Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 1-6)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ } . " إذا " : شرط ، قيل : جوابه " قالوا " . وقيل : محذوف ، و " قالوا " : حال أي إذا جاءوك قائلين كيت وكيت فلا تقبل منهم . وقيل : الجواب { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } ، وهو بعيد ، و " قالُوا " أيضاً : حال . فصل في تعلق هذه السورة بالتي قبلها قال ابنُ الخطيب : وجه تعلق هذه السورة بما قبلها هو أن تلك السورة مشتملةٌ على ذكر بعثة الرسول ، وذكر من كان يُكذِّبهُ قلباً ولساناً فضرب لهم المثل بقوله : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [ الجمعة : 5 ] . وهذه السورة مشتملةٌ على ذكر من كان يكذِّبُ قلباً دون اللسان ، ويصدقه لساناً دون القلب . وأما تعلق الأول بالآخر ، فلأن في آخر تلك السُّورة تنبيه للمؤمنين على تعظيم الرسول - عليه الصلاة والسلام - ورعايةِ حقِّه بعد النداء لصلاةِ الجمعةِ ، وتقديم متابعته على غيره ، فإنَّ ترك التعظيم والمتابعةِ من شيمِ المنافقين ، والمنافقون هم الكاذبون . فصل في نزول السورة . روى البخاري عن زيد ابن أرقم ، قال : " كنت مع عمي فسمعتُ عبد الله بن أبيِّ ابْنَ سلول يقول : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } ، وقال : { لَئِن رَجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } ، فذكرتُ ذلك لعمي ، فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي وأصحابه ، فحلفوا ما قالوا ، فصدَّقهُمْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكذَّبني فأصابَنِي همٌّ لمْ يُصبني مثلُه ، فجلست في بيتي ، فأنزل اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ } إلى قوله : { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } ، وقوله : { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } ، فأرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال " إنَّ اللَّهَ قدْ صدقَكَ " . وروى الترمذي عن زيد بن أرقم ، قال : " غَزوْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معنا أناسٌ من الأعراب ، فكُنَّا نبدر الماء ، أي : نقسمه ، وكان الأعرابُ يسبقُوننا إلى الماء ، فيسبق الأعرابي أصحابه ، فيملأ الحوض ، ويجعلُ حوله حجارة ، ويجعلُ النِّطع عليه حتى يجيء أصحابه ، قال : فأتى رجلٌ من الأنصار أعرابيًّا فأرخى زِمامَ ناقته لتِشرب ، فأبَى أن يدعهُ ، فانتزع حجراً ففاض الماءُ ، فرفع الأعرابيُّ خشبة ، فضرب بها رأس الأنصاريِّ فشجَّهُ ، فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره - وكان من أصحابه - فغضب عبد الله بن أبي ، ثم قال : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } [ المنافقون : 7 ] من حوله ، يعني : الأعراب ، وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام ، فقال عبد الله : فإذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمداً بالطعام فليأكل هو ومن عنده ، ثم قال لأصحابه : { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } . قال زيد : وأنا ردف عمي ، فسمعت عبد الله بن أبي ، فأخبرت عمي ، فانطلق ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلف وجحد قال : فصدَّقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذَّبني ، قال : فجاء عمّي إليَّ فقال : ما أردت إلى أن مقتك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وكذبك ، والمنافقون . قال : فوقع عليّ من جرأتهم ما لم يقع على أحدٍ . قال : فبينما أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خفقتُ برأسي من الهمِّ إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك في أذني وضحك في وجهي ، فما كان يسرّني أنَّ لي بها الخُلدَ في الدنيا ، ثم إن أبا بكرٍ لحقني فقال : ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ . قلت : ما قال لي شيئاً إلا أنه عرك أذني ، وضحك في وجهي ، فقال : أبْشِرْ ثم لحقني عمرُ ، فقلتُ له مثل قولي لأبي بكر ، فلما أصبحنا قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين " . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . فصل في المنافق سُئلَ حُذيفةُ بنُ اليمانِ عن المنافقِ ، فقال : الذي يصفُ الإسلامَ ولا يعملُ به . وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " آيةُ المُنافقِ ثلاثٌ : إذا حدَّث كَذَبَ ، وإذَا وعَدَ أخْلف ، وإذا ائتُمِنَ خَانَ " . وروى عبدُ الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أربعٌ من كُنَّ فيه كانَ مُنافقاً خَالِصاً ، ومَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلةٌ مِنهُنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ من النِّفاقِ حتَّى يدعها : إذا ائتُمِنَ خَانَ ، وإذَا حدَّث كَذَبَ ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ " . وروي عن الحسن أنه ذُكِرَ له هذا الحديثُ ، فقال : إن بني يعقوب حدَّثوا فكذبُوا ، ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا . إنما هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإنذار للمسلمين ، والتحذير لهم أن يعتادوا هذه الخصال شفقاً أن تفضي بهم إلى النفاق . وليس المعنى : أن من بدرت منه هذه الخصالُ من غير اختيارٍ واعتيادٍ أنه منافقٌ وقال - عليه الصلاة والسلام - " المُؤمِنُ إذَا حدَّثَ صَدَقَ ، وإذَا وَعَدَ نجَّزَ ، وإذا ائتُمِنَ وفَّى " . والمعنى : أن المؤمن الكامل إذا حدَّث صدق . قوله : " نَشْهَدُ " . يجري مجرى القسم كفعلِ العلم واليقين ، ولذلك تلقي بما يتلقى به القسم في قوله : { إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } . وفي قوله : [ الكامل ] @ 4770 - ولَقَدْ عَلِمْتُ لتَأتِيَنَّ مَنِيَّتِي إنَّ المَنَايَا لا تَطِيشُ سِهَامُهَا @@ وقد تقدم [ الخلاف ] في الصدق والكذب ، واستدلالهم بهذه الآية ، والجواب عنها في أول البقرة . وقال القرطبي هنا : معنى " نَشْهَدُ " نحلفُ ، فعبر عن الحلف بالشهادة ؛ لأن كل واحدٍ من الحلف والشهادة إثباتٌ لأمر مُغَيَّب ، ومنه قول قيس بن ذريح : [ الطويل ] @ 4771 - وأشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ أني أحِبُّهَا فَهَذَا لَهَا عِنْدِي ، فَمَا عِنْدهَا لِيَا ؟ @@ ونظيره قول الملاعن : أشهدُ بالله . قال الزمخشري : " والشهادة تجري مجرى الحلف في التوكيد . يقول الرجلُ : أشهدُ ، وأشهدُ بالله ، وأعزمُ ، وأعزمُ بالله في موضع " أقْسِمُ وأُولي " ، وبه استشهد أبو حنيفة على أن " أشهدُ " يمين " . ويحتمل أن يكون ذلك محمولاً على ظاهره أنهم يشهدون أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترافاً بالإيمان ونفياً للنفاق عن أنفسهم وهو الأشبه . قوله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ } . جملة معترضة بين قوله : { نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } وبين قوله : { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ } [ لفائدة . قال الزمخشري : " ولو قال : " قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، واللَّهُ يشهدُ إنَّهُم لكاذبُون " لكان يُوهِمُ أن قولهم هذا كذبٌ ، فوسط بينهما قوله : " واللَّهُ يعلمُ إنَّكَ لرسُولُه " ليُميطَ هذا الإبهام " . قال القرطبي : { والله يعلم إنك لرسوله } كما قالوه بألسنتهم ] ، { وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } بضمائرهم ، فالتكذيبُ راجع إلى الضمائر وهذا يدلُّ على أن الإيمان تصديقُ القلب ، وعلى أنَّ الكلام الحقيقي كلامُ القلب ، ومن قال شيئاً واعتقد خلافه فهو كاذبٌ ، وقيل : أكذبهم الله في أيمانهم ، وهو قوله : { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } [ التوبة : 56 ] . قال ابن الخطيب : فإن قيل : لو قالوا : نعلم إنَّك لرسولُ الله مكان قولهم : نشهد إنَّكَ لرسُولُ اللَّهِ ، تفيد ما أفاد قولهم : نشهد ؟ . فالجواب : لا ؛ لأن قولهم : { نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } صريحٌ في الشَّهادة على إثبات الرسالة ، وقولهم : نعلم ليس بصريح في ذلك . قوله : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } . قد تقدم الكلام أنه يجوز أن يكون جواباً للشرط . ويجوز أن يكون مستأنفاً جيء به لبيان كذبهم وحلفهم عليه ، أي أنَّ الحامل لهُم على الأيمانِ اتقاؤهم بها عن أنفسهم . والعامة : على فتح الهمزة ، جمع يمين . والحسن : بكسرها مصدراً . وتقدم مثله في " المجادلة " ، والجُنَّةُ : التُّرْس ونحوه ، وكل ما يقيك سوءاً . ومن كلام الفصحاء : [ جُبَّةُ البرد ] جُنَّةُ البردِ . قال أعشى همدان الشاعر : [ الطويل ] @ 4772 - إذَا أنْتَ لَمْ تَجْعَلْ لعرضِكَ جُنَّةً مِنَ المَالِ سَارَ الذَّمُّ كُلَّ مَسِيرِ @@ فصل قال القرطبي وغيره : اتَّخذُوا أيمانهُم جُنَّةً ، أي : سُترةً ، وليس يرجع إلى قوله : { نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } وإنَّما يرجعُ إلى سبب الآيةِ التي نزلت عليه حسب ما ذكره البخاري والترمذي عن أبيّ أنه حلف ما قال ، وقد قال ، وقال الضحاك : يعني : حلفهم بالله " إنهم لمنكم " . وقيل : يعني بأيمانهم ما أخبر الرب عنهم في سورة " براءة " في قوله : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ } [ التوبة : 74 ] . فصل في نص اليمين قال القرطبي : " من قال : أقسمُ باللَّهِ ، وأشهد بالله ، أو أعزم بالله ، أو أحلف بالله ، أو أقسمت بالله ، أو شهدت ، أو عزمت ، أو حلفت ، وقال في ذلك كله : " بالله " فلا خلاف أنها يمينٌ ، وكذلك عند مالكٍ وأصحابه أن من قال : أقسمُ ، أو أشهد ، أو أعزم ، أو أحلف ، ولم يقل " بالله " إذا أراد " بالله " ، وإن لم يرد " بالله " فليس بيمين " . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لو قال : أشهد بالله لقد كان كذا كان يميناً ، ولو قال : أشهد لقد كان كذا - دون النية - كان يميناً لهذه الآية ؛ لأن الله تعالى ذكر منهم الشهادة ثم قال : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } . وعند الشافعي : لا يكون ذلك يميناً وإن نوى اليمينَ ؛ لأنَّ قوله تعالى : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } ليس يرجعُ إلى قوله : " قالوا : نَشهدُ " ، وإنما يرجعُ إلى ما في براءة من قوله تعالى : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ } . قوله : { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } . أي : أعرضوا ، وهو من الصُّدود ، أو صرفوا المؤمنين عن إقامة حدود الله عليهم من القَتْل ، والسبي ، وأخذ الأموال ، فهو من الصَّدِّ ، أو منعوا الناس عن الجهاد بأن يتخلفوا أو يقتدي بهم غيرهم . وقيل : فصدوا اليهود والمشركين عن الدُّخول في الإسلام بأن يقولوا : ها نحن كافرون بهم ، ولو كان ما جاء به محمد حقًّا لعرف هذا منا ، ولجعلنا نكالاً ، فبيَّن الله أنَّ حالهم لا يخفى عليه ، ولكن حكمه أن من أشهر [ الإيمان ] أجري عليه في الظَّاهر حكم الإيمان . قوله : { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . أي : سيئت أعمالهم الخبيثةُ في نفاقهم ، وأيمانهم الكاذبةِ ، وصدِّهم عن سبيل الله . و " ساء " يجوز أن تكون الجارية مجرى " بِئْسَ " ، وأن تكون على بابها ، والأول أظهر وقد تقدم حكم كل منهما . فإن قيل : إنه تعالى ذكر أفعال الكفرة من قبل ، ولم يقل : إنَّهم ساء ما كانوا يعملون ؟ . قال ابن الخطيب : والجواب أن أفعالهم مقرونة بالأيمان الكاذبة التي جعلوها جُنَّة أي : سُترة لأموالهم ودمائهم عن أن يستبيحها المسلمون . قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُوا } . هذا إعلامٌ من الله بأن المنافقين كفار ، إذْ أقروا باللسان ثم كفروا بالقلب . وقيل : نزلت الآية في قوم آمنوا ثم ارتدوا { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي ختم عليها بالكفر { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } الإيمان ولا الخير . وقرأ العامَّةُ : " فَطُبِعَ " مبنياً للمفعول ، والقائم مقام الفاعل الجار بعده . وزيد بن علي : " فَطَبَعَ " مبنياً للفاعل . وفي الفاعل وجهان : أحدهما : أنه ضمير عائد على الله تعالى ، ويدل عليه قراءة الأعمشِ ، وقراءته في رواية عنه : " فَطَبَعَ اللَّهُ " مُصرحاً بالجلالة الكريمة . وكذلك نقله القرطبي عن زيد بن علي . فإن قيل : إذا كان الطَّبْع بفعل الله - تعالى - كان ذلك حجة لهم على الله تعالى فيقولون : إعراضنا عن الحق لغفلتنا بسبب أنه - تعالى - طبع على قلوبنا ؟ . فأجاب ابن الخطيب : بأن هذا الطبع من الله - تعالى - لسوء أفعالهم ، وقصدهم الإعراض عن الحق فكأنه تعالى تركهم في أنفسهم الجاهلة وغوايتهم الباطلة . والثاني : أن الفاعل ضميرٌ يعودُ على المصدر المفهوم مما قبله ، أي : فطبع هو أي بلعبهم بالدين . قوله : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ } . أي : هيئاتهم ، ومناظرهم ، { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } يعني : عبد الله بن أبي وقال ابن عباس : كان عبد الله بن أبي وسيماً جسيماً صحيحاً صبيحاً ذلق اللسان ، فإذا قال ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم مقالته ، وصفه الله بتمامِ الصُّورةِ وحسن الإبانةِ . وقال الكلبي : المراد ابن أبي وجدُّ بن قيس ومعتِّب بن قشير ، كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة . وفي صحيح مسلم : وقوله : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } . كانوا رجالاً [ أجمل ] شيء كأنهم خشبٌ مسنَّدةٌ شبههم بخشب مسندة إلى الحائطِ لا يسمعون ولا يعقلون أشباحٌ بلا أرواحٍ ، وأجسامٌ بلا أحلامٍ . وقيل : شبههم بالخشب التي قد تآكلت فهي مسندة بغيرها لا يعلم ما في بطنها . قال الزمخشري : شبهوا في استنادهم بالخشب المسندة إلى حائط ؛ لأنهم أجرام خاليةٌ عن الإيمان والخير بالخشب المسندة إلى الحائط ، لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار ، أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكاً فارغاً غير منتفع به فأسند إلى الحائط ، فشبهوا به في عدم الانتفاع ، ويجوز أن يراد بها الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان . فصل في قراءة خشب قرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي : " خُشْبٌ " بإسكان الشين . وهي قراءة البراء بن عازب ، واختيارُ عُبيدٍ . لأنَّ واحدتها خشبة كما تقول : بدنة وبُدْن . قاله الزمخشري . وقال أبو البقاء : و " خُشبٌ " - بالإسكان والضم - جمع خَشَب ، مثل : أَسَد وأُسْد . قال القرطبي : وليس في اللغة : " فَعَلَة " يجمع على " فُعُل " ، ويلزم من ثقلها أن تقول : " البُدُن " فتقرأ : " والبُدُنَ " ، وذكر اليزيدي أنه جمع الخشباءِ ، كقوله تعالى : { وَحَدَآئِقَ غُلْباً } [ عبس : 30 ] واحدتها : حديقة غلباء . وقرأ الباقون من السبعة : بضمتين . وقرأ سعيد بن جبير ، وابن المسيب : بفتحتين . ونسبها الزمخشري لابن عبَّاس ، ولم يذكر غيره . فأما القراءة - بضمتين - فقيل : يجوز أن تكون جمع خشبة ، نحو : ثمرة وثُمُر . قاله الزمخشري . وفيه نظر ؛ لأن هذه الصيغة محفوظة في " فَعَلَة " لا ينقاس نحو : ثَمَرَة وثُمُر . ونقل الفارسي عن الزبيدي : " أنه جمع : خَشْبَاء ، وأخْشِبَة " غلط عليه ؛ لأنه قد يكون قال : " خُشْب " - بالسكون - جمع " خَشْبَاء " نحو : " حَمْرَاء وحُمْر " لأن " فَعْلاء " الصفة لا تجمع على " فُعُل " بضمتين ، بل بضمة وسكون . وقوله : الزبيدي ، تصحيف ، إما منه ، وإما من الناسخ ، إنما هو اليزيدي تلميذ أبي عمرو بن العلاء ، ونقل ذلك الزمخشري . وأما القراءة بضمة وسكون . فقيل : هي تخفيف الأولى . وقيل : هي جمع خشباء ، كما تقدم . وهي الخشبة التي نُخِر جوفها ، أي : فرغ ، شبهوا بها لفراغ بواطنهم مما ينتفع به . وأما القراءة - بفتحتين - فهو اسم جنس ، وأنِّثَتْ صفته ، كقوله : { نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] وهو أحد الجائزين . وقول : " مُسَنَّدَةٌ " . تنبيه على أنه لا ينتفعُ بها كما ينتفعُ بالخشب في سقفٍ وغيره ، أو شبهوا بالأصنام ؛ لأنهم كانوا يسندونها إلى الحيطان شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم . وقيل : شُبِّهُوا بالخشب المُسنَّدةِ إلى الحائط ، لأن الخشبة المسنَّدة إلى الحائط أحدُ طرفيها إلى جهة ، والآخرُ إلى جهة أخرى . والمنافق كذلك لأن أحد طرفيه وهو الباطن إلى جهة أهل الكفر ، والطرف الآخر وهو الظاهرُ إلى جهة أهلِ الإسلام . ونقل القرطبي عن سيبويه أنه يقال : " خَشَبةٌ وخِشَابٌ وخُشُبٌ " مثل : ثَمَرة وثِمَار وثُمُر ، والإسناد : الإمالة ، تقول : أسندتُ الشيء أي : أملته ، و " مُسَنَّدةٌ " للتكثير ، أي : استندوا إلى الإيمان لحقن دمائهم . قوله : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } . فيه وجهان : أظهرهما : أن " عليهم " هو المفعول الثاني للحسبان ، أي واقعة وكائنة عليهم ويكون قوله : { هُمُ ٱلْعَدُوُّ } جملة مستأنفة ، أخبر الله عنهم بذلك . والثاني : أن يكون " عليهم " متعلقاً بـ " صَيحةٍ " و " هُمُ العَدُوُّ " جملة في موضع المفعول الثاني للحسبان . قال الزمخشري : " ويجوز أن يكون " هُمُ العَدُوُّ " هو المفعولُ الثَّاني كما لو طرحت الضمير . فإن قلت : فحقه أن يقال : هي العدُوُّ ، قلت : منظور فيه إلى الخبر كما في قوله : { هَـٰذَا رَبِّي } [ الأنعام : 77 ] ، وأن يقدر مضافٌ محذوفٌ أي : يحسبون