Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 67, Ayat: 25-30)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، أي : متى يوم القيامة ومتى هذا العذابُ الذي تعدوننا به ؟ . قال أبو مسلم : إنه تعالى قال : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } بلفظ المستقبلِ ، وهذا يحتمل ما يوجد من الكفار من هذا القول في المستقبل ، ويحتمل الماضي ، والتقدير : وكانوا يقولون : متى هذا الوعد ، ولعلهم كانوا يقولون ذلك سخرية ، واستهزاء ، وكانوا يقولونه إيهاماً للضعفة ، ثم إنه تعالى أجاب عن هذا السؤالِ ، فقال { إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ } ، أي : قل لهم يا محمد : علم وقت قيام الساعة عند الله فلا يعلمه غيره ، نظيره : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } [ الأعراف : 187 ] الآية { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي : مخوف ومعلم لكم ، ثم إنه تعالى بين حالهم عند ذلك الوعد وهو قوله : { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، أي : الموعود ، أو العذاب زلفة ، أي : قريباً ، فهو حال . وقال القرطبيُّ : " مصدر ، بمعنى مزدلفاً ، أي : قريباً ، قاله مجاهد " . ولا بد من حذف مضاف ، أي : ذا زلفة ، وجعل الزلفة مبالغة . وقيل : " زُلْفَة " تقديره : مكاناً ذا زلفةٍ ، فينتصب انتصاب المصدرِ . فصل في المراد بالعذاب . قال الحسنُ : عياناً . وأكثر المفسرين على أن المراد عذابُ الآخرةِ . وقال مجاهدٌ : عذاب يوم بدر . وقيل : رأوا ما يوعدون من الحشر قريباً منهم ، لقوله { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } . وقال ابن عباس : يعني علمهم الشيء قريباً . قوله : " سِيئَتْ " ، الأصل : " ساء " أحزن وجوههم العذاب ، ورؤيته ، ثم بني للمفعول ، وساء هنا ليست المرادفة لـ " بئس " كما تقدم مراراً . وأشم كسرة السين الضم : نافع وابن عامر والكسائي ، كما فعلوا ذلك في { سِيۤءَ بِهِمْ } [ هود : 87 ] في " هود " كما تقدم . والباقون : بإخلاص الكسر ، وتقدم تحقيق هذا وتصريفه في أول " البقرة " ، وأن فيه لغات عند قوله { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } [ البقرة : 11 ] . فصل في معنى الآية قال ابن عباس : " سِيْئَتْ " أي : اسودت وعليها الكآبة والغبرة . يقال : ساء الشيءُ يسوء ، فهو مسيء إذا قبح ، وساء يساء إذا قبح ، وهو فعل لازم ومتعدّ ومعنى { سِيئَتْ وُجُوهُ } ، أي : قبحت ، بان عليها الكآبةُ ، وغشيها الكسوفُ والقترة وكلحوا . قال الزجاج : تبين فيها السوء ، أي : ساءهم ذلك العذاب وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم ، كقوله تعالى { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران : 106 ] . قوله : { وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } ، أي : قال لهم الخزنة . قال الفراء : " تفتعلون " من الدعاء . وهو قول أكثر العلماءِ ، أي : تتمنون ، وتسألون . وقال ابن عباس : تكذبون ، وتأويله : هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأحاديث قاله الزجاج . وقرأ العامة : بتشديد الدال مفتوحة . فقيل : من الدعوى ، أي : تدعون أنه لا جنة ولا نار ، قاله الحسنُ . وقيل : من الدعاء ، أي : تطلبونه وتستعجلونه . وقرأ الحسنُ وقتادةُ وأبو رجاء والضحاك ، ويعقوب وأبو زيد وأبو بكر وابن أبي عبلة ونافع في رواية الأصمعي : بسكون الدالِ ، وهي مؤيدة للقول بأنها من الدعاء في قراءة العامة . وقال قتادة : هو قولهم : { رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } [ ص : 16 ] . وقال الضحاك : هو قولهم : { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [ الأنفال : 32 ] الآية . وقال النحاس : تدَّعون ، وتدْعون ، بمعنى واحد ، كما يقال : قدر واقتدر ، وعدى واعتدى إلا أن في " افتعل " معنى شيء بعد شيء ، و " فَعَل " يصح للقيل والكثير . قوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ ٱللَّهُ } . أي : قل لهم يا محمد ، يعني مشركي مكة وكانوا يتمنون موت محمد صلى الله عليه وسلم كما قال : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [ الطور : 30 ] أرأيتم إن متنا ، أو رحمنا ، فأخرت آجالنا ، يعني أنا ومن معي من المؤمنين فمن يجيركم من عذاب الله ؟ فلا حاجة لكم إلى التربص بنا ولا إلى استعجال قيام الساعة . وأسكن الياء في " أهْلَكَنِي " ابن محيصن والمسيبي وشيبة والأعمش وحمزة وفتحها الباقون . وكلهم فتح الياء في " ومَنْ مَعِيَ " إلا أهل الكوفة فإنهم سكنوها ، وفتحها حفص ، كالجماعة . قوله : { قُلْ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } . قد تقدم لِمَ أخر متعلق الإيمان وقدم متعلق التوكل ، وأن التقديم يفيد الاختصاص . قال القرطبيُّ : إنما قدم لوقوع " آمَنَّا " تعريضاً بالكافرين ، حين ورد عقب ذكرهم ، كأنه قيل : آمنا ولم نكفر كما كفرتم ، ثم قال : " وعَليْهِ تَوكَّلْنَا " خصوصاً لم نتكل على ما أنتم متكلون عليه من رجالكم وأموالكم ، قاله الزمخشري . وقرأ الكسائي : " فَسَيْعلمُونَ " بياء الغيبة نظراً إلى قوله " الكَافِرينَ " . والباقون : على الخطاب ، إما على الوعيد وإما على الالتفات من الغيبة المرادة في قراءة الكسائي وهو تهديد لهم ، أي : فستعملون عند معاينة العذاب من الضال نحن ، أم أنتم . قوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ } يا معشر قريش { إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً } أي : غائراً ذاهباً في الأرض لا تناله الدلاء ، و " غَوْراً " خبر " أصْبَحَ " ، وجوز أبو البقاء : أن يكون حالاً على تمام " أصْبَحَ " ، لكنه استبعده . وحكى أنه قرىء : " غُؤُوراً " - بضم الغين ، وهمزة مضمومة ، ثم واو ساكنة - على " فعول " وجعل الهمزة منقلبة عن واو مضمومة . فصل في المراد بالماء كان ماؤهم من بئرين : بئر زمزم وبئر ميمون { فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ } أي : جارٍ ، قاله قتادة والضحاك . فلا بد لهم أن يقولوا : لا يأتينا به إلا الله تعالى ، فقل لهم : فلم تشركون به من لا يقدر على أن يأتيكم به . يقال : غار الماء يغور غوراً : نضب ، والغور : الغائر ، وصف بالمصدر للمبالغة كما تقول : رجلٌ عدلٌ ، ورضى . كما تقدم في سورة الكهف . قال ابن عباسٍ : " بِماءٍ مَعينٍ " أي : ظاهر تراه العيون ، فهو مفعول . وقيل : هو من معن الماءُ ، أي : كثر ، فهو على هذا " فَعِيل " . وعن ابن عباس أيضاً : " فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ عذبٍ " . روى أبو هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ سُورةً مِنْ كتابِ اللَّهِ ما هِيَ إلاَّ ثلاثُون آيَةً شَفَعتْ لرَجُلٍ فأخْرجتْهُ يَوْمَ القيامةِ مِن النَّارِ وأدْخلتْهُ الجَنَّةَ هِيَ سُورةُ تبَارَكَ " . وعن عبد الله بن مسعود قال : إذا وضع الميت في قبره يؤت من قبل رجليه فيقال : ليس لكم عليه سبيل لأنه قد كان يقوم بي سورة " المُلْك " ثم يؤتى من قبل رأسه فيقول لسانه : ليس لكم عليه سبيل كان يقرأ بي سورة " المُلك " ، ثم قال : هي المانعة من عذاب الله وهي في التوراة سورة الملك ، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطنب . وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ودِدْتُ أنَّ { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } في قلبِ كُلِّ مُؤمِنٍ " .