Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 66, Ayat: 10-12)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم ضرب اللَّهُ مثلاً للصَّالحات ، من النِّساء ، فقال : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } إلى آخره ، تقدم الكلام على " ضرب " مع " المَثَل " ، وهل هو بمعنى " صير " أم لا ؟ وكيف ينتصب ما بعدها في سورة " النحل " . فصل في ضرب الله لهذا المثل ضرب الله هذا المثل تنبيهاً على أنه لا يغني أحد عن قريب ، ولا نسب في الآخرة إذا فرق بينهما الدِّين ، وكان اسم امرأة نوح " والهة " ، وامرأة لوط " والغة " ، قاله مقاتل . وقال الضحاكُ عن عائشة - رضي الله عنها - : إن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن اسم امرأة نوح " وَاغِلة " وامرأة لوط " والهة " ، { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ } يعني نوحاً ولوطاً . ويجوز أن يكون " امْرَأة نُوحٍ " بدلاً من قوله " مثلاً " على تقدير حذف المضاف ، أي : ضرب الله مثلاً مثل امرأة نوح . ويجوزأن يكونا مفعولين . قوله : { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ } . جملة مستأنفة كأنها مفسرة لـ " ضَرْبِ المثلِ " ، ولم يأت بضميرهما ، فيقال : تحتهما أي : تحت نوح ولوط ، لما قصد من تشريفهما بهذه الإضافة الشريفة ، وليصفهما بأجَلّ الصِّفات ، وهو الصَّلاح . قوله : { فَخَانَتَاهُمَا } . قال عكرمة ، والضحاك : بالكفر . وقال سليمان بن رقية ، عن ابن عباس : كانت امرأة تقول للناس : إنه مجنون وامرأة لوط كانت تخبر بأضيافه . وعن ابن عباس : ما بَغَت امرأة نبي قط ، وإنما كانت خيانتهما أنهما كانا على غير دينهما . قال القشيريُّ : وهذا إجماع من المفسرين إنما كانت خيانتهما في الدين ، وكانتا مشركتين وقيل : كانتا منافقتين . وقيل : خيانتهما النَّميمةُ إذا أوحى الله إليهما شيئاً أفشتاه إلى المشركين ، قاله الضحاك . وقيل : كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف لما كانوا عليه من إتيان الرجال . قوله : { فَلَمْ يُغْنِيَا } . العامة : بالياء من تحت ، أي : لم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما شيئاً من الإغناء من عذاب الله . وقرأ مبشر بن عبيد : تغنيا - بالتاء من فوق - ، أي : فلم تُغْن المرأتان عن أنفسهما . وفيها إشكال إذ يلزم من ذلك تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل في غير المواضع المستثناة . وجوابه : أن " عَنْ " هنا اسم كهي في قوله : [ الكامل ] @ 4790 - دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ في حَجَراتِهِ … @@ وقد تقدم هذا والاعتراض عليه بقوله : { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } [ مريم : 25 ] { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } [ القصص : 32 ] ، والجواب هناك . فصل في معنى الآية معنى الآية : لم يدفع نوح ، ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما لما عصيا شيئاً من عذاب اللَّه تنبيهاً بذلك على أنَّ العذاب يدفع بالطَّاعة ، لا بالوسيلة . وقيل : إن كفار مكة استهزءوا وقالوا : إنَّ محمداً يشفع لنا ، فبين تعالى أن الشفاعة لا تنفع كفار " مكة " ، وإن كانوا أقرباء كما لا ينفع شفاعة نوح امرأته ، وشفاعة لوط لامرأته مع قربهما له لكفرهما . { وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ } في الآخرة كما يقال لكفار مكة وغيرهم . قطع الله بهذه الآية طمع من يرتكب المعصية أن ينفعه صلاح غيره ، ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً . قوله : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ } . واسمها آسية بنت مزاحم . قال يحيى بن سلام : قوله : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } مثل ضربه الله يحذر به عائشة ، وحفصة في المخالفة حين تظاهرتا عليه صلى الله عليه وسلم ثم ضرب الله لهما مثلاً بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران ترغيباً في التمسك بالطاعة ، والثبات على الدين . وقيل : هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة ، أي : لا تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى فرعون . قال المفسرون : لما غلب موسى السحرة آمنت امرأةُ فرعون . وقيل : هي عمة موسى آمنت به ، فلما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد ، وألقاها في الشمس ، وألقى عليها صخرة عظيمة ، فقالت : " ربِّ نَجِّنِي مِنْ فرعَونَ وعمله " . فرمى بروحها في الجنة ، فوقعت الصخرة على جسد لا روح فيه . وقال الحسنُ : رفعها تأكل في الجنة ، وتشرب . قال سلمان الفارسي : كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس ، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة . قوله : { إذْ قَالَتْ رَبِّ } . منصوب بـ " ضرب " ، وإن تأخر ظهور الضرب . ويجوز أن ينتصب بالمثل . قوله : { عِندَكَ } . يجوز تعلقه بـ " ابْنِ " ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " بَيْتاً " كان نعته فلما قدم نصب حالاً . و { فِي ٱلْجَنَّةِ } . إما متعلق بـ " ابْنِ " وإما بمحذوف على أنه نعت لـ " بَيْتاً " . فصل في قصة امرأة فرعون . قال المفسرون : لما كانت تعذب في الشمس ، وأذاها حرّ الشمس { قَالَتْ : رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ } فوافق ذلك حضور فرعون ، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة ، فقال فرعون : لا تَعْجبُوا من جُنُونهَا أنَا أعذِّبُها وهي تضحك ، فقبض رُوحها . وروي أنه وضع على ظهرها رحى فأطلعها اللَّهُ ، حتى رأت مكانها في الجنَّة ، وانتزع روحها ، فألقيت عليها صخرة بعد خروج روحها فلم تجد ألماً . وقال الحسن وابن كيسان : رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة ، فهي فيها تأكل ، وتشرب ، وتتنعم . قوله : { وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ } . تعني بالعمل : الكفر . وقيل : " من عمله " ، أي : من عذابه وظلمه . وقال ابن عباس : الجماع . { وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } ، أي : الكافرين . قال الكلبيُّ : أهل " مصر " . وقال مقاتل : القبط . قوله : { وَمَرْيَمَ ٱبْنَةَ عِمْرَانَ } . عطف على { ٱمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ } . ضرب الله المثل للكافرين بامرأتين ، وللمؤمنين بامرأتين . وقال أبو البقاء : " ومَرْيَمَ " أي : " واذكر مريم " . وقيل : أو " ومثل مريم " . وقرأ العامة : " ابْنَة " بنصب التاء . وأيوب السختياني : بسكون الهاء ، وصلاً ، أجرى الوصل مجرى الوقف . والعامة أيضاً : " فَنَفَخْنَا فيْهِ " أي : في الفرجِ . وعبد الله : " فِيْهَا " أي : في الجملة . وقد تقدم في " الأنبياء " مثله . والعامة أيضاً : " وصَدَّقتْ " بتشديد الدال . ويعقوب وقتادة وأبو مجلز ، وعاصم في رواية : بتخفيفها ، أي : صدقت فيما أخبرت به من أمر عيسى . والعامة على : " بِكَلمَاتِ " جمعاً . والحسن ومجاهد والجحدري : " بِكلمَةِ " بالإفراد . فقيل : المراد بها عيسى ؛ لأنه كلمةُ الله . فصل في مريم ابنة عمران ضرب الله مثلاً بمريم ابنة عمران وصبرها على أذى اليهود . وقوله : { ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } عن الفواحش . وقال المفسرون هنا : أراد بالفرج الجيب ، لقوله { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } وجبريل - عليه السلام - إنما نفخ في جيبها ولم ينفخ في فرجها . وهي في قراءة أبيٍّ : { فنفخنا في جيبها من روحنا } ، وكل خرق في الثوب يسمى فرجاً ، ومنه قوله تعالى : { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } [ ق : 6 ] . ويحتمل أن يكون أحصنت فرجها ونفخ الروح في جيبها . ومعنى " فَنَفَخْنَا " أرسلنا جبريل فنفخ في جيبها " مِنْ رُوحِنَا " أي : روحاً من أرواحنا وهي روح عيسى ، وقوله : { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا } أي : قول جبريل لها : { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ } [ مريم : 19 ] الآية . وقال مقاتل : يعني بالكلمات عيسى ، وأنه نبيّ وعيسى كلمة الله كما تقدم . وقيل : { بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا } يعني الشرائع التي شرعها الله للعباد بكلماته المنزلة . قوله : { وَكُتُبِهِ } . قرأ أهل " البَصْرة " وحفص : " وكُتُبِهِ " على الجمع . وقرأ الأخرون : " وكِتَابِهِ " على التوحيد . والمراد منه الكثرة ، فالمراد به الجِنْس ، فيكون في معنى كل كتاب أنزله الله تعالى . وقرأ أبو رجاء : " وَكُتْبِهِ " بسكون التاء ، وهو تخفيف حسن . وروي عنه : " وكَتْبِهِ " بفتح الكاف . قال أبو الفضل : مصدر وضع موضع الاسم ، يعني ومكتوبه . فصل في المراد بالكتب أراد الكتب التي أنزلتْ على إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وعيسى . وقوله : { وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ } . يجوز في " مِن " وجهان : أحدهما : أنها لابتداء الغاية . والثاني : أنها للتبعيض ، وقد ذكرهما الزمخشريُّ ، فقال : و " مِنْ " للتبعيض ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية ، على أنها ولدت من القانتين ؛ لأنها من أعقاب هارون أخي موسى صلوات الله على نبيِّنا وعليهما وعلى سائر الأنبياء وآلهم . قال الزمخشري : فإن قلت : لم قيل : { مِنَ ٱلْقَانِتِينَ } على التذكير ؟ . قلت : القنوت صفة تشمل من قنت من القبيلين فغلب ذكوره على إناثه . ويجوز أن يرجع إلى أهل بيتها ، فإنهم كانوا مطيعين لله ، والقنوت : الطاعة . وقال عطاء : من المصلّين بين المغرب والعشاء . وعن معاذ بن جبلٍ : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها : أتكرهين ما قد نزل بك ، وقد جعل اللَّهُ في الكره خيراً ، فإذا قدمت على ضراتك فأقرئيهنّ منِّي السَّلام مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم وكليمة - أو قال : حليمة - بنت عمران أخت موسى بن عمران ، فقالت : بالرفاء والبنين يا رسول الله " . [ قال ابن الأثير : الرفاء والبنين : الالتئام والاتفاق والبركة والنَّماء ، وهو مهموز . وذكره الهروي في " المعتلّ " قال : " وهو على معنيين : أحدهما : الاتفاق وحسن الاجتماع ، والآخر : من الهدوء والسكون ، وأما المهموز فمن قولهم : رَفَأتُ الثَّوب رفاءً ، ورفوتُه رفواً " انتهى ] . وروى قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " حَسْبُكُ مِنْ نِسَاءِ العَالمينَ أربعٌ : مَريَمُ ابْنَةُ عِمرانَ ، وخَدِيجَةُ بنتُ خُويْلِدٍ ، وفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ، وآسيةُ بِنْتُ مُزاحِمٍ امرأةُ فِرْعَونَ " . روى الثعلبي عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورةَ { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } أعطاهُ اللَّهُ تَوْبَةٌ نَصُوحاً " .