Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 81-82)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قد تقدَّم الكلامُ على " كيف " في أوَّل البقرة [ آية 28 ] ، و " ما " يجوز فيها ثلاثة أوجهٍ ، أعني كونها مَوْصُولةً اسميةً , أو نكرة موصوفة , أو مصدريَّة , والعائد على الأوَّلَيْنِ محذوف , أي : ما أشركتموه باللَّهِ , أو إشراككم باللَّهِ غيره . وقوله : " وَلاَ تَخَافُون " يجوز في هذه الجملة أن تكون نَسَقاً على " أخَاف " فتكون داخِلَةً في حيِّز التَّعْجُّبِ والإنكار ، وأن تكون حاليةً ، أي : وكيف أخاف الذي تشركون حال كونكم أنتم غير خائفين عاقبة إشراككم ، ولا بُدَّ من إضْمَارِ مبتدأ قبل المضارع المنفي بـ " لا " لما تقدَّم غير مرَّةٍ ، أيك كيف أخاف الذي تشركون ، أو عاقبة إشراككم حال كونكم آمنين من مَكْرِ اللَّهِ الذي أشركتم به غيره ، وهذه الجملة وإن لم يكن فيها رَابِطٌ يعود على ذِي الحالِ لا يَضُرُّ ذلك ، لأن الواو بنفسها رابطة . وانظر إلى حُسْنِ هذا النَّظْمِ السَّوِيِّ , حيث جعل متعلّق الخَوْفِ الواقع منه الأصنام ، ومتعلق الخوف الواقع منهم إشراكهم باللَّهِ غيره تَرْكاً لأن يعادل الباري - تعالى - لأصنامهم لو أبْرَزَ التركيب على هذا ، فقال : " ولا تخافون اللَّه " مُقَابَلَةً لقوله : " وكيف أخافُ معبوداتكم " . وأتى بـ " ما " في قوله : " ما أشركتم " وفي قوله : { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً } إلاَّ أنهم غير عقلاء ؛ إذ هي جماد وأحْجَارٌ وخشبٌ كانوا يَنْحِتُونَهَا ويعبدونها . وقوله : " مَا لَمْ يُنَزِّلْ " مفعول لـ " أشركتم " ، وهي موصولة اسميَّة أو نكرة ، ولا تكون مَصْدريَّةً لفساد المعنى ، و " به " و " عليكم " ، متعلقان بـ " يُنَزِّلْ " ويجوز في " عَلَيْكُمْ " وجه آخر ، وهو أن يكون حالاً ، من " سُلْطَاناً " ؛ لأنَّهُ لو تَأخَّر عنه لجاز أن يكون صِفَةً . وقرا الجمهور : " سُلْطَاناً " ساكن اللام حيث وقع ، وقُرِئَ بِضَمِّهَا ، وهل هي لغة مُسْتَقِلَّةٌ ، فيثبت فيها بناء فعل بضم الفاء والعين ، أو هي إتباع حركةٍ لأخرى . ومعنى الآية : وكيف أخَافُ الأصنام التي لا قُدْرَةَ لها على النَّفْعِ والضُّرِّ ولا تُبْصرُ ولا تَسْمَعُ , وأنتم لا تخافون من الشِّرْكِ الذي هو أعظم الذنوب ، وليس لكم حُجَّةٌ على ذلك . وقوله : { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } أي : ما لكم تنكرون عَلَيَّ الأمْنَ في موضع الأمن ، ولا تنكرون على أنفسكم الأمْنَ في موضع الخوفِ فقال : { فَأيُّ الفريقَيْنِ أحَقُّ } ولم يَقُل : " فايُّنَا أحَقُّ نَحْنُ أم أنتم " إلزاماً لِخَصْمِهِ بما يدَّعيهِ عليه , واحترازاً من تَزْكِيَة نفسه ، فعدل عنه إلى قوله : { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } ، يعني : فريق المشركين أم الموحدين ؟ وهذا بخلاف قول الآخر : [ الكامل ] @ 2227 - فَلَئِنْ لَقِيتُكَ خَالِيَيْنِ لَتَعلَمَنْ أيِّي وأيُّكَ فَارِسُ الأحْزَابِ @@ فَلِلِّهِ فَصَاحَة القُرْآن وآدابه . وقوله : " إنْ كُنْتُمْ " جوابه محذوف ، أي : فأخبروني ، ومتعلّق العلم محذوف ، ويجوز ألاَّ يُرَادَ له مفعول ؛ أي : إن كنتم من ذوي العلم . قوله : " الَّذِينَ آمَنُوا " هل هو من كلام إبراهيم ، أو من كلام قومه ، أو من كلام اللَّهِ تعالى ؟ ثلاثة أقوالٍ ، وعليها يَتَرتَّبُ الإعرابُ . فإن قلنا : إنها من كلام إبراهيم كانت جواباً عن السؤال في قوله " فأيُّ الفَريقَيْنِ " . وكذا إن قلنا : إنها كلام قومه ، وأنهم أجابوا بما هو حُجَّة عليهم كأن الموصول خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هم الذين آمنوا ، وإن جعلناه من كلام اللَّهِ تعالى ، وأنَّهُ أمَرَ نَبِيَّهُ بأن يجيب به السُّؤال المتقدم ، فكذلك أيضاً . وإن جعلناه لِمُجَرَّدِ الإخبار من الباري - تعالى - كان الموصول مبتدأ ، وفي خبره أوجه : أحدها : أنه الجملة بعده ، فإن " أولئك " ، و " أولئك " مبتدأ ثانٍ ، و " الأمن " مبتدأ ثالث ، و " لهم " خبره ، والجملةُ خَبَرُ " أولئك " ، و " أولئك " وخبره خبر الأوَّلِ . الثاني : أن يكون " أولئك " بَدَلاً أو عطف بَيَان ، و " لهم " خبر الموصول ، و " الأمن " فاعلٌ به لاعتماده . الثالث : كذلك ، إلا أنَّ " لهم " خبرٌ مقدَّم ، و " الأمن " مبتدأ مؤخر ، والجُمْلَةُ خبر الموصُول . الرابع : أن يكون " أولئك " مبتدأ ثانياً ، و " لهم " خبره ، و " الأمن " فاعل به ، والجملةُ خبر الموصول . الخامس : وإليه ذهب أبو جَعْفَرٍ النحاسُ ، والحوفي أن " لهم الأمن " خبر الموصول ، وأن " أولئك " فَاصِلَةٌ ، وهو غريب ؛ لأن الفَصْلَ من شَأنِ الضمائر لا من شَأنِ أسماء الإشارة . وأمَّا على قولنا بأن " الذين " خبر مبتدأ محذوف ، فيكون " أولئك " مبتدأ فقط ، وخبره الجملة بعده ، أو الجار وَحْدَهُ ، و " الأمْن " فاعل به ، والجملة الأولى على هذا مَنْصُوبةٌ بقولٍ مُضْمَرٍ ، أي : قُلْ لهم الذين آمنوا إن كانت من كلام الخليل , أو قالوا هم الذين إن كانت من كلام قومه . قوله : " وَلَمْ يَلْبِسُوا " يجوز فيه وجهان : أحدهما : أنها مَعْطُوفَةٌ على الصِّلةِ ، فلا مَحضلِّ لها حينئذٍ . والثاني : أن تكون الواو للحال ، الجملة بعدها في محلِّ نصبٍ على الحال ، أي : آمنوا غير مُلْبسينَ بِظُلْم . وهو كقوله تعالى : { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } [ مريم : 20 ] ، ولا يُلْتَفَتُ إلى قول ابن عصفور ، حيث جعل وقوع الجُمْلَةِ المنفية حالاً قليلاً ، ولا إلى قَوْلِ ابن خَرُوفٍ ، حيث جعل الواو واجِبَة الدخول على هذه الجملة ، وإن كان فيها ضَمِيرٌ يعود على الحالِ . والجمهور على " يَلْبِسُوا " بفتح الياء بمعنى " يخلطونه " . وقرأ عكرمةُ بضمها من الإلْبَاسِ . " وهُمْ مُهْتَدُونَ " يجوز اسْتِئْنَافُهَا وحاليتها . فصل في تفسير الآية روى عَلْقَمَةُ عن عَبْدِ اللَّهِ قال : لما نزلت { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شقَّ ذلك على المُسلمينَ ، فقالوا : يا رسول اللَّهِ ، فأيُّنَا لا يَظْلِمُ نفسه ، فقال : لَيْسَ ذلِكَ ، إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ ، ألَمْ تَسْمَعُوا إلى ما قال لُقْمان لابنه : { يَٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] .