Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 84-88)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في " وهبنا " وجهان : أصحهما : أنها مَعْطُوفةٌ على الجملة الاسمية من قوله : " وتِلْكَ حُجَّتُنَا " وعطف الاسْمِيَّة على الفعلية وعكسه جائز . والثاني : أجازه ابن عطيَّة ، وهو أن يكون نَسَقاً علت " آتَيْنَاهَا " ورَدَّهُ أبُو حيَّان بأن " آتَيْنَاهَا " لها مَحَلٌّ من الإعراب ، إمَّا الخبر وإمَّا الحال ، وهذه لا مَحَلَّ لها ؛ لأنها لو كانت مَعْطُوفَةً على الخَبَر أو الحال لاشترط فيها رابط ، و " كُلاً " مَنْصُوبٌ بـ " هَدَيْنَا " بعده . والتقدير : وكلّ واحدٍ من هؤلاء المذكورين . فصل في المراد بالهداية اختلفوا في المُرادِ بهذه الهداية ، وكذا في قوله : { وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } وقوله في آخر الآيات { ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ } قال بعض المُحَقَّقين : المُرَادُ بهذه الهداية الثَّوابُ العظيم ، وهو الهداية إلى طريق الجنَّةِ ؛ لقوله بعده { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } وجزاء المحسنين هو الثواب ، وأمَّا الإرشاد إلى الدين ، فلا يكون جَزَاءً على عَمَلِهِ . وقيل : لا يَبْعُدُ أن يكون المُرَادُ الهدايةَ إلى الدِّينِ ، وإنما كان جَزاءً على الإحسان الصادر منهم ؛ لأنهم اجْتَهَدُوا في طَلَبِ الحقِّ ، فاللَّهُ - تعالى - جَازَاهُمْ على حُسْنِ طلبهم بإيصالهم إلى الحقِّ ، كقوله { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت : 69 ] . وقيل : المُرَادُ بهذه الهداية الإرْشَادُ إلى النُّبُوَّةِ والرسالة ؛ لأن الهداية المَخْصُوصَةَ بالأنبياء ليست إلاَّ ذلك . فإن قيل : لو كان كذلك لكان قوله : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } يقتضي أن يكون الرِّسَالةُ جزاءً على عملٍ ، وذلك باطلٌ . فالجوابُ أنَّ قوله : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } يحمل على الجزاءِ الذي هو الثَّوابُ ، فيزول الإشْكَالُ . واعلم أنَّهُ - تعالى - لمَّا حَكى عن إبراهيم أنه أظْهَرَ حُجَّةَ اللَّهِ في التوحيد ، وذَبَّ عنها عدَّدَ وجوه نعمِهِ وإحْسانِهِ إلَيْهِ . فأوّلها : قوله : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } [ الأنعام : 83 ] أي : نحن آتَيْنَاهُ تلك الحُجَّةَ ، وهديناه إليها ، وأفَقْنَا عَقْلَهُ على حقيقتها ، وذكر نَفْسَهُ باللفظ الدَّالِّ على العظمةِ [ وذلك يوجب ] أن تكون تلك النعمة عظيمة . وثانيها : أنه - تعالى - خَصَّهُ بالرِّفْعَةِ إلى الدَّرجاتِ العالية ، وهو قوله : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ } [ الأنعام : 83 ] . وثالثها : أنه - تعالى - جَعَلهُ عَزيزاً في الدُّنْيَا ؛ لأنه جُعِلَ للأنبياء والداً ، والرُّسُلُ من نَسْلِهِ ومن ذُرَّيَّتِهِ ، وأبقى هذه الكَرَامَةَ في نَسْلِه إلى يوم القيامةِ فقال : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ } لِصُلْبِهِ و " يَعْقُوبَ " بعده من إسحاق . فإن قيل : لِمَ لَمْ يذكر إسماعيل - عليه الصَّلاة والسَّلام - مع إسحاق ، بل أخَّرَ ذِكْرَهُ [ عنه ] بدرَجَاتٍ ؟ فالجوابُ : أن المقصود بالذِّكْرِ هاهنا أنبياء بني إٍسرائيل ، وهم بِأسْرِهِمْ أولاد إسحاق . وأمَّا إسماعيلُ فإنه لم يخرج من صُلْبِهِ نَبِيُّ إلاَّ محمدٌ عليه الصَّلاة والسَّلام ، [ ولا يجوز ذكر محمد - عليه الصلاة والسلام - في هذا المقام ؛ لأنه تعالى أمر محمداً ] أن يحتجَّ على العربِ في نفي الشِّرْكِ باللَّهِ بأنَّ إبراهيم لمَّا تركَ الشرك وأصَرَّ على التَّوحيدِ رَزَقَهُ اللَّهُ النِّعَمَ العظيمة في الدنيا بأن آتاه أوْلاداً كانوا أنبياء ومُلُوكاً ، فإذا كان المحتج بهذه الحُجَّةِ هو محمد - عليه الصَّلاة والسَّلامُ - امتنع أن يذكر في هذا المعرض . فلهذا السبب لم يذكر إسماعيل مع إسحاق . قوله : { وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } فالمُرَادُ أنَّهُ - تعالى - جعل إبراهيم في أشْرَفِ الأنْسَابِ ؛ لأنه رَزَقَهُ أوْلاداً مثل إسحاق ويعقوب ، وجعل أنبياء بني إسرائيل من نَسْلِهِمَا ، وأخرجه من أصْلابِ آباءِ طَاهِرينَ مثل " نوح " و " شيث " و " إدريس " ، والمقصود بيانُ كرامَةِ إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - بحسب الأولاد والآباء . قوله : " من ذُرِّيتِهِ " " الهاء " فيها وجهان : أحدهما : أنها تعود على نُوح ؛ لأنه أقْرَبُ مذكورٍ , ولأنَّ إبراهيم ومن بعده من الأنبياء كلهم مَنْسُوبُون إليه ، [ ولأنه ذّكر من جملتهم لُوطاً ، وهو كان ابن أخي إبراهيم أو أخته ، ذكره مَكِّي وغيره ، وما كان من ذُرِّيَّتِهِ ، بل كان من ذُرِّيَّةِ نُوحٍ عليه السلام ، وكان رسولاً في زمن إبراهيم . وأيضاً : يونس - عليه الصَّلاة والسَّلام - ما كان من ذُرِّيَّةِ إبراهيم . وأيضاً قيل : إنَّ ولد الإنسان لا يُقالُ : إنَّهُ ذُرِّيَّةٌ ، فعلى هذا إسماعيل - عليه الصلاة والسلام - ما كان من ذُرِّيَّةِ إبراهيم ] . الوجه الثاني : أنها تعود على إبراهيم ؛ لأنه المحدث عنه والقِصَّةٌ مَسُوقَةٌ إلى ذكره وخبره ، وإنما ذكر نوحاً ، لأن إبراهيم كونه من أولاده أحد موجبات رَفْعِهِ إبراهيم . ولكن رُدَّ هذا القَوْلُ بما تقدَّم من كون لوط ليس من ذُرِّيَّتِهِ إنما هو ابن أخيه أو أخته ذكر ذلك مكي وغيره . وقد أجيب عن ذلك , فقال ابن عباس : هؤلاء الأنبياء كلهم مُضَافُونَ إلى ذُرِّيَّةِ إبراهيم ، وإن كان فيهم من لم يلحقه بولادةٍ من قبلِ أمٍّ ولا أبٍ ؛ لأن لُوطاً ابن أخي إبراهيم ، والعربُ تجعلُ العَمَّ أباً ، كما أخبر اللَّهُ - تعالى - عن ولدِ " يعقوب " أنهم قالوا : { نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } [ البقرة : 133 ] وقال أبو سليمان الدِّمَشْقِيُّ : " ووهَبْنَا لَهُ لُوطاً " في المُعَاضَدَةِ والمُناصَرَةِ ، فعلى هذا يكون " لوطاً " منصوباً بـ " وَهْبَنَأ " من غير قَيْدٍ ؛ لكونه من ذُرِّيَّتِهِ . وقوله : " داود " وما عطف عليه مَنْصُوبٌ إما بفعل الهِبَةِ ، وإما بفعل الهداية . و " مِنْ ذُرِّيَّتِهِ " يجوز فيها وجهان : أحدهما : أنه متعلّق بذلك الفعل المحذوف ، وتكون " مِنْ " لابتداء الغاية . والثاني : أنها حال أي : حال كون هؤلاء الأنبياء مَنْسُوبِينَ إليه . قوله : " وكذَلِكَ نَجْزِي " الكاف في مَحَلِّ نَصْبٍ نعتاً لمصدر محذوف ، أي : نجزيهم جَزَاءً مِثْلَ ذلك الجَزَاء ، ويجوز أن يكون في مَحَلِّ رفع ، أي الأمر كذلك ، وقد تقدَّم ذلك في قوله : " وكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ " . ومعنى " كذلك " أي : كما جزينا إبراهيم على تَوْحِيدِهِ بأن رفعنا درجته ، ووهبنا له أولاداً أنبياء أتْقِيَاءَ ، كذلك نجزي المحسنين على إحسانهم . فصل في بيان نسب بعض الأنبياء " داود " ابن إيشا . و " سليمان " هو ابنه . و " أيوب " ابن موص بن رازح بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم . و " يوسف " إبن يَعْقُوبَ بن إسحاق بن إبراهيم . و " موسى " ابن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب . و " هارون " أخو موسى أكبر منه بِسَنَةٍ ، وليس ذكرهم على ترتيب أزمانهم . واعلم أنه - تعالى - ذكر أوَّلاً أربعة من الأنبياء ، وهم : " نوح " و " إبراهيم " و " إسحاق " و " يعقوب " ، ثم ذكر من ذُرِّيَّتِهِمْ أربعة عشر من الأنبياء : " داود " و " سليمان " و " أيُّوب " ، و " يوسف " ، و " موسى " ، و " هارون " و " زكريا " ، و " يحيى " ، و " عيسى " ، و " إلياس " ، و " إسماعيل " ، و " إليسع " ، و " يونس " ، و " لوطاً " . فإن قيل : رعاية التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ ، والترتيب إمّا أن يعتبر بحسب الفَضْلِ والدرجة ، وإما أن يعتبر بحسبِ الزمان ، والترتيب بحسب هذين النوعين غير معتبر هنا فما السَّبَبُ فيه ؟ فالجوابُ أن " الواو " لا توجب التَّرْتِيبَ ، وهذه الآية أحَدُ الدلائل على صِحَّةِ هذا المطلوب . قوله : " وزكريا " وهو ابن إدّ وبرخيَّا و " يحيى " هو ابنه و " عيسى " هو ابن مريم ابنة عمران . واسْتُدِلَّ بهذه الآية على أن الحسنَ والحُسيْنَ من ذُرِّيَّةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الله - تعالى - جعل عيسى من ذُرِّيَّة إبراهيم ، وهو لا ينسب إلى إبراهيم إلاَّ بالأمِّ ، فكذلك الحَسَنُ والحُسيْنُ ويقال : إن أبا جعفر البَاقِرَ اسْتَدلَّ بهذه الآية عند الحَجَّاجِ بن يوسف الثقفي . فصل فيما يستفاد من الآية قال أبو حنيفة والشافعي : من وقف على ولده وولد ولده دخل فيه أولاد بَنَاتِهِ أيضاً ما تَنَاسَلُوا ، وكذلك في الوَصيَّةِ للقَرَاباتِ يدخل فيه ولد البنات ، والقرابةُ عند أبي حنيفةَ كلُّ ذي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، ويسقط عنده ابن العَمِّ وابن العمة وابن الخال وابن الخالة ؛ لأنهم ليسوا بمِحْرَمِينَ . وقال الشافعي رحمه الله تعالى : القَرَابَةُ كُلُّ ذي رَحمٍ مَحْرَمٍ وغيره ، فلم يسقط عنده ابن العم وقال مالك : لا يدخل في ذلك ولدُ البنات . وإذا قال : لقرابتي وعقبي فهو كقوله : لولدي وولد ولدي . قوله : " وإلياس " قال ابن مسعود : هو إدريس وله اسمان مثل " يعقوب " و " إسرائيل " ، والصحيح أنه غيره ؛ لأن - تعالى - ذكرهُ في ولد نوح ، وإدريس جد أبي نوح ، وهذا إلياس بن يسي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران " كُلُّ مِنَ الصَّالحينَ " . وقوله : " وإسماعيل " هو ابن إبراهيم . و " إليسع " [ وهو ابن أخطوب بن العجوز ] . قرأ الجمهور " اليَسَعَ " بلام واحدة وفتح الياء بعدها . وقرأ الأخوان : اللَّيْسَع بلام مشددة وياء ساكنة بعدها ، فقراءة الجمهور فيها تأويلان : أحدهما : أنه منقُولٌ من فعل مضارع ، والأصل : " يَوْسَع " كـ " يَوْعِد " ، فَوقَعَتِ الواو بين ياء وكسرة تقديرية ؛ لأن الفَتْحَةَ جيء بها لأجْلِ حرف الحَلْقِ ، فحُذِفَتْ لحذفها في " يضع " و " يدع " و " يهب " وبابه ، ثم سمي به مُجَرَّداً عن ضمير ، وزيدت فيه الألف واللام على حَدِّ زيادتها في قوله : [ الطويل ] @ 2228 - رأيْتُ الوَلِيدَ بْنَ اليَزِيدِ مُبَارَكاً شَدِيداً بِأعْبَاءِ الخِلافَةِ كَاهِلُهْ @@ وكقوله : [ الرجز ] @ 2229 - بَاعَدَ أمَّ العَمْرِ مِنْ أسِيرِهَا حُرَّاسُ أبْوابٍ عَلَى قُصُورِهَا @@ وقيل الألف واللام فيه للتعريف كأنّه قدَّر تنكيره . والثاني : أنه اسم أعْجَمِيٌّ لا اشتقاق له ؛ لأن " اليسع " يقال : إنه يوشع بن نون فَتَى موسى ، فالألف واللام فيه زائدتان ، أو معرفتان كما تقدم . وهل " أل " لازمة له على تقدير زيادتها ؟ فقال الفَارِسيُّ : إنها لازِمَةٌ شُذُوذاً ، كلزومها في " الآن " . وقال ابن مالك : " ما قَارَنتِ الأدَاةُ نَقْلَهُ كالنَّضْرِ والنُّعْمَانِ ، أو ارتِجَالَهُ كاليسع والسموءل ، فإنَّ الأغْلَبَ ثُبُوتُ أل فيه وقد تحذف " . وأما قراءة الأخوين ، فأصله لَيْسَع ، كـ " ضَيْغَم وصَيْرَف " وهو اسم أعْجَمِيُّ ، ودخول الألف واللام فيه على الوَجْهَيْنِ المتقدمين . واختار أبو عبيدة قراءة التخفيف ، فقال : " سمعنا هذا الشيء في جميع الأحاديث : اليسع ولم يُسَمِّهِ أحدٌ منهم اللَّيْسع " ، وهذا لا حُجَّةَ فيه ؛ لأنه روى اللفظ بأحد لُغَتَيْه ، وإنما آثَرَ الرُّواةُ هذه اللفظة لِخِفَّتِهَا لا لعدم صِحَّةِ الأخرى . وقال الفراء في قراءة التشديد : " هي أشبهُ بأسماء العجمِ " . قوله " يونس " : هو يونس بن متى ، وقد تقدم أن فيه ثلاث لغات [ النساء : 163 ] وكذلك في سين " يُوسف " وقوله : " ولوطاً " وهو لوط بن هارون ابن أخي إبراهيم . قوله : " وكلاَّ فَضَّلْنَا " كقوله : " كُلاًّ هَدَيْنَا " . قوله : " عَلَى العَالَمِينَ " اسْتَدَلُّوا بهذه الآية على أن الأنبياء أفضل من الملائكة ؛ لأن " العالم " اسم لكل موجود سوى الله - تعالى - فيدخل فيه الملائكة . وقال بعضهم : معناه فَضَّلْنَاهُمْ على عالمي زمانهم . قوله : " ومِنْ آبائِهِمْ " " آبائهم " : فيه وجهان : أحدهما : أنه مُتعلِّقٌ بذلك الفعل المقدر ، أي : وهدينا من آبائهم ، أو فضَّلنا من آبائهم ، و " مِنْ " تَبْعِيضيَّةٌ قال ابن عطية : " وهَدَيْنَا مِنْ آبَائِهِمْ وذرِّيَّاتهم وإخوانهم جماعات " ، فـ " مِنْ " للتبعيض ، والمفعول محذوف . الثاني : أنه معطوف على " كُلاًّ " ، أي : وفضَّلنا بعض آبائهم . وقدَّر أبو البقاء هذا الوجه بقوله : " وفضلنا كلاًّ من آبائهم ، وهدينا كُلاًّ من آبائهم " . وإذا كانت للتَّبْعِيضِ دلَّت على أن آباء بعضهم كانوا مشركين . وقوله : " وذُرِّيَّاتهم " ، أي : وذرِّيَّة بعضهم ، لأن " عيسى " و " يحيى " لم يكن لهما وَلَدٌ ، وكان في ذرية بعضهم من كان كَافِراً . وقوله : " وإخوانهم " " واجْتَبَيْنَاهُمْ " يجوز أن يعطف على " فضَّلنا " ، ويجوز أن يكون مُسْتأنفاً وكرر لفظ الهداية توكيداً ، ولأن الهِدايةَ أصْلُ كل خير ، والمعنى : اصْطَفَيْنَاهُمْ ، وأرشدناهم إلى صراط مستقيم . قوله : { ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ } المشار إليه هو المَصْدَرُ المفهوم من الفعل قبله ؛ إما الاجْتِبَاءُ ، وإما الهداية ؛ أي : ذلك الاجتباء هو هُدَى ، أو ذلك الهدى إلى الطريق المستقيم هدى الله ، ويجوز أن يكون " هدى الله " خبراً ، وأن يكون بدلاً من " ذلك " والخبر " يهدي به " ، وعلى الأول يكون " يهدي " حالاً ، والعامل فيه اسم الإشارة ويجوز أن يكون خبراً ثانياً ، و " مِنْ عِبَادِهِ " تَبْيِينٌ أو حال ؛ إما مِنْ " مَنْ " وإما من عَائِدِهِ المحذوف . فصل في تحرير معنى الهداية يجوز أن يكون المراد من هذه الهداية معرفة الله - تعالى - وتَنْزِيههُ عن الشرك ؛ لقوله تعالى بعده : { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وإذا ثبت ذلك ثَبَتَ أن الإيمان لا يَحْصُلُ إلاَّ بِخَلْقِ الله تعالى .