Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 55-56)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" الكاف " نعتٌ لمصدر مَحْذُوفٍ ، أو حال من ضمير ذلك المصدر ، كما هو رأي سيبويه ، والإشارةُ بذلك إلى التفصيل السَّابق ، تقديره : مِثْلُ التَّفْصِيل البيِّن ، وهو ما سبق من أحوال الأمم نُفَصِّلُ آيات القرآن . وقال ابن عطية : والإشارةُ بقوله : " وكذلك " إلى ما تقدَّم ، من النَّهْيِ عن طَرْدِ المؤمنين ، وبيان فَسَاده بِنَزْعِ المعارضين لذلك . و { نفَصِّلُ ٱلآيَات } نُبَيِّنُهَا ونَشْرَحُهَا ، وهذا شبيه بما تقدَّم له في قوله : { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا } [ الأنعام : 53 ] وتقدَّم أنه غير ظاهر . قوله : " ولتَسْتَبينَ سَبِيلُ " قرأ الأخوان ، وأبو بكر : " وليَسْتَبِينَ " بالياء من تحت ، و " سَبِيلُ " بالرفع . ونافع : " وَلِتَسْتَبينَ " بالتَّاء من فَوْق ، " سَبِيلَ " بالنصب ، والباقون : بالتاء من فوق ، و " سبيل " بالرفع . وهذه القراءات دائرة على تذكير " السبيل " وتأنيثه وتعدي " استبان " ولزومه ، وإيضاح هذا أن لغة نجد وتميم تذكير " السبيل " وعليه قوله تعالى : { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } [ الأعراف : 146 ] . ولغة " الحجاز " التأنيث ، وعليه { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [ يوسف : 108 ] وقوله : { لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً } [ آل عمران : 99 ] . وقوله : [ البسيط ] @ 2184 - خَلَّ السَّبيلَ لِمَنْ يَبْنِي المَنَارَ بَهَا … @@ وأمَّا " اسْتَبَانَ " فيكونُ مُتعدِّياً ، نحو : " اسْتَبَنْتُ الشَّيء " ، ويكون لازَماً نحو : " اسْتَبَانَ الصُّبْحُ " بمعنى " بَانَ " فمن قرأ بالياء من تحت ، ورفع فإنه أسْنَدَ الفعل إلى " السَّبيل " ، فرفعه على أنه مذكر وعلى أن الفعل لازمٌ . ومن قرأ بالتَّاء من فوق ، فكذلك ولكن لغة التأنيث ، ومن قرأ بالتاء من فوق ، ونصب " السبيل " فإنه [ أسند الفعل إلى المخاطب ، ونصب " السبيل " على ] المفعولية وذلك على تعديته أي : ولتستبين أنت سبيل المجرمين ، فالتاء في " تستبين " مختلفة المعنى ، فإنها في إحدى القراءتين للخطابِ ، وفي الأخرى للتأنيث وهي في كلا الحالين للمُضارعةِ ، و " تستبين " منصوب بإضمار " أن " بعد لام " كي " ، وفيما يتعلق به هذه اللام وجهان : أحدهما : أنها معطوفة على عِلَّةٍ محذوفة ، وتلك العَلَّةُ معمولة لقوله : " نُفَصّل " والمعنى : وكذلك نُفَصِّلُ الآيات لتستبين لكم ولتستبين . والثاني : أنها مُتعلِّقةٌ بمحذوف مُقدَّر بعدها ، أي : ولتسبين سبيل المجرمين فَصَّلْنَاهَا ذلك التَّفْصِيل ، وفي الكلام حَذْفُ مَعْطُوفٍ على رأي ، أي : وسبيل المؤمنين كقوله تعالى : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] . وقيل : لا يحتاج إلى ذلك لأن المقام إنما يَقْتَضِي ذِكْرَ المجرمين فقط ؛ إذ هم الذين أثَارُوا ما تقدم ذكرهُ وقيل : لأن الضَّديْنِ إذا كانا بحيث لا يَحْصُلُ بينما واسطةٌ ، فمتى بَانَتْ خَاصيَّةُ أحد القسمين بانت خاصيَّةُ القسمٍ الآخر ، والحق والباطل لا وَاسِطَةَ بينهما ، فمتى اسْتَبَانَتْ طريقة المجرمين ، فقد استبانت طريقة المُحَقِّقين أيضاً لا محالة . قوله تعالى : { قُلْ إِنِّي نُهِِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } " أن أعبد " في محل " أن " الخلاف المشهور ، إذ هي على حذف حرفٍ ، تقديره : نهيت عن أن أعْبُدَ الذين تدعون من دون الله قل : لا أتَّبعُ أهْوَاءَكُمْ في عِبَادَةِ الأوْثانِ ، وطرْدِ الفقراء . قوله : " قَدْ ضَلَلْتُ إذَنْ " " إذن " حرف جواب وجزاء , ولا عمل لها هنا لعدم فعل تعمل فيه , والمعنى : " إن اتبعت أهْواءكم ضللت وما اهتديت " فهي في قُوَّة شرط وجزاء . وقرأ الجمهور " ضَلَلْت " بفتح " اللام " الأولى . وقرأ أبو عبد الرحمن ، ويحيى ، وطلحة : بكسرها وقد تقدَّم أنها لغة . وقل صاحب " التحرير " عن يحيى , وابن أبي ليلى أنهما قرءا هنا وفي " ألم السجدة " : " أإذا صَلَلْنَا " [ السجدة : 10 ] بصاد غير معجمة يقال : صل اللَّحم أي : أنْتَنَ ، وهذا له بَعْضُ مُناسبةٍ في آية " السجدة " ، وأما هنا فمعناه بعيد أو ممتنع . وروى العباس عن ابن مجاهد في " الشواذ " له : " صُلِلْنَا في الأرْضِ " ، أي : دُفِنَّا في الصِّلَّة ، وهي [ الأرضُ ] الصّلْبَةُ . وقوله : " ومَا أنَا مِن المُهتدينَ " تأكيد لقوله : " قَدْ ضَلَلْتُ " وأتى بالأولى جملة فعلية لِتَدُلَّ على تَجَدُّدِ الفعل وحدوثه ، وبالثانية اسمية لتدل على الثبوت . والمعنى " وما أنا من المهتدين ، يعني إن فعلت ذلك ، فقد تركت سبيل الحقّ ، وسلكت غير سبيل الهدى " .