Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 44-52)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَوْ تَقَوَّلَ } ، هذه قراءةُ العامَّة ، " تَفعَّل " من القول مبنيًّا للفاعل . قال الزمخشريُّ : " التقوُّلُ ، افتعالُ القولِ ؛ لأن فيه تكلُّفاً من المفتعل " . وقرأ بعضهم : " تُقُوِّلَ " مبنياً للمفعول . فإن كان هذا القارىءُ رفع بـ " بَعْضَ الأقاويل " فذاك ، وإلا فالقائم مقام الفاعل الجار ، وهذا عند من يرى قيام غير المفعول به مع وجوده . وقرأ ذكوانُ وابنه محمد : " يَقُولُ " مضارع " قَالَ " . و " الأقاويل " جمعُ : " أقوال " ، و " أقوال " جمع : " قول " ، فهو نظير : " أبَاييت " جمع : " أبياتٍ " جمع " بيتٍ " . وقال الزمخشريُّ : وسمى الأقوال المنقولة أقاويل تصغيراً لها وتحقيراً ، كقولك : " الأعاجيب " و " الأضاحيك " ، كأنها جمع " أفعولة " من القول . والمعنى : لو نسب إلينا قولاً لم نقله " لأخذْنَا مِنْهُ باليَميْنِ " أي : لأخذناه بالقوة ، و " الباء " يجوز أن تكون على أصلها غير مزيدة ، والمعنى لأخذناه بقوة منا فـ " الباء " حالية ، والحالُ من الفاعل ، وتكون " من " في حكم الزائدةِ ، واليمينُ هنا مجاز عن القوة والغلبة ؛ لأن قوة كل شيء في ميامنه . قال القتبي : وهو معنى قول ابن عباس ومجاهد . ومنه قول الشماخ : [ الوافر ] @ 4854 - إذَا ما رايةٌ رُفِعتْ لمَجْدٍ تلقَّاهَا عَرابَةُ باليَميْنِ @@ قال أبو جعفر الطبري : هذا الكلام مخرج مخرج الإذلال ، على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب . ويجوز أن تكون الباءُ مزيدةً ، والمعنى : لأخذنا يمينه ، والمراد باليمين الجارحة كما يفعل بالمقتول صبراً يؤخذ بيمينه ، ويضرب بالسَّيف ، في جيده موجهة ، وهو أشد عليه . قال الحسن : لقطعْنَا يدهُ اليمنى . وقال نفطويه : المعنى لقبضنا بيمينه عن التصرف . وقال السدِّي ومقاتل : والمعنى : انتقمنا منه بالحقِّ ؛ واليمين على هذا بمعنى الحق ، كقوله تعالى : { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } [ الصافات : 28 ] أي : من قبل الحق . قوله : { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } . وهو العِرْق المتصل من القلب بالرأس الذي إذا قُطعَ مات صاحبُه . قاب أبو زيد : وجمعه الوُتْن ، وثلاثة أوتِنَة ، والموتُون الذي قُطِعَ وتينُه . وقال الكلبي : هو عِرْق بين العلباء والحُلْقوم ، وهما علباوان ، وإن بينهما العِرْق . والعِلْباء : عصب العنق . وقيل : عرق غليظ تصادفه شفرة النَّاحر . قال الشماخُ : [ الوافر ] @ 4855 - إذَا بلَّغَتنِي وحَملْتِ رحْلِي عرَابَةُ فاشْرقِي بِدمِ الوتِينِ @@ وقال مجاهد : هو حبل القلب الذي في الظهر ، وهو النخاع ، فإذا انقطع بطلت القوى ، ومات صاحبه . وقال محمدُ بن كعب : إنه القلبُ ومراقه ، وما يليه . وقال عكرمة : إنَّ الوتينَ إذا قُطعَ لا إن جَاعَ عرف ولا إن شَبعَ عرف . قال ابن قتيبة : ولم يرد أنا نقطعه بعينه ، بل المراد أنه لو كذب لأمتناه فكان كمن قُطِعَ وتينه . ونظيرهُ قوله صلى الله عليه وسلم : " مَا زَالَتْ أكْلَةُ خيْبَر تُعاودُنِي ، فهذا أوَانُ انقِطَاعِ أبْهَرِي " " والأبَهَرُ " : عِرْقٌ متصل بالقلب فإذا انقطع مات صاحبُه ، فكأنه قال : هذا أوانُ يقتلني السُّم ، وحينئذ صرتُ كمن انقطع أبهره . قوله : { فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } . في " حاجزين " وجهان : أحدهما : أنه نعت لـ " أحد " على اللفظ ، وإنما جمع المعنى ، لأن " أحداً " يعُمُّ في سياق النفي كسائر النكراتِ الواقعة في سياق النَّفْي ، قاله الزمخشري والحوفيُّ . وعلى هذا فيكون " مِنْكُم " خبراً للمبتدأ ، والمبتدأ في " أحد " زيدت فيه " مِنْ " لوجود شرطها . وضعفه أبو حيَّان : بأن النفي يتسلَّط على كينونته " منكم " ، والمعنى إنما هو على نفي الحجز عما يراد به . والثاني : أن يكون خبراً لـ " ما " الحجازية ، و " من أحد " اسمها ، وإنما جُمِع الخبرُ لما تقدم و " منكم " على هذا حالٌ ، لأنه في الأصل صفة لـ " أحد " أو يتعلق بـ " حاجزين " ولا يضر ذلك لكون معمول الخبر جاراً ، ولو كان مفعولاً صريحاً لامتنع ، لا يجوز : " ما طعامك زيداً آكلاً " ، أو متعلق بمحذوف على سبيل البيان ، و " عنه " يتعلق بـ " حاجزين " على القولين ، والضمير للمقتول ، أو للقتل المدلول عليه بقوله : " لأخذْنَا ، لقطعنا " . قال القرطبيُّ : المعنى فما منكم قوم يحجزون عنه لقوله تعالى { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } [ البقرة : 285 ] هذا جمع لأن " بين " لا تقع إلا على اثنين فما زاد ، قال عليه الصلاة والسلام : " لَمْ تحلَّ الغَنائِمُ لأحدٍ سُودِ الرُّءوسِ قَبْلكُمْ " . لفظه واحد ، ومعناه الجمع ، و " من " زائدة . والحَجْز : المنع ، و " حَاجزيْنَ " يجوز أن يكون صفة لـ " أحد " ، على المعنى كما تقدم ، فيكون في موضع جر ، والخبر " منكم " ، ويجوز أن يكون منصوباً ، على أنه خبر ، و " منكم " ملغى ، ويكون متعلقاً بـ " حاجزين " ، ولا يمنع الفصل به من انتصاب الخبر في هذا ، كما لم يمتنع الفصل به في " إنَّ فيك زيداً راغبٌ " . قوله : { وَإِنَّهُ } . يعني : القرآن { لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } ، أي : الخائفين الذين يخشون الله ، ونظيره { فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] . وقيل : المراد محيمد صلى الله عليه وسلم أي : هو تذكرة ورحمة ونجاة . { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ } . قال الربيع : بالقرآن ، { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ } يعني : القرآن { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } إمَّا يوم القيامة إذا رأوا ثواب المصدقين به ، أو في الدنيا إذا رأوا دولة المؤمنين به ، أو حين لم يقدروا على معارضته حين تحدَّاهم أن يأتوا بسورة مثله . والحسرة : الندامة . وقيل : " إنه لحسرة " يعني : التكذيب به ، لدلالة مكذبين على المصدر دلالة " السَّفيه " فيه في قوله : [ الوافر ] @ 4856 - إذَا نُهِيَ السَّفيهُ جَرَى إليْهِ وخَالفَ ، والسَّفيهُ إلى خِلافِ @@ أي : إلى السَّفهِ . فصل فيمن استدل بالآية على أن الكفر ليس من الله قال ابنُ الخطيب : وللمعتزلة أن يتمسكوا بهذه الآية ، على أنَّ الكُفر ليس من الله ؛ لأنه وصف القرآن بأنه تذكرةٌ للمتقين ، ولم يقل : إنه ضلالٌ للمكذبين ؛ بل نسب الضَّلال إليهم بقوله : { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ } . والجوابُ : ما تقدم . قوله : { وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ } يعني : القرآن العظيم ، تنزيل من الله - عز وجل - فهو كحق اليقينِ . وقيل : حقًّا يقيناً لا بطلان فيه ، ويقيناً لا ريب فيه ، ثم أضيف أحد الوصفين إلى الآخرة للتأكيد ، قاله ابن الخطيب . وقال القرطبيُّ : قال ابنُ عبَّاسٍ : إنما هو كقولك : عينُ اليقينِ ومحضُ اليقينِ ، ولو كان اليقينَ نعتاً لم يجز أن يضاف إليه ، كما لا تقول : هذا رجل الظريف . وقيل : أضافه إلى نفسه لاختلاف اللفظين . وقوله : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } . قال ابن عبَّاس : أي : فَصَلِّ لربِّك وقيل : نزِّه اللَّه عن السوءِ والنقائصِ ، إما شُكْراً على ما جعلك أهْلاً لإيحائه إليك ، وإمَّا تنزيهاً له عن الرضا بأن يُنسبَ إليه الكذبُ من الوَحْي . روى الثعلبي عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورةَ الحَاقَّةِ حَاسَبَهُ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - حِسَاباً يَسِيراً " . وعن فُضالةَ بنِ شريك ، عن أبي الزاهرية قال : سمعته يقول : " مَنْ قَرَأ إحدى عَشْرَةَ آيةً من سُورةِ الحاقَّةِ ، أجِير من فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ؛ ومنْ قَرَأها ، كَانَ لَهُ نُوراً مِنْ فَوْقِ رَأسِهِ إلى قَدَمَيْهِ " .