Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 61, Ayat: 5-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } الآية . لما ذكر الجهاد ، بين أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد ، وجاهدا في سبيل الله ، وحل العقاب بمن خالفهما ، أي : واذكر لقومك يا محمد هذه القصة . قوله : { لِمَ تُؤْذُونَنِي } . وذلك حين رموه بالأدرة ، كما تقدم في سورة الأحزاب . ومن الأذى : ما ذكر في قصة قارون أنه دس إلى امرأة تدَّعي على موسى الفجور ، ومن الأذى قولهم : { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] ، وقولهم : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 124 ] ، وقولهم : أنت قتلت هارون . قوله : { وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ } . جملة حالية . قال ابن الخطيب : و " قَدْ " معناه : التوكيد ، كأنه قال : وتعلمون علماً يقيناً ، لا شبهة [ لكم ] فيه . قوله : { أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ } . والمعنى : أنَّ لرسول الله يحترم يقيناً . قوله : { فَلَمَّا زَاغُوۤا } ، أي : مالوا عن الحق ، { أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } أي : أمالهم عن الهدى . وقيل : { فَلَمَّا زَاغُوۤا } عن الطاعة ، { أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } عن الهداية . وقيل : { فَلَمَّا زَاغُوۤا } عن الإيمان ، { أزاغ الله قلوبهم } عن الثواب . وقيل : لمَّا تركُوا ما أمرُوا به من احترام الرسول - عليه الصلاة والسلام - وطاعة الرب ، " خلق " الله في قلوبهم الضلالة عقوبة لهم على فعلهم . { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } . قال الزجاجُ : " يعني من سبق في علمه أنه فاسق " . قال ابنُ الخطيب : " وهذه الآية تدلّ على عظم إيذاء الرسول ، حتى إنه يؤدّي إلى الكفر ، وزيغ القلوب عن الهدى " . قوله : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } . أي اذكر لهم هذه القصة أيضاً ، وقال : { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ } ولم يقل : " يا قوم " كما قال موسى ؛ لأنه لأنه لا نسب له فيهم ، فيكونون قومه ، وقوله : { إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم } أي : بالإنجيل . قوله : " مُصدِّقاً " حال ، وكذلك : " مُبَشِّراً " والعامل فيه : " رسول " ؛ لأنه بمعنى المرسل . قال الزمخشري : فإن قلت : بم انتصب : " مصدقاً ، ومبشراً " أبما في الرسول من معنى الإرسال أم بإليكم ؟ قلت : بمعنى : الإرسال ؛ لأن " إليكم " صلة للرسول ، فلا يجوز أن تعمل شيئاً لأن حروف الجر لا تعمل بأنفسها ، ولكن بما فيها من معنى الفعل ، فإذا وقعت صلات لم تتضمن معنى فعل فمن أين تعمل ؟ انتهى . يعني بقوله : صلات ، أنها متعلقة بـ " رسول " صلة له ، أي : متصل معناها به لا الصلة الصناعية . قوله : { يأتي من بعدي } ، وقوله : " اسمه أحمد " ، جملتان في موضع جر نعتاً لرسول . أو " اسْمهُ أحمدُ " في موضع نصب على الحال من فاعل " يأتي " . أو تكون الأولى نعتاً ، والثانية حالاً ، وكونهما حالين ضعيف ، لإتيانهما من النكرة وإن كان سيبويه يجوزه . