Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 61-62)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قد تقدَّم الكلامُ على هذه الآية أوَّل السورة . قوله : { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَة } : فيه خمسة أوجه : أحدها : أنه عَطْفٌ على اسم الفاعل الواقع صِلَةً لـ " أل " ؛ لأنه في معنى يَفْعَل ، والتقدير : وهو الذي يقهر عبادَةُ ويرسل ، فعطف الفعل على الاسم ؛ لأنه في تأويله ، ومثله عند بعضهم : { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ } [ الحديد : 18 ] [ قالوا ] : " أقْرَضُوا " عطف على " مُصَّدِّقِين " الواقع صِلَةً لـ " أل " ؛ لأنه في معنى : إنَّ الذين صَدَّقُوا وأقْرَضُوا ، وهذا ليس بشيء ؛ لأنه يلزم من ذلك الفَصْلُ بين أبْعَاضِ الصِّلةِ بأجنبي ، وذلك أن " وأقْرَضُوا " من تمام صِلَةِ " أل " في " المُصَّدِّقين " ، وقد عطف على الموصُولِ قوله " المُصَّدِّقات " وهو أجنبي ، وقد تقرَّر غير مرَّةِ أنه لا يتبع الموصول إلاَّ بعد تمام صلته . وأمَّا قوله تعالى { فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ } [ الملك : 19 ] فـ " يَقْبِضْنَ " في تأويل اسم ، أي : وقابضات . ومن عطف الاسم على الفعل لكونه في تأويل الاسم قوله تعالى : { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ } [ الأنعام : 95 ] . وقوله : [ الطويل ] @ 2189 - فَألْفَيْتُهُ يَوْماً [ يُبِيرُ ] عَدُوَّهُ [ ومُجْرٍ ] عَطَاءً يِسْتَخِفُّ المعَابِرَا @@ والثاني : أنها جملة فعلية على جملة اسمية وهي قوله : " وهُوَ القَاهِرُ " . والثالث : أنها مَعْطُوفَةٌ على الصِّلَةِ ، وما عطف عليها ، وهو قوله : " يَتَوَفَّاكُمْ " و " يَعْلَم " وما بعده ، أي : وهو الذي يتوفاكم ويرسل . الرابع : أنَّهُ خبر مبتدأ محذوف ، والجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ ، وفي صاحبها وجهان : أظهرهما : أنه الضمير المُسْتَكِنُّ في " القَاهِرِ " . والثاني : أنها حالٌ من الضمير المُسْتَكِنَّ في الظرف ، هكذا قال أبو البقاء ، ونقله عنه أبُو حيَّان قال : " وهذا الوجهُ أضعفُ الأعاريبِ " . وقولهما : " الضمير الذي في الظرف " ليس هنا ظَرْفٌ يُتَوَهَّمُ كون هذه الحال من ضمير فيه ، إلاَّ قوله : " فَوْقَ عِبَادِهِ " ، ولكن بأيِّ طريق يتحمَّلُ هذا الظرف ضميراً ؟ والجوابُ : أنه قد تقدَّم في الآية المشبهة لهذه أن " فَوْقَ عِبَادِهِ " فيه خمسة أوجه : ثلاثة منها تتحمَّلُ فيها ضَمِيراً ، وهي : كونه خبراً ثانياً ، أو بَدَلاً من الخبرِ ، أو حالاً ، وإنما اضْطررْنَا إلى تقدير مبتدأ قَبْلَ " يُرْسِلُ " ؛ لأن المضارع المثبت إذا وقع حالاً لم يقترن بالواو كما تقدَّم إيضاحه . والخامس : أنها مُسْتَأنَفَةٌ سيقت للإخبار بذلك ، وهذا الوجه هو في المعنى كالثاني . قوله : " عليكم " يحتملُ ثلاثة أوجه : أظهرها : أنه