Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 66, Ayat: 6-6)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } . " قُوْا " أمر من الوقاية ، فوزنه " عُو " ؛ لأن الفاء حذفت لوقوعها في المضارع بين ياء وكسرة ، وهذا محمول عليه ، واللام حذفت حملاً له على المجزوم ؛ لأن أصله " أوقيوا " كـ " اضربوا " فحذفت الواو التي هي فاء لما تقدم ، واستثقلت الضمة على الياء ، فالتقى ساكنانِ ، فحذفت الياء ؛ وضم ما قبل الواو لتصح . وهذا تعليل البصريين . ونقل مكي عن الكوفيين : أن الحذف عندهم فرقاً بين المتعدي ، والقاصر ، فحذفت الواو التي هي فاء في " يَقِي ، ويَعِد " لتعديهما ، ولم يحذف من " يَوْجَلُ " لقصوره . قال : " ويرد عليهم نحو : يَرمِ ، فإنه قاصر ، ومع ذلك فقد حذفوا فاءه " . قال شهاب الدين : وفي هذا نظر ؛ لأن " يَوْجَلُ " لم تقع فيه الواو بين ياء وكسرة لا ظاهرة ولا مضمرة . وقلت : ولا مضمرة ، تحرُّزاً من " تَضَع ، ويَسَع ، ويهب " . وقرأ بعضهم : " وأهْلُوكُمْ " . وخرجت على العطف على الضَّمير المرفوع بـ " قُوْا " ، وجوز ذلك الفصل بالمفعول قال الزمخشريُّ بعد ذكره القراءة وتخريجها : فإن قلت : أليس التقديرُ : " قُوا أنفُسكُمْ وليَقِ أهلوكم أنفسهم " ؟ . قلت : لا ، ولكن المعطوف في التقدير مقارن للواو ، و " أنْفُسَكُمْ " واقع بعده ، كأنه قيل : قوا أنتم ، وأهلوكم أنفسكم ، لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه ، فجعلت ضميرهما معاً على لفظ المخاطب . قوله : " ناراً " مفعول ثانٍ ، " وقُودُهَا النَّاسُ " صفة لـ " نَاراً " وكذلك " عَليْهَا مَلائكةٌ " ، ويجوز أن يكون الوصف وحده " عَليْهَا " ، و " مَلائِكَةٌ " فاعل به ، ويجوز أن يكون حالاً لتخصيصها بالصفة الأولى ، وكذلك { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ } . وتقدم الخلاف في واو { وَقُودُهَا } [ البقرة : 24 ] ضمًّا وفتحاً في " البقرة " . فصل في معنى الآية قال الضحاك : المعنى : قو أنفسكم ؛ وأهلوكم ، فليقوا أنفسهم ناراً . وروي عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر ، والدعاء ، حتى يقيهم الله بكم . وقال علي - رضي الله عنه - وقتادة ومجاهدٌ : قوا أنفسكم بأفعالكم ، وقوا أهليكم بوصيتكم . قال ابن العربي : وهو الصحيحُ ، والفقهُ الذي يعطيه العطفُ الذي يقتضي التشريك بين المعطوف ؛ والمعطوف عليه في معنى الفعل . كقوله : [ الرجز ] @ 4788 - عَلَفْتُهَا تِبْناً ومَاءً بَارِداً … @@ وكقوله : [ مجزوء الكامل ] @ 4789 - ورَأيْتُ زَوْجَكِ فِي الوَغَى مُتَقلِّداً سَيْفاً ورُمْحا @@ فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة ، ويصلح أهله صلاح الراعي للرعيَّة . قال - عليه الصلاة والسلام - : " كُلُّكُمْ راعٍ ، وكُلُّكُمْ مسْئُولٌ عن رعيَّتِهِ ، فالإمامُ الَّذي على النَّاسِ راعٍ وهُوَ مَسْئُولٌ عَنهُمْ ، والرَّجلُ راعٍ على أهْلِ بَيْتهِ وهُوَ مسْئُولٌ عَنْهُمْ " . قال الحسن في هذه الآية : يأمرهم ، وينهاهم . وقال بعض العلماء لما قال : " قُو أنفُسَكُمْ " : دخل فيه الأولاد ؛ لأن الولد بعض منه كما دخلوا في قوله تعالى : { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } [ النور : 61 ] ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إنَّ أحلَّ مَا أكلَ الرَّجلُ من كسْبِهِ ، وإنَّ ولدهُ مِنْ كسْبِهِ " فلم يفرد بالذّكر إفراد سائر القرابات ، فيعلمه الحلال والحرام ، ويجنبه المعاصي والآثام إلى غير ذلك من الأحكام . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " حَقُّ الولدِ على الوالِدِ ، أنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ ، ويُعلِّمهُ الكِتابَةَ ، ويزَوِّجهُ إذا بلَغَ " . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " مَا نَحَلَ والدٌ ولَداً أفْضَل مِنْ أدبٍ حسنٍ " . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " مُرُوا أبْناءَكُمْ بالصَّلاة لسَبْعٍ ؛ واضْربُوهُمْ على تَرْكِهَا لعشْرٍ ، وفرِّقُوا بَيْنَهُم في المَضَاجِعِ " . قال بعض العلماء : ويخبر أهله بوقت الصلاة ، ووجوب الصيام . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " رَحِمَ اللَّهُ امْرءاً قَامَ مِنْ اللَّيلِ يُصلِّي ، فأيقظَ أهلَهُ ، فإنْ لَمْ تَقُم رشَّ على وجهِهِا المَاءَ ، ورحِمَ اللَّهُ امْرَأةً قَامَتْ في اللَّيْلِ تُصلِّي ، وأيْقَظَتْ زوْجَهَا ، فإنْ لم يَقُمْ رشَّتْ على وجْهِهِ المَاء " . وذكر القشيريُّ قال : " فلما نزلت هذه الآية ، قال رجلٌ : يا رسول الله ، نقي أنفسنا ، فكيف لنا بأهلينا ؟ . فقال : " تنهونهم عما نهاكم الله ، وتأمرونهم بما أمر الله " " . وقال مقاتلٌ : ذلك حق عليه في نفسه ، وولده ، وأهله ، وعبيده ، وإمائه . قال إلكيا : فعلينا تعليم أولادنا ، وأهلينا الدين ، والخير ، وما لا يستغنى عنه من الأدب . وهو قوله تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [ طه : 132 ] ، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 14 ] . وتقدم الكلام على قوله : { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } في " البقرة " . فصل في مخاطبة الله تعالى للمؤمنين قال ابن الخطيب : فإن قيل : إنه - تعالى - خاطب المشركين في قوله تعالى : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [ البقرة : 24 ] ، ثم قال : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } فما معنى مخاطبته للمؤمنين بذلك ؟ . فالجوابُ : أن الفساق ، وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكُفَّار ، فإنهم مع الكُفَّار في دار واحدة ، فقيل للذين آمنوا : " قُوا أنفُسَكُمْ " باجتناب الفسوقِ ومجاورة الذين أعدت لهم هذه النار ، ولا يبعد أن يأمرهم بالتوقِّي عن الارتداد . قوله : { عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ } . يعني الزَّبَانية ، غلاظ القلوب لا يرحمون إذا استرحموا ، خلقوا من الغضب ، وحبب إليهم عذاب الخلقِ ، كما حبب لبني آدم الطعام ، والشراب " شِدادٌ " ، أي : شداد الأبدان وقيل : غلاظ الأقوال شدادُ الأفعالِ . وقيل : " غِلاظٌ " في أخذهم أهل النار " شِدادٌ " عليهم ، يقال : فلان شديد على فلان ، أي : قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب . وقيل : أغلاظ أجسامهم ضخمة " شِدادٌ " أي : أقوياء . قال ابن عبَّاس : ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة . وقال - عليه الصلاة والسلام - في خزنة جهنم : " مَا بَيْنَ منْكبَيْ أحدهِمْ كَمَا بَيْنَ المَشْرقِ والمَغْربِ " . قوله : { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ } . يجوز أن تكون " ما " بمعنى " الذي " ، والعائد محذوف ، أي : " مَا أمَرَهُمُوهُ " ، والأصل : " بِهِ " ، لا يقال : كيف حذف العائد المجرور ، ولم يجر الموصول بمثله ؟ لأنه يطرد حذف هذا الحرف فلم يحذف إلا منصوباً . وأن تكون مصدرية ، ويكون محلها بدلاً من اسم الله بدل اشتمال ، كأنه قيل : لا يعصون أمره . وقوله : { وَيَفْعَلُونَ } . قال الزمخشريُّ : " فإن قلت : أليست الجملتان في معنى واحد ؟ . قلت : لا ؛ لأن الأولى معناها : أنهم يقبلون أوامره ويلتزمونها . والثانية : معناها أنهم يؤدّون ما يؤمرون به لا يتثاقلون عنه ، ولا يتوانون فيه " . وقال القرطبي : { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ } أي : لا يخالفونه في أمر من زيادة ، أو نقصان { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } في وقته لا يقدمونه ، ولا يؤخرونه . وقيل : أي : لذتهم في امتثال أمر اللَّهِ ، كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة ، ذكره بعض المعتزلة ، وعندهم أنه يستحيل التكليف غداً ، ولا يخفى معتقد أهل الحقِّ في أن الله يكلف العبد اليوم وغداً ، ولا ينكر التكليف غداً في حق الملائكةِ ، ولله أن يفعل ما يشاء .