كل أهلِ صيحةٍ " انتهى . وفي الثاني بعد بعيد . فصل وصفهم الله تعالى بالجُبْنِ والخَوَر . قال مقاتل والسدي : إذا نادى مناد في العسكر أن أنفلتت دابة ، أو أنشدت ضالّة ظنوا أنهم هم المرادون ، لما في قلوبهم من الرعب . كما قال الأخطل : [ الكامل ] @ 4773 - مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَهُمْ خَيْلاً تكرُّ عَليْهِمُ ورِجَالا @@ وقيل : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ } ، أنهم قد فطن بهم وعلم بنفاقهم ؛ لأن للريبة خوفاً ، استأنف الله خطاب نبيه - عليه الصلاة والسلام - فقال : " هم العَدُوُّ " وهذا معنى قول الضحاك . وقيل : يَحْسَبُونَ كُلَّ صيحةٍ يسمعونها في المسجد أنها عليهم ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر فيها بقتلهم ، فهم أبداً وجلُون من أن ينزل الله فيهم أمراً يبيح به دماءهم ، ويَهْتِكُ به أسْتارهُم ، ثم وصفهم الله بقوله { هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ } حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم . قوله : { فَٱحْذَرْهُمْ } . فيه وجهان : أحدهما : فاحذر أن تثق بقولهم ، أو تميل إلى كلامهم . الثاني : فاحذر ممايلتهُم لأعدائك ، وتخذيلهم لأصحابك . { قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ } . قال ابن عباس : أي : لعنهم الله . قال أبو مالك : هي كلمةُ ذمٍّ وتوبيخ . وقد تقول العرب : قاتله اللَّه ما أشعرهُ ، فيضعونه موضع التعجب . وقيل : معنى { قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ } أي : أحلَّهُم محلَّ من قاتله عدو قاهر ، لأن الله تعالى قاهرٌ لكلِّ معاندٍ . حكاه ابن عيسى . قوله : { أَنَّى يُؤْفَكُونَ } . " أنى " بمعنى : كيف . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون " أنى " ظرفاً لـ " قاتلهم " ، كأنه قال : قاتلهم الله كيف انصرفوا ، أو صرفوا ، فلا يكون في القولِ استفهام على هذا . انتهى . قال شهاب الدين : وهذا لا يجوز ؛ لأن " أنَّى " إنما تستعمل بمعنى " كيف " ، أو بمعنى " أين " الشرطية أو الاستفهامية ، وعلى التقادير الثلاثة فلا تتمحض للظرف ، فلا يعمل فيها ما قبلها ألبتَّة كما لا يعملُ في أسماءِ الشرط والاستفهام . فصل قال ابن عباس : " أنَّى يؤفكُونَ " أي : يكذبون . وقال قتادة : أي يعدلون عن الحق . وقال الحسن : يُصْرفُونَ عن الرشدِ . وقيل : معناه كيف تضل عقولهم على هذا مع وضوح الدَّلائل ، وهو من الإفك . قوله : " أنَّى " بمعنى : " كيف " ، وقد تقدم . قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ } . هذه المسألة عدها النحاة من الإعمال ، وذلك أن " تعالوا " يطلب " رسُولُ اللَّهِ " مجروراً بـ " إلى " أي : تعالوا إلى رسول الله . و " يَستَغْفِرْ " يطلبه فاعلاً ، فأعمل الثاني ، ولذلك رفعه ، وحذف من الأول ، إذ التقديرُ : تَعَالوا إليْهِ . ولو أعمل الأول لقيل : تعالوا إلى رسول الله يستغفر ، فيضمر في " يستغفر " فاعل . ويمكن أن يقال : ليست هذه من الإعمالِ في شيء ؛ لأن قوله " تعالوا " أمر بالإقبال من حيث هو ، لا بالنظر إلى مقبل عليه . قوله : { لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ } هذا جواب " إذا " . وقرأ نافع : " لَوَوْا " مخففاً ، والباقون مشدداً على التكثير . و " يَصُدُّونَ " حالٌ ؛ لأن الرؤية بصرية ، وكذا قوله : " وهُمْ يَسْتَكبرُونَ " حال أيضاً ، إما من أصحاب الحال الأولى ، وإما من فاعل " يصدون " فتكون