متعلّق بـ " يرسل " ومنه { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ } [ الرحمن : 35 ] { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ } [ الأعراف : 133 ] { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً } [ الفيل : 3 ] إلى غير ذلك . والثاني : أنه متعلّق بـ " حَفَظَة " ، يقال : حفظت عليه عمله ، فالتقدير : ويرسل حَفَظَةً عليْكُمْ . قال أبو حيَّان : أي : يحفظون عليكم أعمالكم ، كما قال : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } [ الانفطار : 10 ] كما تقول : حفظت عليك ما تعمل فقوله كما قال تشبيه من حيث المعنى ، لا أن " عَلَيْكُمْ " تعلَّقَ بـ " حافظين " ؛ لأن " عَلَيْكُمْ " هو الخبر لـ " أنَّ " ، فيتعلق بمحذوف . والثالث : أنه مُتَعلِّقٌ بمحذوف على أنه حالٌ من " حَفَظَة " ، إذ لو تأخَّر لجاز أن يكون صِفَةً لها . قال أبو البقاء : " عَلَيْكُمْ " فيه وجهان : أحدهما : هو مُتعلّق بـ " يرسل " . والثاني : أن يكون في نِيَّةِ التَّأخير ، وفيه وجهان : أحدهما : أن يتعلَّق بنفس " حَفَظَة " , والمفعول محذوف ، أي : يرسل عليكم من يحفظ أعمالكم . والثاني : أن يكون صفة لـ " حفظة " قدمت فصارت حالاً . قوله : والمفعول محذوف يعني : مفعول " حفظة " ، إلاَّ أنَّهُ يُوهِمُ أنَّ تقدير المفعول خاصُّ بالوجه الذي ذكره ، وليس كذلك ، بل لا بُدَّ من تقديره على كُلِّ وجْهِ ، و " حَفَظَة " إنما عمل في ذلك المقدَّر لكونه صِفَةً لمحذوفٍ تقديره : ويرسل عليكم ملائكة حَفَظَةً ؛ لأنه لا يعمل إلاَّ بشروطٍ هذا منها ، أعني كونه معتمداً على موصوف ، و " حفظة " جمعُ " حافظ " ، وهو مُنْقَاسٌ في كُلِّ وصْفٍ على فاعلٍ صحيح " اللام " لعقلٍ مذكرٍ ، كـ " بارِّ " و " بَررَة " ، و " فاجر " و " فَجَرة " ، و " كاملٍ " و " كَمَلَه " ، وينقل في غير العاقل ، كقوله : " غُرابٌ نَاعقٌ " و " غِرْبَانٌ نعقة " . فصل في معنى الحفظة هؤلاء الحفظةُ هم المذكورون في قوله تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 11 ] . وقوله : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد } [ ق : 18 ] وقوله : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِين كِرَاماً كَاتِبِينَ } [ الانفطار : 10 ، 11 ] . والمقصود بهؤلاء الحفَظةِ ضَبْطُ الأعمال ثم اختلفوا فقيل : إنهم يكتبون الطَّاعات والمعاصي والمُباحَات بأسْرِهَا لقوله تعالى : { مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } [ الكهف : 49 ] . وعن ابن عبَّاسٍ أنَّ مع كُلِّ إنْسَان ملكيْنِ ؛ أحدهما : عن يمينه ، والآخرُ عن يسارِهِ ، فإذا تَكَلَّمَ الإنْسانُ بِحَسَنَةٍ كتبها [ من ] على اليمين ، وإذا تكلَّمَ بسيئة قال مَنْ على اليمين للذي على اليَسَارِ : انتظره لَعلَّهُ يتوب منها ، فإن لم يَتُبْ كتبت عليه . والأوَّلُ أقوى ؛ لأن قوله : " يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً " يفيد حفظة الكل من غير تخصيص . والثاني : أنَّ ظاهِرَ هذه الآية يَدُلُّ على اطِّلاعِ هؤلاء الحَفَظةِ على الاقْوالِ والأفْعَالِ أمَّا على صفاتِ القلوب ، وهو العِلْمُ والجَهْلُ ، فليس في هذه الآيات ما يَدُلُّ على اطِّلاعِهِمْ عليها . أمَّا في الأقوال ، فلقوله تعالى : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد } [ ق : 18 ] . وأمَّا في الأفعال ، فلقوله تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الانفطار : 10 - 12 ] . وأمَّا الإيمان والكُفْرُ ، والإخلاصُ والإشراك فلم يَدُلَّ دليل على اطِّلاعِ الملائكة عليها . فصل في فائدة توكيل الملائكة علينا وفي فائدة جَعْلِ الملائكة مُوَكّلين على بين آدم وجوه : أحدها : أنَّ المُكَلَّفَ إذا علم أن الملائِكَة مُوَكلين به يُحْصُون عليه عمله ، ويكتبونه في صَحِيفَةٍ تُعْرَضُ على رءوس الاشهاد في مواقف القِيَامَةِ كان ذلك أزْجَرَ له عن القَبَائِحِ . والثاني : يحتمل أن تكون الكِتابةُ لفائدة وَزْنِ تلك الصَّحائِفِ يوم القيامة ؛ لأن وَزْنَ الأعمال غير مُمْكِنٍ ، أمَّا وزنُ الصحائف ممكن . وثالثها : يَفْعَلُ اللَّهُ ما يشَاءُ ، ويحكم ما يريد ، ويجب علينا الإيمانُ بكل ما ورد به الشرع ، سواءَ عقلناه أم لم نعقله . قوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } تقدَّم مثله . وقوله : " تَوَفَّتْهُ " قرأ الجمهور " تَوَفَّتْهُ " ، ماضياً بتاء التأنيث لتأنيث الجمع . وقرأ حمزة : " تَوَفَّاهُ " من غير تاء تأنيث ، وهي تحتمل وجهين . أظهرهما : أنه ماضٍ ، وإنما حذفَ تاء التأنيث لوجهين : أحدهما : كونه تأنيثاً مجازياً . والثاني : الفَصْلُ بين الفِعْلِ وفاعله بالمفعول . والثاني : أنه مضارع ، وأصله : تَتَوَفَّاهُ بتاءين ، فحذفت إحداهما على خلافٍ في أيَّتهما كـ " تَنَزَّلُ " وبابه ، وحمزة على بابه في إمالة مثل هذه الألف . وقرأ الأعمش : " يَتَوَفَّاهُ " مُضارعاً بياء الغَيْبَةِ اعتباراً بكونه مؤنثاً مجازياً ، أوْ للفَصْلِ ، فهو كقراءة حَمْزَةَ في الوجْهِ الأوَّل من حيث تذكير الفعلِ وكقراءته فغي الوَجْهِ الثاني من حيث إنه أتى به مُضَارعاً . وقال أبو البقاء : " وقرئ شاذاً " " تَتَوفَّاهُ " على الاسْتِقْبَالِ ، ولم يذكر بياء ولا تاء . فصل في بيان أن الوفاة من الله قال الله تعالى : { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } [ الزمر : 42 ] وقال : { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ } [ تبارك : 2 ] وهذان النَّصانِ يَدُلاَّنِ على أنَّ توفي الأرواح ليس إلاَّ من اللَّهِ . وقال تعالى : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [ السجدة : 11 ] وهذا يقتضي أن الوفاة لا تحصلُ إلاَّ من ملك الموت . وقال في هذه الآية : " تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا " ، فهذه النصوص الثلاثة كالمُتَنَاقضة . والجوابُ : أن التَّوَفِّي في الحقيقة إنما حَصَلَ بِقُدْرَةِ الله تعالى ، وهو في الظاهر مُفَوَّضٌ إلى مَلَكِ الموت ، وهو الرئيس المُطْلَق في هذا الباب ، وله أعْوَانٌ وخدمٌ فَحَسُنَتْ إضافة التَّوَفِّي إلى هذه الثلاثة بحسبِ الاعتبارات الثلاثة . وقيل : أراد بالرُّسُلِ ملك الموت وحده ، وذكر الواحد بلفظ الجمع . وجاء في الأخبار أنَّ اللَّه - تعالى - جعل الدُّنْيَا بين يدي مَلَكِ الموت كالمائدةِ الصَّغيرة ، فَيَقْبِضُ من هاهنا ، ومن هاهنا ، فإذا كَثُرَت الأرواح يدعو الأرواح فتجيب له . فصل في بيان أن الحفظة لا شأن لهم بالموت قال بعضهم : هؤلاء الرُّسُلُ الذين يَتَوفَّون الخلْقَ هم الحفظةُ يحفظونه في مُدَّةِ الحياة ، وعند مجيء الموْتِ يِتوفَّوْنَهُ ، والأكثرون على أنَّ الحفظةَ غير الذين يَتَولَّونَ الوفاة . قوله : { وهُمْ لا يُفَرِّطُونَ } هذه الجملة تحتمل وجهين : أظهرهما : أنها حالٌ من " رسلنا " . والثاني : أنها اسْتِئْنَافِيَّةٌ سيقت للإخبار عنهم بهذه الصِّفة ، والجمهور على التشديد في " يُفَرِّطُون " ، ومعناه : لا يُقَصِّرُون . وقرأ عمرو بن عُبيد والأعرج " يُفْرطُون " مخففاً من " أفرط " ، وفيها تأويلان : أحدهما : أنها بمعنى : لا يجاوزون الحَدَّ فيما أمِرُوا به . قال الزمخشري : " فالتفريط : التَّوَاني والتأخير عن الحَدِّ ، والإفراطُ مُجَاوَزَةُ الحدِّ أي : لاينقصون مما أمروا بِهِ ، ولا يزيدون " . والثاني : أنَّ معناه لا يتقدَّمُون على أمْرِ الله ، وهذا يحتاج إلى نَقْلِ أنَّ " أفْرَطَ " بمعنى " فَرَّط " ، أي : تقدَّم . قال الجَاحِظُ قريباً من هذا فإنه قال : " معنى لا يُفْرِطون : لا يدعون أحَداً يَفْرُط عنهم ، أي : يَسْبِقُهُمْ ويفوتهم " . وقال أبو البقاء : ويقرأ بالتخفيف ، أي : لا يزيدون على ما أمِرُوا به ، وهو قريبٌ مما تقدَّم . قوله : { ثُمَّ رُدُّوا إلى الله } . قيل : المردود : هم الملائكة يعني كما يَمُوتُ ابن آدم تموت أيضاً الملائكة . وقيل : المراد : البَشَرُ يعني : أنهم بعد موتهم يُرَدُّون إلى اللَّهِ تعالى . وهذه الآية تَدُلُّ على أنَّ الإنسانَ ليس مُجَرَّدَ هذه البنية ؛ لأن صريح هذه الآية يَدُلُّ على حُصُولِ الموْتِ لِلْعَبْدِ ، ويَدُلُّ على أنه بعد الموْتِ يُردُّ إلى اللَّهِ ، والميِّتُ مع كونه مَيِّتاً لا يمكن أن يرد إلى اللَّهِ ؛ لأن ذلك الرَّدَّ ليس بالمكان والجهة لكونه - تعالى - مُتَعَالياً عن المكان والجهة ، فوجب أن يكون ذلك الرَّدُّ مُفَسَّراً بكونه مُنْقَاداً لِحُكْمِ اللَّهِ . وما لم يكن حَيَّاً لم يَصِحَّ هذا المعنى فيه . وقد ثبت أنَّ هاهنا مَوْتاً وحياة ، أما الموت فنصيب البدنِ ، فبقى أن تكون الحياةُ نَصِيبَ النَّفْسِ والروح ، فلمَّا قال تعالى : { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّه } ثبت أنَّ المَرْدُودَ هو النَّفْسُ والرُّوحُ ، وثبت أن الإنسان ليس إلاَّ النَّفْسُ والروح ، وهو المطلوب . فصل في عموم الآية الآية في المؤمنين والكافرين جميعاً ، وقد قال في آية أخرى { وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } [ محمد : 11 ] فكيف وجه الجمع ؟ فقيل : المَوْلَى في تلك الآية بمعنى النَّاصر ، ولا نَاصِرَ لِلْكُفَّارِ ، والمولَى هاهنا بمعنى الملكِ الذي يتولَّى أمُورَهُمْ ، والله - عزَّ وجلَّ - مَالِكُ الكُلِّ ومُتولِّي أمورهم . وقيل : المراد - هاهنا - المؤمنين خاصَّة يُرَدُّونَ إلى مَولاهُمْ ، والكُفَّارُ فيه تَبَعٌ . قوله : " مَوْلاهُمُ الحَقُّ " صِفتانِ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ . وقرأ الحسنُ ، والأعمش : " الحقَّ " نَصْباً ، وفيه تأويلان : أظهرهما : أنه نَعْتٌ مقطوع . والثاني : أنه نَعْت مَصْدر محذوف ، أي : رَدُّوا الرَّدَّ الحقَّ لا الباطل ، وقرئ رِدُّوا بكسر الرَّاء ، وتقدَّم تخريجها . والضميرُ في " مَوْلاهم " فيه ثلاثة أوجهٍ : أظهرها : أنه للعباد قوله : " فَوْقَ عِبَادِهِ " فقوله : { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } التِفَاتٌ ؛ إذ الأصل : ويرسل عليهم ، وفائدة هذا الالتِفَاتِ والتَّنْبِيهُ والايقَاظُ . والثاني : أنه يعود على الملائكة المعنيّين بقوله : " رسلنا " يعني انهم يموتون كما يموت بَنُو آدَمَ ، ويُرَدُّون إلى ربِّهِمْ كما تقدَّم . والثالث : أنه يعود على " أحدٍ " في قوله : { جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } [ الأنعام : 61 ] ؛ إذ المراد به الجَمْعُ لا الإفراد . قوله : { ألاَ لَهُ الحُكْمُ } ، أي : لا حُكْمَ إلاَّ لِلَّهِ ؛ لقوله : { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ } [ يوسف : 40 ] ، والمراد بالحُكْمِ القضاء { وهُوَ أسْرَعُ الحَاسِبينَ } ، أي : حسابه يرفع لا يحتاج إلى فِكْرٍ ورويَّةٍ ، واختلفوا في كيفية هذا الحساب ، فقيل : إنه - تعالى - يحاسب الخَلْقَ بنفسه دفعة واحدةً لا يشغله كلامٌ عن كلامٍ . وقيل : بل يأمر اللَّهُ الملائكة أن يحاسب كُلُّ واحدٍ منهم واحداً من العبادِ ؛ لأنه - تعالى - لو حاسبَ الكُفَّار بنفسه لتكلَّم معهم ، وذلك بَاطِلٌ ؛ لقوله تعالى في صِفَةِ الكُفَّارٍ : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ البقرة : 174 ] . فصل في رد شبهة حدوث الكلام احْتَجَّ الجُبَّائي بهذه الآيةِ على حُدُوثِ كلام اللَّهِ . قال : لو كان كلامُهُ قديماً لوجب أن يكُون مُتَكلماً بالمُحَاسَبَةِ الآن ، وقبل خلقه ، وذلك مَحَالٌ ؛ لأن المُحَاسَبَة تقتضي حكاية عمل تقدَّم . وأجيب بالمُعَارَضَةِ بالعِلْمِ ، فإنه تعالى كان قبل المَعْلومِ عالماً بأنه سَيُوجد ، وبعد وجوده صار عالماً بأنه وجد قبل ذلك ، ولم يَلْزَمْ منه تَغَيُّرُ العلم ، فَلِمَ لا يجوز مثله في الكلام . والله أعلم .