Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 12-12)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } الآية . لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم " مكة " ، جاءه نساء أهل " مكة " يبايعنه ، فأمر أن يأخذ عليهن أن لا يشركن . قالت عائشة رضي الله عنها : " والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا بما أمر الله - عز وجل - وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط ، وكان يقول إذا أخذ عليهن : " قَدْ بايعْتُكنَّ " كلاماً " وروي أنه - عليه الصلاة والسلام - ، بايع النساء ، وبين يديه وأيديهن ثوب ، وكان يشترط عليهن . وقيل : لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصفا ، ومعه عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أسفل منه ، فجعل يشترط على النساء البيعة ، وعمر يصافحهن . وروي أنَّه كلف امرأة وقفت على الصفا ، وكلفها أن تبايعهن ، ففعلت . قال ابن العربي : وذلك ضعيف ، وإنما التعويل على ما في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنه المتقدم . قالت : كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ } إلى آخر الآية ، قالت عائشة : " فمن أقر بهذا من المؤمنات ، فقد أقر بالمحنة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن ، قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انْطَلقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ " ، لا والله ما مَسَّتُ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، غير أنه بايعهن بالكلام " وقالت أمُّ عطيَّة رضي الله عنها : " لما قدم رسول الله المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ، فقام على الباب فسلَّم فرددن عليه السلام فقال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن : " ألا تشركن بالله شيئاً " الآية ، فقلن : نعم ، فمد يده من خارج البيت ، ومددنا أيدينا من داخل البيت ، ثم قال : اللَّهُمَّ اشْهَدْ " وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ، ثم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه . فصل روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بيعة الرجال يوم فتح " مكة " ، وهو على الصفا ، وعمر بن الخطَّاب أسفل منه يبايع النساء بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغهن عنه ، على ألاَّ يشركن بالله شيئاً ، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان منتقبة متنكرة مع النساء خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعته بحمزة يوم أحد ، فقالت : والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيتك أخذته على الرجال ، وكان بايع الرجال يومئذ على الإسلام ، والجهاد فقط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ولاَ يَسْرِقْنَ " ، فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله قوتنا ، فلا أدري أيحلّ لي أم لا ؟ . فقال أبو سفيان : ما أًصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر ، فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها : وإنَّك لهِنْدُ بِنْتُ عتبة ؟ قالت : نعم ، فاعف عني ما سلف ، فقال عَفَا اللَّهُ عنكِ ، ثم قال : { وَلاَ يَزْنِينَ } فقالت هند : أو تزنِي الحُرَّة ؟ فقال : { وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ } ، أي : لا يئدن الموءودات ولا يسقطن الأجنة ، فقالت هند : ربَّيناهُمْ صغاراً وقتلتهم كباراً يوم بدر ، وأنت أعلم وهم أعلم ، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان - وهو بكرها - قتل يوم بدر ، فضحك عمر حتى استلقى ، وتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } " قال أكثر المفسرين : معناه لا يلحقن بأزواجهن ولداً من غيرهم ، وكانت المرأة تلتقط ولداً ، فتلحقه بزوجها وتقول : هذا ولدي منك ، فكان هذا من البهتان والافتراء ؛ لأن النهي عن الزنا قد تقدم . وقال بعض المفسرين : المرأة إذا التقطت ولداً ، كأنَّما التقطت بيدها ومشت برجلها إلى أخذه ، فإذا أضافته إلى زوجها ، فقد أتت ببهتان تفتريه بين يديها ورجليها . وقيل : يفترينه على أنفسهن حيث يقلن : هذا ولدنا ، وليس كذلك ، إذ الولد ولد الزنا . وقيل : ما بين يديها ورجليها كناية عن الولد ؛ لأن البطن التي تحمل فيه الولد بين يديها ، وفرجها الذي تلد منه بين رجليها ، وهذا عام في الإتيان بولد ، وإلحاقه بالزوج ، وإن سبق النهي عن الزنا . وقيل : معنى " بين أيديهن " : ألسنتهن بالنميمة ، و " بين أرجلهن " : فروجهن . وقيل : ما بين أيديهن من قبلة أو جسة ، وبين أرجلهن الجماع . وروي أن هنداً لما سمعت ذلك قالت : والله إن البهتان لأمر قبيح ما تأمر إلا بالأرشد ، ومكارم الأخلاق ، ثم قال : { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } أي : في كل أمر وافق طاعة الله . قال بكر بن عبد الله المزنيُّ : في كل أمر فيه رشدهن . وقال مجاهدٌ : لا تخلو المرأة بالرجال . وقال سعيدُ بنُ المسيِّب والكلبيُّ وعبدُ الرحمنِ بن زيدٍ : هو النهي عن