Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 100-100)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَهْدِ } يريدُ كبراء مكَّةَ . قرأ الجمهور : " يَهْد " بالياء من تحت ، وفي فاعله حينئذ ثلاثة أوجه : أظهرها : أنَّهُ المصدرُ المؤوَّلُ من " أن " وما في حيِّزها ، والمفعول محذوفٌ ، والتقديرُ : أو لم يهد أي يبين ويوضح للوارثين مآلهم وعاقبة أمرهم ، وإصابتنا إيَّاهُم بذنُوبِهم لو شئنا ذلك ، فقد سبكنا المصدر من " أنْ " ومن جواب لو . والثاني : أنَّ الفاعل هو ضميرُ الله تعالى ، أي : أو لم يبيِّن الله ويُؤيِّدُه قراءةُ من قرأ " نَهْدِ " بالنون . الثالث : أنَّهُ ضمير عائدٌ على ما يفهم من سياق الكلام ، أي : أو لم يهد ما جرى للأمم السَّالِفَةِ كقولهم : إذَا كَانَ غَداً فأتني أي : إذا كان ما بيني وبينكَ مما دلَّ عليه السِّياق . وعلى هذين الوجهين ، فـ " أنْ " وما في حيِّزها بتأويلِ مصدر كما تقدَّم في محلِّ المفعُولِ والتَّقديرُ : أو لم يبين ويوضِّح الله أو ما جرى لأمم إصابتنا إيَّاهُم بذنوبهم أي : بعقاب ذُنُوبِهِم لو شئنا ذلك . وقرأ مُجاهدٌ وقتادةُ ويعقوبُ : " نَهْدِ " بنون العَظَمَة و " أنْ " مفعولٌ فقط ، و " أنْ " هي المخفَّفةُ من الثَّقيلة و " لَوْ " فاصلةٌ بينها وبين الفِعْلِ ، وقد تقدَّم أنَّ الفصل بها قليل . و " نَشَاءُ " وإن كان مُضَارعاً لفظاً فهو ماضٍ معنى ؛ لأنَّ " لو " الامتناعية تخلِّصُ المضارع للمُضِيِّ . وفي كلام ابن الأنْبَاريِّ خلافه ، فإنَّهُ قال في " ونَطْبَعُ " : هذا فعل مستأنفٌ ومنقطعٌ مما قبله ؛ لأنَّ قوله : " أصَبْنَا " ماضٍ و " نَطْبع " مستقبل ثم قال : ويجوزُ أن يكون معطوفاً على " أصَبْنَا " إذ كان بمعنى نُصِيبُ ، والمعنى : " لو يَشَاءُ يصيبهم ويطبع " ، فوضع الماضي موضعَ المستقبلِ عند وضوح معنى الاستقبال كقوله تعالى : { إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ } [ الفرقان : 10 ] [ أي : ] يجعلُ ، بدليل قوله : " ويَجْعَل لَكَ " ، وهذا ظَاهِرٌ قَوِيٌّ في أن " لَوْ " هذه لا تخلِّصُ المضارع للمضيّ ، وتنظيره بالآية الأخْرَى مُقَوٍّ له أيضاً ، وسيأتي تحقيقُ ذلك عند قوله : " ونَطْبَعُ " وقال الفرَّاءُ : وجاز أنْ تَرُدَّ " يَفْعل " [ على فَعَلَ ] في جواب " لو " كقوله : { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ } [ يونس : 11 ] فقوله : " فَنَذَرُ " مردود على " لقضى " ، وهذا قولُ الجمهور ، ومفعول " يَشَاءُ " محذوف لدلالةِ جواب " لو " عليه ، والتَّقديرُ : لو يشاء تعذيبهم ، أو الانتقام منهم . وأتى جوابها بغير لام ، وإن كان مبنيّاً على أحد الجائزين وإن كان الأكثر خلافه ، كقوله تعالى : { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } [ الواقعة : 70 ] . قوله : " ونَطْبَعُ " في هذه الجملة أوْجُهٌ : أحدها : أنَّهَا نسقٌ على " أصَبْنَاهم " وجاز عطف المضارع على الماضي ؛ لأنَّهُ بمعناه ، وقد تقدَّم أنَّ " لو " تخلِّص المضارع للمُضِيِّ ، ولما حكى أبُو حيَّان كلام ابن الأنْبَارِيّ المتقدم قال : " فَجَعل " لو " شرطيّةً بمعنى " إنْ " ولم يجعلها التي هي لِما كان سيقعُ لوقوع غيره ، ولذلِكَ جعل " أصَبْنَا " بمعنى نُصِيبُ . ومثال وقوع " لو " بمعنى " إن " قوله : [ الكامل ] @ 2533 - لا يُلْفِكَ الرَّاجِيكَ إلاَّ مُظْهِراً خُلُقَ الكِرَامِ ولَوْ تكُونُ عَدِيمَا @@ وهذا الذي قاله ابن الأنباريّ ردَّهُ الزَّمخشريُّ من حيث المعنى ، لكن بتقدير : أن يكون " ونَطْبَعُ " بمعنى " طَبْعَنا " فيكون قد عطف المضارع على المَاضِي لكَوْنِهِ بمعنى الماضي وابن الأنباري جعل التَّأويل في " أصَبْنَا " الذي هو جواب " لو نَشَاءُ " فجعله بمعنى " نُصِيبُ " فتأوَّلَ المعطوف عليه وهو الجوابُ ، وردَّهُ إلى المستقبل ، والزمخشريُّ تأوَّلَ المعطوف وردَّهُ إلى المضي وأنتج ردُّ الزَّمخشري أنَّ كلا التقديرين لا يصحُّ " . قال الزمخشريُّ : " فإن قلت : هل يجوزُ أن يكون " وَنَطْبَعُ " بمعنى " طَبَعْنَا " كما كان " لَوْ نَشَاءُ " بمعنى " لَوْ شِئْنَا " ويعطف على " أصَبْنَاهُم " ؟ قلت : لا يساعدُ على المعنى ؛ لأنَّ القَوْمَ كانوا مطبوعاً على قلوبهم ، موصوفين بصفة من قبلهم من اقتراف الذُّنوب والإصابةِ بها ، وهذا التَّفسيرُ يؤدِّي إلى خلوِّهِم من هذه الصِّفةِ ، وأن الله لو شاء لاتَّصَفُوا بها " . قال أبو حيَّان : " وهذا الرَّدُّ ظَاهِرُ الصِّحَّةِ ، وملخصهُ : أن المعطوفَ على الجوابِ جوابٌ ، سواءٌ تأوَّلْنَا المعطوف عليه أم المعطوف ، وجواب " لو " لم يقع بَعْدُ ، سواءً كانت حرفاً لما كان سيقعُ لوقوع غيره أمْ بمعنى " إن " الشَّرطية ، والإصابة لم تقع ، والطَّبْعُ على القلوب واقعٌ ، فلا يَصِحُّ أن تعطف على الجوابِ . فإن تؤوِّل " ونُطِبعُ " على معنى : ونستمرُّ على الطَّبْعِ على قلوبهم ، أمكن التَّعاطف ؛ لأنَّ الاستمرار لم يقع بعدُ ، وإن كان الطَّبْعُ قد وقع " . قال شهابُ الدِّين : " فهذا الوجه الأوَّلُ ممتنعٌ لما ذكره الزَّمخشريّ " . ونقل ابنُ الخطيبِ عن الزَّمَخْشَري أنَّهُ قال : " ولا يجوز أن يكون معطوفاً على " أصَبْنَاهُمْ " ؛ لأنَّهُم كانوا كُفَّاراً ، إذْ كل كَافِرِ فهو مَطْبُوعٌ على قلبه ، فقوله بعد ذلك : { وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } يَجْرِي مَجْرَى تحصيل الحاصلِ وهو مُحَالٌ " . قال ابن الخطيب : " وهذا ضَعِيفٌ ؛ لأنَّ كونه مطبوعاً عليه في الكفر لم يكن هذا منافياً لصِحَّةِ العطفِ " . الوجه الثاني : أن يكون " نَطْبَعُ " مستأنفاً ، ومنقطعاً عمَّا قبله فهو في نيَّةِ خبر مبتدأ مَحْذُوفٍ أي : ونحن نَطْبَعُ . وهذا اختيار الزَّجَّاج والزمخشري وجماعة . الثالث : أن يكون معطوفاً على " يَرثُونَ الأرْضَ " قاله الزَّمَخْشَرِيُّ . قال أبو حيَّان : " وهو خطأٌ ؛ لأنَّ المعطوف على الصِّلةِ صلةٌ ، و " يَرِثُونَ " صلة لـ " الَّذِين " ؛ فَيَلْزَمُ الفصلُ بين أبعاض الصِّلة بأجنبي ، فإن قوله : { أَن لَّوْ نَشَآءُ } إمَّا فاعل لـ " يهد " أو مفعوله كما تقدم وعلى كلا التقديريْنِ فلا تعلق له بشيء من الصِّلة ، وهو أجنبيٌّ منها ، فلا يفصل به بين أبعاضها ، وهذا الوجْهُ مؤدٍّ إلى ذلك فهو خطأ " . الرابع : أن يكون معطوفاً على ما دَلَّ عليه معنى { أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ } كأنَّهُ قيل : يغفلون عن الهداية ، ونَطْبَعُ على قُلُوبِهِم قاله الزَّمخشريُّ أيضاً . قال أبو حيَّان : وهو ضعيف ؛ لأنَّه إضمار لا يحتاج إليه ، إذْ قد صحَّ عطفه على الاستِئْنَافِ من باب العطفِ على الجُمَلِ ، فهو معطوف على مَجْمُوع الجملة المصدَّرة بأداة الاستفهام ، وقد قاله الزَّمخْشَرِيُّ وغيره . وقوله : { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أتى بـ " الفاء " هنا إيذاناً بتعقيب عدم سماعهم على أثَرِ الطَّبْع على قلوبهم . فصل في بيان أنه تعالى قد يمنع العبد من الإيمان استدل أهل السُّنَّةِ بقوله تعالى : { وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } على أنَّهُ تعالى قد يمنع البعدَ من الإيمانِ ، والطَّبعُ والختم والرَّيْنُ والغشاوةُ والصدُّ والمنع واحد على ما تقدَّم . قال الجبائِيُّ : المرادُ من هذا الطبع أنَّهُ تعالى يسمُ قلوب الكفَّارِ بسماتٍ وعلامات تعرف الملائكة بها أنَّ صاحبها لا يؤمن ، وتلك العلامةُ غير مانعة من الإيمان . وقال الكعبيُّ : إنَّمَا أضاف الطَّبْعَ إلى نفسه ، لأجْلِ أنَّ القومَ إنَّما صاروا إلى ذلك الكُفْرِ عند أمره وامتحانه ، فهو كقوله تعالى : { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } [ نوح : 6 ] وقد تقدَّم البَحْثُ في مثل ذلك .