شهيدٌ بيني وبينكم أنِّي قد أبلغكم وصدّقْتُ فيما قلته وادَّعَيْتُهُ من الرسالة ، والقرآن أيضاً شَاهِدٌ بنبوَّتي لأنذركم به يا أهل " مكة " ، ومن بلغه القرآن العظيم . قوله تعالى : " ومَنْ بَلَغَ " فيه ثلاثةُ أقوال : أحدهما : أنه في مَحَلِّ نَصْبٍ عطفاً على المنصوب في " لأنْذِرَكُمْ " ، وتكون " مَنْ " موصولةً ، والعائِدُ عليها من صِلَتِهَا مَحْذُوفٌ . أعني : ولأنذر الذي بلغه القرآن الكريم من العَرَبِ والعَجَمِ . وقيل : من الثَّقَلَيْنِ . وقيل : من بَلَغَهُ [ من القرآن الكريم ] إلى يوم القيامةِ . وعن سعيد بن جبير : " من بلغه من القرآن ، فكأنما رأى مُحَمَّداً عليه الصَّلاة والسَّلامُ " . الثاني : أنَّ في " بَلَغَ " ضميراً مرفوعاً يَعُودُ على " مَنْ " ، ويكون المفعول محذوفاً ، وهو منصوب المَحَلّ أيضاً نَسَقاً على مَفْعُول " لأنذركم " والتقدير : ولأنذر الذي بَلَغَ الحُلُمَ ، فالعَائِدُ هنا مُسْتَتِرٌ في الفعل . الثالث : أنّ " مَنْ " مرفوعةُ المحلِّ نَسَقاً على الضَّميرِ المرفوع في " لأنذركم " ، وجاز ذلك ؛ لأنَّ الفصل بالمفعول والجارِّ والمجرور أغْنَى عن تأكيده ، والتقديرُ : لأنذركم به ، ولينذركم الذي بَلَغَهُ القرآن . قوله : " أإنًّكُمْ " الجمهور على القراءة بهمزتين : أولاهما للاستفهام ، وهو استفهامُ تَفْريعٍ وتوبيخ . قال الفراء - رحمه الله تعالى - : ولم يَقُل آخر لأن الآلهة جمع ، والجمع يقع عليه التأنيث ، كقوله : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَى } [ الأعراف : 180 ] وقوله : { فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ } [ طه : 51 ] [ ولم يقل الأوّل ، ولا الأوّلين وكل ذلك صوابٌ ] وقد تقدَّم الكلامُ في قراءاتٍ مثل هذا . قال أبو حيَّان : " وبِتَسْهيلِ الثانية ، وبإدخال ألف بين الهمزة الأولى والهمزة المُسَهَّلَة ، روى هذه الأخيرة الأصمعي عن أبي عمرو ، ونافع " انتهى . وهذا الكلام يؤذن بأنها قراءةٌ مُسْتَغْرَبَةٌ ، وليس كذلك ، بل المَرْوِيُّ عن أبي عمرو - رضي الله عنه - المَدُّ بين الهَمْزَتَيْنِ ، ولم يُخْتَلَفْ عن قالون في ذلك . وقرئ بهمزة واحدة وهي محتملةٌ للاستفهام ، وإنَّما حُذِفَتْ لفهم المعنى ، ودلالة القراءة الشهيرة عليها ، وتحتمل الخبر المَحْضَ . ثم هذه الجملة الاستفهامية ، يحتمل أن تكون مَنْصُوبَةَ المَحَلّ لكونها في حَيَّزِ القول ، وهو الظَّاهر ، كأنه أُمِرَ أن يقول : أيُّ شيء أكْبَرُ شَهَادةً وأن يقول أإنّكم لتشهدون . ويحتمل أن تكون داخلَةً في حيِّزه فلا مَحَلّ لها حينئذٍ ، و " أخرى " صفةٌ لـ " آلهة " ؛ لأن ما لا يَعْقِل يُعَامَلُ جَمْعُهُ مُعاملةَ الوحداةِ المؤنّثة ، كقوله : { مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [ طه : 18 ] ، و { ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الأعراف : 180 ] كما تقدَّم . قوله : " إنَّمَا هُوَ إلَهٌ واحِدٌ " [ يجوز ] في " ما " هذه وجهان : أظهرهما : أنها كافَّةٌ لـ " إنَّ " عن عملها ، و " هو " مبتدأ ، و " إله " خبر ، و " واحد " صفته . والثاني : أنها مَوْصُولَةٌ بمعنى " الذي " ، وهو مبتدأ ، و " إله " خبره ، وهذه الجملةُ صَلَةٌ وعائد ، والموصول في مَحَلِّ نصب اسماً لـ " إن " و " واحد " خبرها . والتقدير : إنَّ الذي هو إله واحد ، ذكره أبو البقاء ، وهو ضعيف ، ويَدُلُّ على صِحَّةِ الوجه الأوَّلِ تعيُّنُه في قوله تبارك وتعالى : { إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ النساء : 171 ] ، إذ لا يجوز فيه أن تكون مَوْصُولَةً لخلوِّ الجملة عن ضمير الموصول . وقال أبو البقاء في هذا الوَجْهِ : وهو ألْيَقُ مما قبله . قال شهابُ الدِّين : - رضي الله عنه - : ولا أدري ما وجه ذلك ؟ فصل فيما تفيده الآية أعملم أنَّ هذا الكلام دَلَّ على إيجاب التَّوحيدِ ، والبراءةِ من الشِّرْكِ من ثلاثة أوجه : أولها : قوله : " قُلْ لا أشْهَدُ " بما تذكرونه من إثبات الشُّرَكَاءِ . وثانيها : قوله : " قُلْ إنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ " ، وكلمة " إنَّمَا " تفيد الحَصْرَ ، ولفظ الواحد صريحٌ في التوحيد ، ونفي الشركاء . وثالثها : قوله تبارك وتعالى : { وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } ، وفيه تصريح بالبراءة عن إثبات الشُّرَكَاءِ . قال العلماء : يُسْتَحَبُّ لمن أسلم ابتداءً أن يأتي بالشهادتين ، ويبرأ من كل دينٍ سوى دين الإسلام . ونصَّ الشَّافعي - رحمه اله تعالى - على استحباب ضَمِّ التَّبَرِّي إلى الشهادة ، كقوله تبارك وتعالى : { وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } عقيب التّصريح بالتوحيد .