متداخلة . وأتي بـ " يَصُدُّون " مضارعاً دلالة على التجدُّدِ والاستمرارِ . وقرىء : " يَصِدُّونَ " بالكسر . وقد تقدمتا في " الزخرف " . فصل في نزول الآية لما نزل القرآن بصفتهم مشى إليهم عشائرهم وقالوا : افتضحتم بالنفاقِ فتوبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النفاق ، واطلبوا أن يستغفر لكم ، فلوو رءوسهم أي : حرَّكُوها استهزاء وإباء . قاله ابن عباس . وعنه أنه كان لعبد الله موقف في كل سبب يحُضُّ على طاعة الله ، وطاعة رسوله ، فقيل له : وما ينفعك ذلك ورسول الله صلى الله عيله وسلم عليك غضبان ، فأته يستغفر لك فأبى ، وقال : لا أذهب إليه . قال المفسِّرون : " وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بني المصطلق على ماء يقال له : " المُريْسِيعُ " من ناحية " قُدَيد " إلى السَّاحل فازدهم أجير لعمر يقال له : " جهجاه بن سعيد الغفاري " يقود له فرسه بحليف لعبد الله بن أبيٍّ ، يقال له : " سِنَانُ بنُ وبرة الجهنِيُّ " حليفُ بني عوفٍ من الخزرج على ماء " بالمشلِّل " فصرخ جهجاه بالمهاجرين ، وصرخ سنان بالأنصار فلطم جهجاه سناناً وأعان عليه جهجاه فأعان جهجاه رجل من المهاجرين يقال له : حقالٌ ، وكان فقيراً ، فقال عبد الله بن أبي : أوقد فعلوها ؟ والله ما مثلنُا ومثلهُم إلاَّ كما قال الأولُ : " سَمِّنْ كلْبَكَ يأكلْكَ " أما - والله - لَئِنْ رَجَعْنَا إلى " المدينة " ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ ، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ثم قال لقومه : كفوا طعامكُم عن هذا الرجل ، لا تنفقوا على من عنده حتى ينفضّوا ويتركوه ، فقال زيد بن أرقم - وهو من رهط عبد الله - أنت - والله - الذليلُ المنتقص في قومك ، ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن ، ومودة من المسلمين ، والله لا أحبّك بعد كلامك هذا أبداً ، فقال عبد الله : اسكت إنما كنتُ ألعبُ ، فأخبر زيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ، فأقسم بالله ما فعل ولا قال ، قال : فعذره النبي صلى الله عليه وسلم قال زيد بن أرقم : فوجدت في نفسي ولامني الناسُ ، فنزلت سورةُ المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله ، فقيل لعبد الله : قد نزلت فيك آياتٌ شديدة ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لك ، فألوى رأسه " فنزلت الآيات . خرجه البخاري والترمذي بمعناه . وقيل : معنى قوله : { يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ } يستتبكم من النِّفاق ، لأن التوبة استغفارٌ { ورَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ } أي يعرضُون عن الرسول { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } أي متكبرون عن الإيمان . قيل : قال ابن أبيّ لما لوى رأسه : أمرتموني أن أومن فقد آمنت ، وأن أعطي الزكاة من مالي فقد أعطيتُ ، فما بقي إلا أن أسجدَ لمحمدٍ . قوله : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ } . قرأ العامَّة : " أسْتَغْفَرْتَ " بهمزةٍ مفتوحةٍ من غير مدٍّ ، وهي همزة التسوية التي أصلُها الاستفهامُ . وقرأ يزيد بن القعقاع : " آسْتغَفرْتَ " بهمزة ثم ألف . فاختلف الناسُ في تأويلها : فقال الزمخشري : إشباعاً لهمزة الاستفهام للإظهار والبيانِ لا قلباً لهمزة الوصل كما في { آلسَّحْرُ } [ يونس : 81 ] و { آللّهُ } [ يونس : 59 ] . يعني إنما أشبع همزة التسوية فتولد منها ألف . وقصده بذلك إظهار الهمزة وبيانها ، إلا أنه قلب الوصل ألفاً كما قلبها في قوله : { آلسحر ، آلله أذن لكم } لأنَّ هذه الهمزة للوصل ، فهي تسقط في الدرج ، وأيضاً فهي مكسورة فلا يلتبس معها الاستفهام بالخبر بخلاف " آلسّحر " ، { آللّه أذن لكم } . وقال آخرون : هي عوض عن همزة الوصلِ ، كما في { ءَآلذَّكَرَيْنِ } [ الأنعام : 143 ] . وهذا ليس بشيء ؛ لأن هذه مكسُورة فكيف تبدل ألفاً . وأيضاً فإنما قلبناها هناك ألفاً ولم نحذفها وإن كان حذفها مستحقاً لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر ، وهنا لا لبس . وقال ابن عطية : وقرأ أبو جعفر يعني يزيد بن القعقاع : " آسْتغْفَرتَ " بمدَّةٍ على الهمزة وهي ألف التسوية . وقرأ أيضاً : بوصل الألف دون همزة على الخبر ، وفي هذا كله ضعف ، لأنه في الأولى أثبت همزة الوصل وقد أغنت عنها همزة الاستفهام ، وفي الثانية حذف همزة الاستفهام ، وهو يريدُها ، وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر . قال شهاب الدين : أما قراءته " استغفرت " بوصل الهمزة فرويت أيضاً عن أبي عمرو ، إلا أنه يضم ميم " عَليْهِمُ " عند وصله الهمزة لأن أصلها الضم ، وأبو عمرو يكسرها على أصل التقاءِ الساكنينِ . وأما قوله : وهذا مما لا يستعمل إلا في الشعر ، فإن أراد بهذا مدَّ هذه الهمزة في هذا المكان فصحيح ، بل لا تجده أيضاً ، وإن أراد حذف همزة الاستفهامِ ، فليس بصحيح ؛ لأنه يجوز حذفها إجماعاً قبل " أم " نثراً ونظماً ، فأما دون " أم " ففيه خلاف : والأخفش رحمه الله يجُوِّزه ، ويجعل منه { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ } [ الشعراء : 22 ] . وقول الآخر : [ الطويل ] @ 4774 - [ طَرِبْتُ ومَا شَوْقاً إلى البِيضِ أطْرَبُ ولا لَعِباً مِنِّي وذُو الشَّيْبِ يلعَبُ ] @@ وقول الآخر : [ المنسرح ] @ 4775 - أفْرَحُ أنْ أرْزأ الكِرَامَ وأنْ أورَثَ ذَوْداً شَصَائِصاً نَبَلاَ @@ وأما قبل " أم " فكثير ، كقوله : [ الطويل ] @ 4776 - لَعَمْرُكَ مَا أدْرِيَ وإنْ كُنْتَ دَارِياً بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أمْ بِثَمَانِ @@ وقد تقدمت هذه المسألة مستوفاة . فصل في نزول هذه الآية . قال قتادةُ : " هذه الآية نزلت بعد قوله : { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ، وذلك أنَّها لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخبرني رب فلأزيدنهم على السبعين " ، فأنزل الله تعالى : { فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] الآية " . قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد بالفاسِقينَ المُنافقُونَ . فصل في تفسير الآية معنى قوله : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } . أي : كل ذلك سواء لا ينفع استغفارك شيئاً ؛ لأن الله تعالى لا يغفر لهم ، نظيره : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ] ، { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ } [ الشعراء : 136 ] ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } . قال ابن الخطيب : قال قوم : فيه بيان أن الله - تعالى - يملك هداية وراء هداية البيان ، وهي خلق فعل الاهتداء فيمن علم منه ذلك . وقيل : معناه لا يهديهم لفسقهم ، وقالت المعتزلة : لا يُسمِّيهم المهتدينَ إذا فَسَقُوا وضلُّوا . فإن قيل : لم ذكر الفاسقين ولم يقل : الكافرين أو المنافقين أو المستكبرين مع أن كلاًّ منهم تقدم ذكره ؟ . فالجواب : أن كل واحد منهم دخل تحت الفاسقين .