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : " مِنْ بَعدِيَ " - بفتح الياء - وهي قراءة السلمي ، وزرّ بن حبيش ، وأبو بكر عن عاصم ، واختاره أبو حاتم ؛ لأنه اسم ، مثل الكاف من " بعدك " ، والتاء من " قمت " . والباقون : قرءوا بالإسكان . وقرىء : { من بعد اسمه أحمد } ، فحذف الياء من اللفظ . و " أحمدُ " اسم نبينا صلى الله عليه وسلم هو اسم علم . يحتمل أن يكون من صفة ، وهي : " أفعل " التفضيل ، وهو الظَّاهر ، فمعنى " أحمد " أي : أحمدُ الحامدين لربِّه . والأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - كلهم حمادون لله ، ونبينا " أحْمَد " أكثرهم حمداً . قال البغويُّ : والألف في " أحْمَد " ، للمبالغة في الحمد ، وله وجهان : أحدهما : أنه مبالغة من الفاعل ، أي : الأنبياء كلهم حمادون لله - عز وجل - ، وهو أكثر حمداً لله من غيره . والثاني : أنه مبالغة في المفعول ، أي : الأنبياء كلهم محمودون ، لما فيهم من الخصال الحميدة ، وهو أكثر مبالغة ، وأجمع للفضائل والمحاسن التي يحمد بها ، انتهى . وعلى كلا الوجهين ، فمنعه من الصرف للعلمية والوزن الغالب ، إلاَّ أنَّهُ على الاحتمال الأول يمتنع معرفة وينصرف نكرة . وعلى الثاني يمتنع تعريفاً وتنكيراً ؛ لأنه يخلف العلمية للصفة . وإذا أنكر بعد كونه علماً جرى فيه خلاف سيبويه والأخفش ، وهي مسألة مشهورة بين النحاة . وأنشد حسان - رضي الله عنه - يمدحه - عليه الصلاة والسلام - ويصرفه : [ الكامل ] @ 4764 - صَلَّى الإلَهُ ومَنْ يَحُفُّ بِعرْشِهِ والطَّيِّبُونَ على المُبَارَكِ أحْمَدِ @@ " أحمد " : بدل أو بيان " للمُبَارك " . وأما " مُحَمَّد " فمنقول من صفة أيضاً ، وهو في معنى " محمود " ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار ، فـ " محمّد " هو الذي حمد مرة بعد أخرى . قال القرطبي : " كما أن المكرَّم من الكرم مرة بعد أخرى ، وكذلك المدح ونحو ذلك ، فاسم " محمد " مطابق لمعناه ، فالله - سبحانه وتعالى - سماه قبل أن يسمي به نفسه ، فهذا علم من أعلام نبوته ، إذ كان اسمه صادقاً عليه ، فهو محمود في الدنيا لما هدي إليه ، ونفع به من العلم والحكمة ، وهو محمود في الآخرة بالشفاعة ، فقد تكرر معنى الحمد ، كما يقتضي اللفظ ، ثم إنه لم يكن محمداً حتى كان : " أحمد " حمد ربه فنبأه وشرفه ، فلذلك تقدم اسم : " أحمد " على الاسم الذي هو محمد ، فذكره عيسى فقال : " اسمه أحمد " ، وذكره موسى - عليه الصلاة والسلام - حين قال له ربه : تلك أمة أحمد ، فقال : اللهم اجعلني من أمَّة محمد ، فبأحمد ذكره قبل أن يذكره بمحمد ؛ لأن حمده لربه كان قبل حمد الناس له ، فلما وجد وبعث ، كان محمداً بالفعل ، وكذلك في الشفاعة يحمد ربه بالمحامد التي يفتحها عليه ، فيكون أحمد الناس لربه ، ثم يشفع فيحمد على شفاعته " . رُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اسْمِي في التَّوراةِ أحْيَدُ ؛ لأنِّي أحِيدُ أمَّتِي عن النَّارِ ، واسمي في الزَّبُورِ : المَاحِي ، مَحَا اللَّهُ بي عبدةَ الأوثانِ ، واسْمِي في الإنجيلِ : أحْمَدُ ، وفي القُرْآنِ : مُحَمَّدٌ ؛ لأنِّي محمُود فِي أهْلِ السَّماءِ والأرْضِ " . وفي الصحيح : " لِي خَمْسَةُ أسْمَاء : أنَا مُحمَّدٌ وأحمدُ ، وأنا المَاحِي الذي يَمحُو اللَّهُ بِيَ الكُفر ، وأنا الحَاشِرُ الذي يُحْشَرُ النَّاسُ على قدمِي ، وأنَا العَاقِبُ " وقد تقدم . قوله : { فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } . قيل : عِيْسَى . وقيل : مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم . { قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } . قرأ حمزة والكسائي : " ساحر " نعتاً للرجل . وروي أنها قراءة ابن مسعود . والباقون : " سحر " نعتاً لما جاء به الرسول . قال أبو حيان هنا : وقرأ الجمهور : " سحر " ، وعبد الله ، وطلحة والأعمش ، وابن وثاب : " ساحر " ، وترك ذكر الأخوين . قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب . قوله : { وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ } . جملة حالية من فاعل : " افْتَرَى " ، وهذه قراءة العامة . وقرأ طلحة : " يدَّعي " - بفتح الياء والدال مشددة - مبنياً للفاعل . وفيها تأويلان : أحدهما : قاله الزمخشري ، وهو أن يكون " يفتعل " بمعنى : " يفعل " نحو : " لمسه والتمسه " . والضميران ، أعني : " هو " ، والمستتر في : " يدعى " لله تعالى ، وحينئذ تكون القراءتان بمعنى واحد ، كأنه قيل : والله يدعو إلى الإسلام . وفي القراءة الأولى يكون الضَّميران عائدين على " من " . والثاني : أنه من ادّعى كذا دعوى ، ولكنه لما ضمن يدّعي معنى ينتمي وينتسب عُدِّي باللام ؛ وإلا فهو متعدٍّ بنفسه . وعلى هذا الوجه فالضميران لـ " من " أيضاً ، كما هما في القراءة المشهورة . وعن طلحة : " يُدَّعى " - مشدد الدال - مبنياً للمفعول . وخرجها الزمخشري على ما تقدم من : ادَّعاه ودعاه بمعنى : لمسه والتمسه . والضميران عائدان على " من " عكس ما تقدم عنده في تخريج القراءة الأولى ، فإن الضميران لله ، كما تقدم تحريره . وهذا تعجب ممن كفر بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم بعد المعجزات التي ظهرت لهما ، ثم قال : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } أي : من كان في حكمه أن يختم له بالضلالة والغي . قوله : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ } . الإطفاءُ هو الإخماد ، يستعملان في النار ، وفيما يجري مجراها من الضياء والظهور ، ويفترق الإخماد والإطفاء من حيث إن الإطفاء يستعمل في القليل ، فيقال : أطفأت السراج ، ولا يقال : أخمدت السراج . وفي هذا اللام أوجه : أحدها : أنَّها مزيدة في مفعول الإرادة . قال الزمخشري : أصله { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ } كما في سورة التوبة [ 32 ] ، وكأنَّ هذه اللام ، زيدت مع فعل الإرادة توكيداً له لما فيها من معنى الإرادة في قولك : جئت لإكرامك وفي قولك : " جئت لأكرمك " ، كما زيدت اللام في : " لا أبا لك " توكيداً لمعنى الإضافة في : " لا أباك " . وقال ابن عطية : " واللام في : " ليطفئوا " لام العلة مؤكدة ، ودخلت على المفعول ؛ لأن التقدير : " يريدون أن يطفئوا نور الله " ، وأكثر ما تلزم هذه اللام إذا تقدم المفعول ، تقول : لزيد ضربت ، ولرؤيتك قصدت انتهى . وهذا ليس مذهب سيبويه ، وجمهور النَّاس ، ثم قول أبي محمد : " وأكثر ما يلزم " ليس بظاهر ؛ لأنه لا قول بلزومها ألبتة ، بل هي جائزة للزيادة ، وليس الأكثر أيضاً زيادتها جوازاً ، بل الأكثر عدمها . الثاني : أنَّها لام العلة والمفعول محذوف ، أي : يريدون إبطال القرآن ، أو دفع الإسلام ، أو هلاك الرسول صلى الله عليه وسلم ليطفئوا . الثالث : أنَّها بمعنى : " أن " الناصبة ، وأنها ناصبة للفعل بنفسها . قال الفرَّاء : العرب