Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 5-5)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } . هذه قراءة العامَّة . وقرأ زيد بن علي ويحيى بن يعمر : " حَمَلُوا " مخففاً مبنياً للفاعل . قوله : { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ } . هذه قراءة العامة . وقرأ عبد الله : " حِمَارٍ " منكراً ، وهو في قوة قراءة الباقين ، لأن المراد بالحمار : الجِنْس ولهذا وصف بالجملة بعده ، كما سيأتي . وقرأ المأمون بن هارون الرشيد : " يُحَمَّل " مشدداً مبنيًّا للمفعول . والجملة من " يَحْمِلُ أو يُحَمَّلُ " فيها وجهان : أشهرهما : أنه في موضع الحال من " الحمار " . والثاني : أنها في موضع الصفة للحمار ، لجريانه مجرى النكرة ، إذ المراد به الجنس . قال الزمخشري : أو الجر على الوصف لأن الحمار كاللئيم ، في قوله : [ الكامل ] @ 4767 - وَلقَدْ أمُرُّ على اللَّئيمِ يسُبُّنِي … @@ وتقدم تحرير ذلك وأن منه عند بعضهم : { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلْلَّيْلُ نَسْلَخُ } [ يس : 37 ] ، وأن " نسلخ " نعت لليل ، والجمهور يجعلونه حالاً للتعريف اللفظي . وأما على قراءة عبد الله : فالجملة وصف فقط ، ولا يمتنع أن تكون حالاً عند سيبويه . والأسفار : جمع سفر ، وهو الكتاب المجتمع الأوراق . فصل في تفسير هذا المثل هذا مثل ضرب لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ، ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم " حُمِّلُوا التَّوراةَ " أي : كلفوا العمل بها . قاله ابن عباس . وقال الجرجاني : هو من الحمالة بمعنى الكفالة ، أي : ضمنوا أحكام التوراة . وقوله : { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } . لم يعملوا بما فيها ولم يؤدّوا حقها { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } أي : كتباً من العلم ، واحدها سفر . قال الفرَّاء : هي الكتب العظام ، لأنها تسفر عما فيها من المعاني إذا قرئت ، ونظيره : شبر وأشبار . يعني كما أن الحمار يحملها ولا يدري ما فيها ولا ينتفع بها كذلك اليهود يقرأون التوراة ولا ينتفعون بها ، لأنهم خالفوا ما فيها . قال ميمون بن مهران : الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبيل ، كذلك اليهود ، وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ويعمل به لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء . قال الشاعر : [ الطويل ] @ 4768 - لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي البَعِيرُ إذَا غَدَا بأوسَاقِهِ أوْ رَاحَ مَا فِي الغَرَائِرِ @@ قوله : { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ } فيه أوجه : أحدها : وهو المشهُور أن " مثَلُ القَوْمِ " فاعل " بِئْسَ " والمخصوص [ بالذم الموصول بعده ، وهذا مشكل ؛ لأنه لا بد من تصادق فاعل " نعم وبئس " والمخصوص هنا : " المثل " ليس بالقوم المكذبين ] والجواب : أنه على حذف مضاف ، أي : بئس مثل القوم مثل الذين كذبوا . الثاني : أن " الَّذينَ " صفة للقوم فيكون مجرور المحلّ ، والمخصوص بالذَّم محذوف لفهم المعنى ، تقديره : بئس مثل القوم المكذبين مثل هؤلاء ، وهو قريب من الأول . الثالث : أن الفاعل محذوف ، وأن " مثل القوم " هو المخصوص بالذَّم ، وتقديره : بئس المثل مثل القوم ، ويكون الموصول نعتاً للقوم أيضاً ، وإليه ينحو كلام ابن عطية فإنه قال : والتقدير { بئس المثل مثل القوم } . وهذا فاسد : لأنه لا يحذف الفاعل عند البصريين إلاَّ في مواضع ثلاثة ليس هذا منها ، اللهم إلا أن يقول بقول الكوفيين . الرابع : أن يكون التمييز محذوفاً ، والفاعل المفسر به مستتر ، تقديره : " بئس مثلاً مثل القوم " وإليه ينحو كلام الزمخشري فإنه قال : " بئس مثلاً مثل القوم " . فيكون الفاعل مستتراً مفسراً بـ " مَثَلاً " ، و " مثلْ القَوْمِ " هو المخصوص بالذم ، والموصول صفة له ، وحذف التمييز ، وهذا لا يجيزه سيبويه وأصحابه ألبتة . نصوا على امتناع حذف التمييز ، وكيف يحذف وهو مبين . فصل قال ابن الخطيب : فإن قيل : ما الحكمة في تعيين الحمار من دون سائر الحيوانات ؟ . فالجواب من وجوه : أحدها : أنه تعالى خلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة ، كما قال تعالى : { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [ النحل : 87 ] ، والزينة في الخيل أظهر وأكثر بالنسبة إلى الركوب والحمل عليه ، وفي البغال دون الخيل ، وفي الحمير دون البغال ، فالحمار كالمتوسط في المعاني الثلاثة ، وحينئذ يكون الحمار في معنى الحمل أظهر وأغلب بالنسبة إلى الخيل والبغال وغيرهما من الحيوانات . وثانيها : أن هذا التمثيل لإظهار الجهل والبلادة لأولئك القوم ، والحمار يمثل به في الجهل والبلادة . وثالثها : أن في الحمار من الحقارة ما ليس في غيره من الحيوانات . والغرض من الكلام هاهنا تحقير القوم وتعييرهم ، فيكون تعيين الحمار أليق . ورابعها : أن حمل الأسفار على الحمار أسهل وأعمّ وأسهل لسرعة انقياده ، فإنه ينقاد للصبي الصغير من غير كلفة ، وهذا من جملة ما يوجب حسن الذكر بالنسبة إلى غيره . وخامسها : أن رعاية الألفاظ والمناسبة من لوازم الكلام [ وبين ] لفظ الأسفار والحمار مناسبة لفظة [ لا توجد ] في غيره من الحيوانات فيكون ذكره أولى . فصل قال القرطبي : " معنى الكلام : بئس مثل القوم المثل الذي ضربناه لهم فحذف المضاف { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الأنبياء يعني من سبق في علمه أنه يكون كافراً " .