Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 57-57)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } أي : على بيانِ أو بَصِيرةٍ وبُرهانٍ من ربي . قوله : " وكَذَّبْتُم به " في هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنها مُسْتَأنَفَةُ سِيقَتْ للإخبارِ بذلك . والثاني : أنها في مَحَل نصبٍ على الحالِ ، وحينئذٍ هل يحتاج إلى إضمار " قد " أم لا ؟ و " الهاء " في " به " يجوز أن تعود على " ربِّي " ، وهو الظاهر . وقيل : على القرآن ؛ لأنه كالمذكور . وقيل : على اسْتِعْجَالهِمْ بالعذاب ؛ لأنهم كانوا يقولون : { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } [ الأنفال : 32 ] . وقيل : على بيِّنةٍ ؛ لأنها في معنى البيانِ . وقيل : لأن " التاء " فيها للمُبالغةِ ، والمعنى على أمرٍ بيِّنٍ من ربي . و " مِنْ ربِّي " في محلِّ جَرِّ صِفَةً لـ " بيِّنَةٍ " . قوله : " ما عِنْدي مَا تَسْتَعْجِلُون بِهِ " كان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يخوِّفهم نزول العذاب , فقال تعالى : قال يا محمَّد : ما عندي ما تَسْتَعْجِلُونَ به ، يعني قولهم : { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [ الأنفال : 32 ] . وقيل : أراد به القِيامَةَ ؛ لقوله تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [ الشورى : 18 ] . قوله : { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ } أي : في تأخير عذابهم . قوله : " يَقُصُّ الحقَّ " قرأ نافع ، وابن كثير ، وعاصم " يَقُصُّ " [ بصاد مهملة مشددة ] مرفوعة ، وهي قراءة ابن عبَّاسٍ ، والباقون بضادٍ معجمة مخففة مكسورة ، وهاتان في المتواتر . وقرأ عبد الله ، وأبَيٌّ ، ويحيى بن وثَّابٍ ، والنخعي ، والأعمش ، وطلحة : " يَقْضِي بالحقِّ " من القضاءِ . وقرأ سعيد بن جُبَيْرٍ ، ومجاهد : " يقضي بالحقِّ وهو خير القاضين " . فأمَّا قراءة " يقضي " فَمِنَ القضاء . ويؤيده قوله : " وهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ " فإن الفَصْلَ يناسب القضاء ، ولم يُرْسَمْ إلاَّ بضاد ، كأن " الباء " حذفت خطَّاً كما حذفت لَفْظاً لالتقاء الساكنين ، كما حُذِفَتْ من نحو : { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُر } [ القمر : 5 ] . وكما حذفت " الواو " في { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } [ العلق : 18 ] { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } [ الشورى : 24 ] كما تقدَّم . وأمَّا قراءةُ نَصْبِ " الحقّ " بعدهُ ، ففيه أربعة أوجه : أحدها : أنه مَنْصُوبٌ على أنه صِفَةٌ لمصدر مَحْذُوفٍ ، أي : يقضي القضاء الحقّ . والثاني : أنه ضمَّن " يقضي " معنى " ينفذ " ، فلذلك عدَّاهُ إلى المفعول به . الثالث : أن " قضى " بمعنى " صَنَع " فيتعدَّى بنفسه من غير تَضْمينٍ ، ويدُلُّ على ذلك قول الهُذَلِيّ شِعْراً : [ الكامل ] @ 2185 - وَعَليْهِمَا مَسْرُودتانِ قَضَاهُمَا دَاوُدُ أوْ صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ @@ [ أي : صنعهما ] داود . الرابع : أنه على إسْقَاطِ حَرْفِ الجرِّ ، أي : يقضي بالحق ، فلما حذف انْتَصَبَ مَجْرُورُهُ على حَدِّ قوله : [ الوافر ] @ 2186 - تَمُرُّونَ الدِّيَار وَلَمْ تَعُوجُوا … @@ ويُؤيِّد ذلك القراءة بها الأصل . وأمَّا قراءةُ " يَقُصُّ " فمن " قَصَّ الحديثَ " , أو مِنْ " قَصَّ الأثَرَ " أي : تتبَّعه . قال تعالى : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [ يوسف : 3 ] . ورجَّحَ أبُو عَمْرِو بْنُ العلاءِ القراءة الأولى بقوله : " الفَاصِلينَ " وحُكِيَ عنه أنه قال : " أهُوَ يَقُصُّ الحقَّ أوْ يَقْضِي الحقَّ " فقالوا : " يَقُصُّ " فقال : لو كان " يَقُصُّ " لقال : " وهو خير القاصِّين " أقَرَأ أحَدٌ بهذا ؟ وحيث قال : وهو خير الفاصلين فالفَصْلُ إنما يكون في القضاءِ . وكأن أبا عمروٍ لم يبلغه " وهو خير القاصين " قراءة ، وقد أجاب أبو علي الفارسي عما ذكره أبو العلاء ، فقال : " القَصَصُ " هنا بمعنى القولِ ، وقد جاء القول في الفَصْل أيضاً ، قال تعالى { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } [ الطارق : 13 ] . وقال تعالى : { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ } [ هود : 1 ] . وقال تعالى : " ونُفَصِّلُ الآياتِ " فقد حمل الفَصْلَ على القول ، واستعمل معه كما جاء مع القضاءِ ، فلا يلزم من الفاصل أن يكون معيناً لـ " يقضي " . فصل في الاحتجاج بالآية لأهل السُّنة أحتج أهل السُّنَّةِ بقوله : { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ } على أنه لا يقدر العَبْدُ على أمر من الأمور إلاَّ إذا قَضَاهُ الله ، فيمتنع منه فعلُ الكُفْرِ إلا إذا قضى اللَّهُ وحكم به ، وكذلك في جميع الأفعال ؛ لأن قوله : { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّه } [ يفيد الحصر ] . واحتج المعتزلة بقوله : " يقضي الحق " ، ومعناه : أن كل ما قضى به فهو الحقّ ، وهذا يقتضي ألاَّ يريد الكفر من الكافر ، ولا المعصية من العاصي ؛ لأن ذلك ليس بحق ، والله أعلم .