تجعل " لام كي " في موضع : " أن " ، في " أراد وأمر " ، وإليه ذهب الكسائي أيضاً . وقد تقدم نحو من هذا في قوله : { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } في سورة النساء : [ الآية : 26 ] . فصل قال ابن عباسٍ وابن زيدٍ رضي الله عنهما : المراد بنور الله - هاهنا - القرآن ، يريدون إبطاله ، وتكذيبه بالقول . وقال السديُّ : الإسلام ، أي : يريدون دفعه بالكلام . وقال الضحاكُ : إنَّه محمد صلى الله عليه وسلم يريدون إهلاكه بالأراجيف . وقال ابنُ جريجٍ : حجج الله ودلائله ، يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذيبهم ، وقيل : إنه مثل مضروب ، أي : من أراد إطفاء نور الشمس بفيه ، وجده مستحيلاً ممتنعاً ، كذلك من أراد إبطال الحق ، حكاه ابنُ عيسى . فصل في سبب نزول هذه الآية قال الماورديُّ : سبب نزول هذه الآية ، ما حكاه عطاء عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ عليه الوحي أربعين يوماً ، فقال كعب بن الأشرف : يا معشر اليهود ، أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد ، فما كان ينزل عليه ، وما كان ليتم أمره ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله هذه الآية واتصل الوحي بعدها . قوله : { وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } . قرأ الأخوان وحفص وابن كثير : بإضافة : " متم " ، لـ : " نوره " . والباقون : بتنوينه ونصب : " نوره " . فالإضافة تخفيف ، والتنوين هو الأصل . وأبو حيَّان ينازع في كونه الأصل . وقوله : " والله متم " ، جملة حالية من فاعل : " يريدون " ، أو " ليطفئوا " . والمعنى : والله متم نوره ، أي : بإظهاره في الآفاق . فإن قيل : الإتمام لا يكون إلاَّ عند النُّقصان ، فما معنى نقصان هذا النور ؟ . فالجواب : إتمامه بحسب نقصان الأثر وهو الظُّهور في سائر البلاد من المشارق إلى المغارب ، إذ الظهور لا يظهر إلا بالإظهار ، وهو الإتمام ، يؤيده قوله تعالى : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة : 3 ] . وعن أبي هريرة : إن ذلك عند نزول عيسى - عليه الصلاة والسلام - قاله مجاهد . قوله : { وَلَوْ كَرِهَ } . حال من هذه الحال فهما متداخلان ، وجواب : " لو " محذوف ، أي : أتمه وأظهره ، وكذا { وَلَوْ كَرِهَ ٱلمُشْرِكُونَ } ، والمعنى : ولو كره الكافرون من سائر الأصناف ، فإن قيل : قال أولاً : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } ، وقال ثانياً : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلمُشْرِكُونَ } فما الفائدة ؟ . فالجواب : إذا أنكروا الرسول صلى الله عليه وسلم وما أوحي إليه من الكتاب ، وذلك من نعمة الله تعالى ، والكافرون كلهم في كفران النعم سواء فلهذا قال : { ولو كره الكافرون } ، ولأن لفظ الكافر أعم من لفظ المشرك ، فالمراد من الكافرين هنا : اليهود والنصارى والمشركون ، فلفظ الكافر أليق به ، وأما قوله : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلمُشْرِكُونَ } ، فذلك عند إنكارهم [ التوحيد ] وإصرارهم عليه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعاهم في ابتداء الدعوة إلى التوحيد بـ " لا إله إلا الله " ، فلم يقولوا : " لا إله إلا الله " ، فلهذا قال : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلمُشْرِكُونَ } .