Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 7-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } . قد تقدم سببُ النزول ، وأن ابن أبي قال : لا تنفقوا على من عند محمد " حتى ينفضوا " أي يتفرقوا عنه ، فأعلمهم الله سبحانه وتعالى أن خزائن السماوات والأرض له ينفق كيف يشاء . قال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل ؟ فقال : { وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . وقال الحسن : " خزائنُ السماوات " الغُيوبُ ، وخزائنُ الأرضِ القلوبُ ، فهو علاَّمُ الغيوب ومُقلبُ القُلوبِ . قوله : { يَنفَضُّواْ } . قرأ العامَّةُ : " ينفضُّوا " من الانفضاضِ وهو التفرقُ . وقرأ الفضلُ بن عيسى الرقاشي : " يُنْفِضُوا " من أنفض القوم ، فني زادهم . ويقال : نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفضَّ . فيتعدى دون الهمزة ولا يتعدى معها ، فهو من باب " كَبَبتهُ فانْكَبَّ " . قال الزمخشري : وحقيقته جاز لهم أن ينفضوا مزاودهم . ثم قال تعالى : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } أنه إذا أراد أمراً يسره . قوله : { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } . القائل ابن أبيّ ، كما تقدم . وقيل : إنه لما قال : { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياماً يسيرة حتى مات ، فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسه قميصه ، فنزل قوله : { لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } . وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سَلُولَ قال لأبيه : والله الذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعزُّ وأنا الأذلُّ ، فقاله . توهموا أن العزة لكثرةِ الأموال والأتباعِ فبيَّن اللَّهُ - تعالى - أنَّ العزَّة والمنَعَة والقُوَّة لله . قوله : { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } . قرأ العامَّةُ : بضم الياء وكسر الراء مسنداً إلى " الأعزّ " و " الأذلّ " مفعول به ، والأعزُّ بعضُ المنافقين على زعمه . وقرأ الحسن وابنُ أبي عبلة والمسيبي : " لنُخْرجَنَّ " بنون العظمة ، وبنصب " الأعزَّ " على المفعول به ، ونصب " الأذَلَّ " على الحالِ . وبه استشهد من جوز تعريفها . والجمهور جعلوا " أل " مزيدة على حدّ " أرسلها العراك " و " ادخلوا الأول فالأول " . وجوَّز أبو البقاء : أن يكون منصوباً على المفعولِ ، وناصبه حال محذوفةٌ ، أي : مشبهاً الأذلَّ . وقد خرجه الزمخشري على حذف مضافٍ ، أي : خروج الأول أو إخراج الأول . يعني بحسب القراءتين من " خرج وأخرج " فعلى هذا ينتصب على المصدر لا على الحال . ونقل الدَّاني عن الحسن أيضاً : " لنخرُجَنَّ " بفتح نون العظمة وضم الراء ، ونصب " الأعزَّ " على الاختصاص كقولهم : " نحن العرب أقرى النَّاس للضيفِ " و " الأذلَّ " نصب على الحال أيضاً . قاله أبو حيان . وفيه نظر ، كيف يخبرون عن أنفسهم أنهم يخرجون في حال الذل مع قولهم : " الأعز " أي : " أخُصُّ الأعزَّ " ويعنون بـ " الأعزِّ " أنفسهُم . وقد حكى هذه القراءة أيضاً أبو حاتم . وحكى الكسائي والفرَّاء : أن قوماً قرأوا : " ليَخْرُجنَّ " - بفتح الياء وضم الراء - ورفع " الأعزّ " فاعلاً ونصب " الأذل " حالاً . وهي واضحة . وقرىء : " ليُخْرجَنَّ " - بضم الياء - مبنيًّا للمفعول ، " الأعز " قائم مقام الفاعل " الأذلّ " حال أيضاً . فصل في ختم الآية بـ " لا يفقهون " قال ابن الخطيب : فإن قيل : ما الحكمةُ في أنه تعالى ختم الآية الأولى بقوله : " لا يَفْقَهُونَ " وختم الثَّانية بقوله : " لاَ يَعْلمُونَ " ؟ . فالجواب : ليعلم بالأولى قلة كياستهم وفهمهم ، وبالثانية حماقتهم وجهلهم ، ولا يفقهون من فِقهَ يَفْقَهُ ، كعلِمَ يَعْلَمُ ، أو من فقُهَ يَفقهُ ، كعَظُمَ يَعظُمُ ، فالأول لحصولِ الفقه بالتكلُّفِ ، والثاني لا بالتكلُّفِ ، فالأول علاجيٌّ ، والثاني مزاجي .