Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 66, Ayat: 8-8)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } . فرأ الجمهور : بفتح نون " نَصُوحاً " . فهي صيغة مبالغة أسند النصح إليها مجازاً ، وهي من : نصح الثوب ، أي : خاطه فكأنه التائب يرقع ما حرقه بالمعصية . وقيل : هي من قولهم : عسل ناصح ، أي : خالص . وقرأ أبو بكر : بضم النون . وهو مصدر " نَصَحَ " ، يقال : نصح نصحاً ونصوحاً ، نحو : كَفَر كُفْراً وكُفُوراً ، وشَكَرَ شُكْراً وشُكُوراً . وفي انتصابه أوجه : أحدها : أنه مفعول له ، أي : لأجل النصح الحاصل نفعه عليكم . والثاني : أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف ، أي : ينصحهم نصحاً . الثالث : أنه صفة لها ، إما على المبالغة على أنها نفس المصدر ، أو على حذف مضاف ، أي : ذات نصوحٍ . وقرأ زيد بن عليّ : " تَوْباً " دون تاء . فصل في تعلق هذه الآية بقوله يا أيها الذين كفروا قال ابن الخطيب : وجه تعلق هذه الآية بقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أنه - تعالى - نبّههم على رفعِ العذاب في ذلك اليوم ، بالتوبة في الدنيا ، إذ في ذلك اليوم لا تفيدُ التوبةُ . فصل أمر بالتَّوبة ، وهي فرض على الأعيان في كُلِّ الأحوال ، وكُلِّ الأزمان واختلفوا في التوبة النَّصُوح : فقيل : هي التي لا عودة بعدها ، كما لا يعود اللَّبن إلى الضرع . روي عن عمر ، وابن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، ورفعه معاذٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : " النَّصُوحُ " الصَّادقة الخالصة . وقيل : الخالصة . يقال : نصح له ، أي : أخلص له القول . وقال الحسن : " النَّصُوحُ " أن يبغض الذنب الذي أحبه ، ويستغفر منه إذا ذكره . وقيل : هي التي لا يثق بقبولها ، ويكون على وجلٍ منها . وقال الكلبيُّ : التوبة النَّصوح ، الندم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإقلاع عن الذنب ، والعزم على ألاَّ يعود . وقيل غير ذلك . فصل في الأشياء التي يُتَاب منها قال بعض العلماءِ : الذنبُ الذي لا يكونُ منه التوبةُ لا يخلو ، إما أن يكون حقاً لله أو للآدميين ، فإن كان حقاً لله عز وجل كتركِ صلاة ، أو صوم أو تفريط في زكاة ؛ فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها . وإن كان قتل نفساً بغير حقٍّ ، فإن تمكن من القصاص منه إن طلب به ، فإن عُفِيَ عنه كفاه النَّدم ، والعزم على ترك العودِ بالإخلاص ، وكذلك إن عُفِي عنه في القَتْل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجداً له ، قال تعالى : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة : 178 ] . وإن كان ذلك من حدود الله - ما كان - فإنه إذا تاب إلى الله - تعالى - بالندم الصحيح سقط منه ، وقد نصَّ الله - تعالى - على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرةِ عليهم ، كما تقدم . وكذلك الشُّرَّاب ، والسُّراق ، والزُّناة إذا صلحوا ، وتابوا ، وعرف ذلك منهم ، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم ، وإن رفعوا إليه فقالوا : تُبْنا لم يتركهم في هذه الحال كالمحاربين إذا غلبوا ، هذا مذهب الشافعي . فإن كان الذنبُ من مظالم العباد ، فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه ، والخروج عنه - عيناً كان أو غيره - إن كان قادراً عليه ، فإن لم يكن قادراً ، فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت ، وأسرعه . وإن كان لواحد من المسلمين ، وذلك الواحد لا يشعر به ، ولا يدري من أين أتى ، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه ، ثم يسأله أن يعفو عنه ، ويستغفر له ، فإذا عفى ، فقد سقط الذنب عنه ، وإن أرسل من يسأل ذلك له ، فعفى ذلك المظلوم عن ظلمه عرفه بعينه ، أو لم يعرفه ، فذلك صحيح . وإن أساء رجل إلى رجل ، بأن فزعه بغير حق ، أو