Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 60-60)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لمَّا بيَّن تعالى كمالَ علمهِ في الآية الأولى - بيَّنَ كمالَ قُدْرتِهِ بهذه الآية ، وهو كونه قَادراً على نَقْلِ الذَّواتِ من المَوْتِ إلى الحياة ، ومن النَّومِ إلى اليَقَظَةِ ، واسْتِقْلاله بحفظها في جميع الأحوال ، وتدبيرها على أحْسَنِ الوجوه في حَالِ النوم واليقظة . قوله : " باللَّيْلِ " متعلّق بما قبله على أنه ظَرْفٌ له ، و " الباءُ " تأتي بمعنى " في " ، وقَدْ تقدَّم منه جملة صالحة . وقال أبو البقاء هنا : وجاز ذلك ؛ لأن " الباء " للإلْصَاقِ والمُلاصِقُ للزمان والمكان حَاصِلٌ فيهما ، يعني في هذه العلاقةِ المجوزة للتَّجَوُّرِ ، وعلى هذا فلا حَاجَةَ إلى أن يَنُوب حَرْفٌ مكان آخر ، بل نقول : هي هنا للإلْصَاقِ مَجَازاً ، نحو ما قالوه في " مررتُ بزيد " ، وأسند التَّوَفِّي هنا إلى ذاتِهِ المُقَدَّسَةِ ، لأنه لا ينفر منه هنا ، إذ المُرَادُ به الدَعَةُ والرَّاحَةُ ، وأسند إلى غيره في قوله : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } [ الأنعام : 61 ] { يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ } [ السجدة : 11 ] لأنه ينفر منه ، إذا المُرَادُ به المَوْتُ . وهاهنا بَحْثٌ ، وهو أن النائم لا شكَّ أنَّهُ حيُّ ، ومتى كان حَيَّاً لم تكن رُوحُهُ مَقْبُوَضَةً ألْبَتَّةً , فلا بُدَّ ها هنا من تأويلٍ ، وهو أنه حالَ النوم تَغُورُ الأرواح الحسَّاسَةُ من الظاهر في الباطن ، فصارت الحواسُّ الظاهِرَةُ مُعَطَّلَةً عن أعمالها ، فعند النوم صار ظَاهِرُ الجَسَدِ مُعَطَّلاً عن كُلِّ الأعمال ، فحصل بين النَّوْم وبين الموت مُشَابَهَةٌ من هذه الحَيْثِيَّةِ ، فلذلك صَحَّ إطلاق لفظ المَوْتِ والوفَاةِ على النوم . قوله : " مَا جَرَحْتُمْ " الظاهر أنها مَصْدَرِيَّةٌ ، وإن كان كونها موصولة اسميةً أكثر ويجوز أن تكون نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بما بعدها ، والعَائِدُ على كلا التقديرين الآخرين مَحْذُوفٌ ، وكذا عند الأخْفَشِ وابن السّراجِ على القول الأول . و " بالنَّهَارِ " كقوله : " باللَّيْلِ " والضميرُ في " فيه " عائد على " النهار " وهذا هو الظاهر . قال أبو حيَّان : " عاد عليه لَفْظاً ، والمعنى : في يوم آخر ، كما تقول : عندي دِرْهَمٌ ونَصْفهُ " . قال شهابُ الدين : ولا حَاجَة في الظَّاهِرِ على عَوْدِهِ على نظير المذكور ، إذ عَوْدُهُ على المذكور لا مَحْذُورَ فيه . وأمَّا ما ذكره من نحو " درهم ونِصْفهُ " فلضرورة انْتِفَاءِ العِيِّ من الكلامِ ، قالوا : لأنك إذا قلت : " عندي درهمٌ " أنَّ عندك نصفه ضرورة . فقولك بعد ذلك : " ونصفه " تضطَرُّ إلى عَوْدِهِ إلى نظير ما عندك ، بخلاف ما نَحْنُ فيه . وقيل : يعود على اللَّيل . وقيل : يعود على التَّوَفِّي ، وهو النوم أي : يوقظكم في خلالِ النوم . وقال الزمخشري : " ثم يَبْعَثكُمْ من القبور في شَأنِ الذي قطعتم به أعْمَارَكُمْ من النوم باللَّيْلِ ، وكَسْب الآثام بالنهار " انتهى . وهو حَسَنٌ . وخَصَّ اللَّيْلَ بالتَّوَفِّي ، والنَّهَارَ بالكَسْبِ إن كان قد يُنَامُ في هذا ويُكْسَبُ في الآخر اعتباراً بالحَالِ الأغلب . وقدَّم التَّوَفِّي بالليل ؛ لأنه أبْلغُ في المِنَّةِ عليهم ، ولا سيَّما عند مَنْ يَخُصُّ الجَرْحَ بكسْبِ الشَّرِّ دُون الخَيْرِ ، ومعنى " جرحتم " أي : كَسَبْتُمْ من العملِ بالنهار . قال تعالى : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ } [ المائدة : 4 ] أي : الكَواسِب من الطير والسِّبَاع ، واحدتها " جارحة " . قال تعالى : { ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } [ الجاثية : 21 ] أي : اكْتَسَبُوا . وبالجملة فالمُرَادُ منه أعمال الجَوَارِح . قوله : " ليُقْضَى أجَلٌ " الجمهور على " لِيُقْضَى " مبنيّاً للمفعولِ ، و " أجَلٌ " رفع به ، وفي الفاعل المَحْذُوفِ احتمالان : أحدهما : أنه ضمير البَارِئ تعالى . والثاني : أنه ضمير المخاطبين أي : لتقضوا آجالكم . وقرأ أبو رجاءٍ ، وطلحة : " ليَقْضِي " مَبْنياً للفاعل ، وهو الله تعالى ، و " أجَلاً " مفعول به ، و " مُسَمى " صفة ، فهو مرفوع على الأوَّل ، ومنصوب على الثاني وتيرتَّبُ على ذلك خلافٌ للقُرَّاءِ في إمالَةِ ألفِهِ ، و " اللام " في " ليقضي " متعلّقة بما قبلها من مجموع الفِعْلَيْن ، أي : يتوفاكم ثُمَّ يبعثكم لأجْلِ ذلك . والمرادُ : الأجَلُ المسمَّى ، أي : عمركم المكتوب . والمعنى : يبعثكم من نومكم إلى أن تَبْلُغُوا آجَالَكُمْ . واعلم أنه - تعالى - لمَّا ذكر أنَّهُ يُنيمُهمْ أولاً ، ثم يوقظهم ثانياً كان ذلك جَارياً مُجْرَى الإحْيَاءِ بعد الإمَاتَةِ ، فلذلك اسْتَدلَّ به على صِحَّةِ البَعْثِ والقِيَامَةِ ، فقال : { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الزمر : 7 ] في ليلكم ونهاركم في جميع أحوالكم .