النوح ، والدعاء بالويلِ ، وتمزيق الثوب ، وحلق الشعر ، ونتفه ، وخمش الوجه ، ولا تحدِّث المرأة الرجال إلا ذا محرم ، ولا تخلو برجل غير ذي محرم ، ولا تسافر إلا مع ذي محرم . وروت أم عطيَّة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إن ذلك في النوح ، وهو قول ابن عباس . وروى شهر بن حوشب عن أم سلمة " عن النبي صلى الله عليه وسلم : { ولا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ } ، قال : " هُوَ النَّوحُ " وفي صحيح مسلم عن أمِّ عطيَّة : " لما نزل قوله : " يُبَايِعْنَك " ، إلى قوله : { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } ، قالت : كان منه النياحة ، قالت : فقلت : يا رسول الله ، إلا آل بني فلان ، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ، فلا بد لي من أن أسعدهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلا آل بني فلان " قوله : " يُبَايعْنكَ " : حال ، و " شَيْئاً " : مصدر ، أي شيئاً من الإشراك . وقرأ علي والسلمي والحسن : " يُقَتِّلْنَ " بالتشديد . و " يفترينه " : صفة لـ " بهتان " ، أو حال من فاعل : " يأتين " . فصل ذكر الله - عز وجل - في هذه الآية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة البيعة خصالاً شتى ، صرح فيهن بأركان النهي في الدين ، ولم يذكر أركان الأمر ، وهي ستة أيضاً : الشهادة ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والاغتسال من الجنابة ، وذلك لأن النهي دائم في كل الأزمان ، وكل الأحوال ، فكان التنبيه على اشتراط الدائم آكد . وقيل : إن هذه المناهي كان في النساء كثير من يرتكبها ، ولا يحجزهن [ عنها ] شرف النسب ، فخصت بالذكر لهذا ، ونحو منه قوله - عليه الصلاة والسلام - لوفد عبد القيس : " " وأنْهَاكُم عن الدُّبَّاء والحنتمِ والنَّقيرِ والمزفَّتِ " فنبههم على ترك المعصية في شرب الخمر دون سائر المعاصي ؛ لأنها كانت شهوتهم وعادتهم ، وإذا ترك المرء شهوته من المعاصي ، هان عليه ترك سائرها مما لا شهوة له فيها . فصل " لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة : " { وَلا يَسْرِقْنَ } { وَلاَ يَزْنِينَ } ، قالت هند : يا رسول الله إنَّ أبا سفيان رجل مسِّيك ، فهل عليَّ حرج إن أخذت ما يكفيني وولدي ؟ فقال : " لا ، إلاَّ بالمعرُوفِ " ، فخشيت هند أن تقتصر على ما يعطيها ، فتضيع ، أو تأخذ أكثر من ذلك ، فتكون سارقة ناكثة للبيعة المذكورة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك " ، أي : لا حرج عليك فيما أخذت بالمعروف ، يعني : من غير استطالة إلى أكثر من الحاجة . قال ابن العربي رحمه الله : " وهذا إنما هو فيما لا يخزنه عنها في حجاب ، ولا يضبط عليه بقفل ، فإنه إذا هتكته الزوجة وأخذت منه [ كانت ] سارقة تعصي بها ، وتقطع يدها " . فصل في الكلام على الآية فإن قيل : هلاَّ قيل : إذا جاءك المؤمنات فامتحنوهن ، كما قال في المهاجرات ؟ . فالجواب من وجهين : أحدهما : أن الامتحان حاصل بقوله تعالى : { عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ } إلى آخره . وثانيهما : أن المهاجرات يأتين من دار الحرب فلا اطلاع للمبايع على ما في قلبها ، فلا بد من الامتحان ، وأما المؤمنات ، فهن في دار الإسلام ، وعلمن الشرائع ، فلا حاجة إلى الامتحان مع ظاهر حالها . فإن قيل : ما الفائدة في تقديم البعض في الآية على البعض وترتيبها ؟ . فالجواب : قدم الأقبح على ما هو الأدنى منه في القبح ، ثم كذلك إلى آخره ، وقدم في الأشياء المذكورة على ما هو الأظهر فيما بينهم . فصل قال عبادةُ بن الصامت : " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء : أنْ لا تُشرِكُوا باللَّه شَيْئاً ولا تَسْرقُوا ولا تزْنُوا ولا تقتلُوا أوْلادكُمْ ، ولا يعضه بعضُكُمْ بعضاً ، ولا تَعْصُوا في مَعْرُوفٍ آمُرُكمْ بِهِ " . معنى " يعضه " : يسحر ، والعضه : السحر . ولهذا قال ابن بحر وغيره في قوله تعالى : { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ } إنه : السحر . وقال الضحاكُ : هذا نهي عن البهتان ، أن لا يعضه رجل ولا امرأة " بِبُهتَانٍ " أي : بسحر ، والجمهور على أن معنى " ببهتان " : بولد ، يفترينه " بين أيديهن " : ما أخذته لقيطاً ، " وأرجلهن " : ما ولدته من زنا كما تقدم . فصل في هذا الأمر قال المهدويُّ : أجمع المسلمون على أنه ليس للإمام أن يشترط عليهن هذا ، والأمر بذلك ندب لا إلزام . وقال بعض العلماء : إذا احتيج إلى المِحْنَةِ من أجل تباعد الدَّار كان على إمام المسلمين إقامة المحنة . قوله : { فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية : { أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً } قالت : وما مسَّتْ يَدُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم إلا يد امرأة يملكها . وقالت [ أميمة ] بنت رقيقة : " بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة ، فقالت : " فِيْمَا اسْتطعْتُنَّ وأطَعْتُنَّ " ، فقلت : يا رسول الله صافحنا ، فقال : " إنِّي لا أصَافِحُ النِّساءَ ، إنَّما قَوْلِي لامرأةٍ كَقوْلِي لمِائةِ امرأة "