غمه ، أو لطمه ، أو صفعه بغير حق ، أو ضربه بسوط وآلمه ، ثم جاءه مستعفياً نادماً على ما كان منه عازماً على ألا يعود فلم يزل يتذلل له ، حتى طابت نفسه فعفا عنه ، سقط الذَّنب عنه ، وهكذا إن شتمه بشتمٍ لا حدَّ فيه . قوله : { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } . " عَسَى " من الله واجبةً ، وهو معنى قوله - عليه الصلاة والسلام - : " التَّائِبُ من الذَّنْبِ كمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ " . و " أنْ " في موضع نصب . قوله : " ويُدخِلَكُمْ " . معطوف على " يُكَفِّرَ " . قرأ العامة : بالنصب . وابن أبي عبلة : بسكون اللام . فاحتمل أن يكون من إجراء المنفصلِ مجرى المتصل ، فسلبت الحركة ؛ لأنه يتحلل من مجموع " يُكفِّرَ عَنْكُم " مثل " نطع وقمع " فيقال : فيهما : نَطْع وقَمْع . ويحتمل أن يكون عطفاً على محل " عَسَى أن يُكَفِّرَ " كأنه قيل : توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ، ويدخلكم ، قاله الزمخشري . يعني أن " عَسَى " في محل جزم جواباً للأمر ؛ لأنه لو وقع موقعها مضارع لانجزم كما مثل به الزمخشري . وفيه نظر ؛ لأنا لا نسلم أن " عَسَى " جوابٌ ولا تقع جواباً ؛ لأنها للإنشاء . قوله : { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ } . " يَوْمَ " منصوب بـ " يُدخِلَكُم " ، أو بإضمار " اذْكُرْ " . ومعنى " يُخْزِي " هنا : يعذب ، أي : لا يعذبه ، ولا يعاقب الذين آمنوا معه . قالت المعتزلة : قوله تعالى : { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } يدل على أنه لا يعذب الذين آمنوا ؛ لأن الإخزاء يقع بالعذاب ، ولو كان أصحاب الكبائر من أهل الإيمان لم يخفف عليهم العذاب . قال ابنُ الخطيب : وأجاب أهل السُّنة بأنه - تعالى - وعد أهل الإيمان بألاَّ يخزيهم . من أهل السنَّةِ من يقف على قوله : { يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ } ، ومعناه لا يخزيه في رد الشفاعة ، والإخزاء : الفضيحة ، أي : لا يفضحهم بين يدي الكفار ، ويجوز أن يعذبهم على وجه لا تقف الكفرة عليه . قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يجوز فيه وجهان : أحدهما : أن يكون منسوقاً على " النَّبِي " ، أي : ولا يخزي الذين آمنوا ، فعلى هذا يكون " نُورُهُمْ يَسْعَى " مُستأنفاً ، أو حالاً . والثاني : أن يكون مبتدأ ، وخبره " نُورُهُمْ يَسْعَى " ، و " يَقُولُون " خبر ثاني أو حال . وتقدم إعراب مثل هذه الجمل في " الحديد " وإعراب ما بعدها في " براءة " . وقرأ أبو حيوة ، وأبو نهل الفهمي : " وبإيْمَانهِمْ " بكسر الهمزة . ومعنى قوله : { نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي : في الدنيا وبأيمانهم عند الحساب ، لأنهم يؤتون الكتاب بأيمانهم ، وفيه نور ، وخير . وقيل : يسعى النور بين أيديهم في موضع وضع أقدامهم " وبأيْمانِهِمْ " لأن خلفهم وشمالهم طرق الكفرة ، وقولهم : { رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } قال ابن عباس : يقولون ذلك عند إطفاء نور المُنافقين إشفاقاً . وقال الحسنُ : إنه - تعالى - يتمّم لهم نورهم ، ولكنهم يدعون تقرباً إلى حضرة الله تعالى ، كقوله : { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } [ غافر : 55 ] وهو مغفور . وقيل : أدناهم منزلة من نوره بقدر ما يبصر موضع قدمه ، فيسألون إتمامه . وقال الزمخشري : السَّابقون إلى الجنَّة يمرون كالبرقِ على الصِّراط ، وبعضهم كالريح ، وبعضهم كالجواد المسرع ، وبعضهم حَبْواً ، وهم الذين يقولون : ربنا أتمِمْ لنا نورنا . فإن قيل : إنه - تعالى - لا يخزي النبي في ذلك اليوم ، ولا الذين آمنوا معه ؟ . فالجوابُ : لأن فيه إفادة الاجتماع ، بمعنى لا يخزي الله المجموع ، أي : الذين يسعى نورهم ، وفيه فائدة عظيمة ، إذ الاجتماع بين الذين آمنوا ، وبين نبيهم تشريفٌ في حقهم وتعظيم .